IMLebanon

الزحليون يتمسّكون بـ”عيد أعيادهم” رغم الخيبات

كتبت لوسي بارسخيان في نداء الوطن:

لعيد “خميس الجسد” الذي تحيي مدينة زحلة من خلاله ذكرى الأعجوبة التي خلصتها من مرض الطاعون في سنة 1825، أهمية خاصة. فبعيداً من المضمون الروحي للمناسبة، يرسخ هذا العيد منذ نحو مئتي سنة، نمطاً إجتماعياً يصعب على أبناء المدينة تخطيه، ويؤمن لها خصوصية في المحيط، جعلتها بمثل هذا اليوم تستقطب الحجاج من مختلف الأنحاء، تباركاً بالقربان المقدس، الذي يخرج كأسه في يوم “خميس الجسد” فقط من هيكله، لتكرس به الرؤوس والصمدات التي يتعاون أبناء الأحياء والشوارع على تصميمها وتنفيذها بحماس كبير.

حتى ما قبل سنة 2020، لم يحد التقليد عن ممارساته. وعلى الطريقة الزحلية التي تمجد كل خصوصية في المدينة، صار “خميس الجسد” يعرف بعيد أعياد المدينة.

يبدأ هذا اليوم بصلوات وقداديس تقام في مختلف الكنائس بدءاً من فجر هذا اليوم، ليخرج من بعدها المؤمنون من مختلف الطوائف، وينطلقوا بمسيرات تتقدمها الفرق الكشفية والأخويات، وصولاً الى سرايا زحلة الحكومي حيث المنصة الرسمية لأساقفة المدينة، وللرسميين المشاركين في الإحتفال، وتلاوة البركة المشتركة، قبل أن ينطلق كل المتجمعين بموكب موحد يطوف في شوارع زحلة ويباركها.

تفهّم الزحليون في العام الماضي، الظروف القاهرة التي قلصت حجم المنصة الرسمية، وفرضت إلتزاماً بإجراءات التعبئة العامة التي منعت التجمعات، على رغم تمسك الكثيرين بالبعد الإيماني لهذا اليوم، وإعتبارهم بأنه إذا كانت زحلة قد نجت في سنة 1825 من مرض الطاعون، عندما اتخذ المثلث الرحمات أسقف الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران إغناطيوس عجوري القرار، بأن يطوف بالقربان المقدس في شوارع المدينة فانقطع دابر المرض، فلا شيء يمنع بأن يكرسوا هذا الإيمان مجدداً، ويتركوا أمثولة للأجيال المقبلة عن قوة إيمانهم التي جعلتهم يتَحَدّون “جائحة” العصر.

ليس النقص في إيمان أهالي زحلة هو الذي منعهم من إختبار أعجوبة جديدة للقربان المقدس، إنما حجم الإنتشار الواسع للوباء الذي جعل “التعقل” وجهاً آخر من أوجه ممارسة هذا الإيمان. ومع ذلك أصرت طلائع فرسان العذراء في كنيسة مار يوسف الانطونية، على تنظيم تطواف رفعوا خلاله صلواتهم على نية نجاة زحلة ولبنان وكل العالم من هذا الوباء، فجاءت مشاركة اهالي المدينة مفاجئة بكثافتها حينها، بعد سنوات من تراجع المشاركة بهذه المناسبة في الاعوام السابقة.

 

الى أن حلت هذه السنة الذكرى الـ196 للأعجوبة. في الخميس الأول من شهر حزيران، بعد أسابيع من إستعادة مختلف الانشطة الإقتصادية في المدينة، وتجدد التجمعات في الكنائس كما في أماكن السهر.

عبر الزحليون منذ مساء الأربعاء عن توقهم لإعادة الزخم لـ”عيد أعيادهم”. فتلونت مختلف الشوارع بألوان الورد التي زينت الصمدات في محطات إمتدت على طول الشوارع التي عبرها القربان المقدس. إلا أن المشهد المخيب كان في غياب الصمدة الرئيسية أمام سراي زحلة الحكومي، والتي استبدلت بعربة متنقلة إعتلاها أساقفة المدينة، ليباركوا المؤمنين الذين توزعوا على الصمدات الصغيرة الموزعة على الطرقات العامة.

وخيبة زحلة التي عبر عنها عدد كبير من أهالي المدينة، تتخطى إحياء المناسبة هذه السنة، الى ممارسات متكررة منذ سنوات، تمعن في تفريغ العيد من حيويته، وتجعله مجرد تقليد مسحوب من الروح، يتحكم به إخراج تلفزيوني، أولويته في ملء الهواء تسلب الزحليين تقليدهم، وتسخر كل المشاركين فيه كممثلين فاقدين الروح، وكأننا أمام مشاهد تلفزيونية سطحية بميزانية هزيلة، تستخف بدور الناس في زحلة، وتعتبرهم عبئاً على شاشتها، بينما بإيمانهم هم أبطال هذا اليوم.