IMLebanon

الجيش رئة التواصل مع الخارج

كتب أحمد الأيوبي في “اللواء”: 

لا يختلف مشهد لبنان عن مشهد نهاية الأندلس على يد ملوك الطوائف. فالدولة تنهار بينما يتنازع من يحسبون أنفسهم «ملوكاً»، كراسيّ السلطة فيحطمون في اختصامهم مداميك الكيان ويدمرون العمارة والبنيان، ويقضون على معالم الحضارة، ويعيدون الناس إلى زمن الفحم والحجارة.. وهم يتصايحون باسم الطائفة والمذهب، ولا يرون جوع الناس الذي بات عابراً للمناطق والطوائف، ولا يوقفهم أنين الضحايا ولا صراخ الاحتجاج.

فوضى هائلة تجتاح لبنان وتسمي نفسها سلطة، تنظم السلب وتدعم النهب، ولا تراعي في المواطنين إلا ولا ذمة، ويحاول القائمون عليها إقناع اللبنانيين بأنهم يتصارعون من أجلهم لا عليهم، فتتطاير الفتاوى الدستورية المجنونة ويتصارع القضاة في حلبات الشركات وساحات القضاء، ويخرج المرشد ليعلن بدء شحن المشتقات النفطية من إيران التي تعاني الشحّ والعطش النفطي بشكلٍ فاضح.

سلطة التمييز الجائر.. ضد طرابلس

ماذا يمكن أن ننتظر من سلطة تسبب تواطؤها مع السلاح في تخسير اللبنانيين منافذ التصدير إلى الخليج، وهي لا تستحي من لعب أدوار البطولة على بعض صغار المهربين لتوحي للعالم أنها فعلاً تكافح التهريب المنفلت براً وبحراً وجواً.

هذه السلطة لم تستحِ من أن تعلن بكلّ صفاقة ووقاحة وفجور، بأنّها تريد حرمان مرفأ طرابلس، النظيف السمعة والذائع الصيت بالثقة والنجاح والتطوير، لصالح مرفأ بيروت المفجّر والمستباح بما يسمى «خط المقاومة»، والذي خرجت منه بعد جريمة تفجيره عشرات شحنات المخدرات إلى مصر والسعودية واليونان وغيرها من دول العالم.

في مسرحيات التكاذب البشعة هذه يخرج نائب «البطاطا» ميشال ضاهر ليدعي زوراً تصليح جهاز السكانر في مرفأ طرابلس، وهو جهاز «سليم معافى» لا يشكو عطلاً ولا ضرراً، وليعلن هذا النائب أنه يدرس نقل الجهاز من مرفأ طرابلس الناشط، إلى مرفأ بيروت المعتلّ والفاقد لضمانات السلامة الأساسية.

سدّ بسري من جديد.. ونموذج سد المسيلحة قائم

لا تكفّ هذه السلطة ونوابها المتسلّقون الباحثون عن الصفقات السوداء على ابتكار الحيل وابتداع الأكاذيب، ولا تتوانى عن إعادة طرح العمل في مشروع جريمة سدّ بسري، وكأنها لا ترى كارثة سدّ المسيلحة، الذي تحوّل إلى أطلالٍ لذكرى لعينة إلى جوار قلعة تاريخية شكلت نموذجاً للإنجاز المعماري قبل قرون، بينما ورّطنا «مهندس الخراب» جبران ابن باسيل بكارثة السد الذي يبتلع الماء بلا ارتواء.

سلطة الوهم والخراب هذه تتباهى بأن التخريب من أعمال المقاومة، وتعتقد أنّ بإمكانها أن توهم العالم بقدرتها على الإنقاذ وهي إلى القعر تسقط بسرعة الضوء، فإذا بالانهيار يتسارع وبالدولار يتطاير وبمصائر الناس تصبح معلّقة بأيدي سفاحين لا يخافون الله ولا يعرفون للقيم مكاناً في حياتهم.

سقوط كلّ الخيارات

وصل الخواء بتحالف السلاح والفساد إلى درجة أن تشكيل الحكومة أو عدمه أصبح سواء، وأنّ أي رئيس يتولى منصب الرئاسة الثالثة سيكون في وضعية الانتحار، بعد أن أضاع الحاكمون فرص تدارك الكارثة، سواء بالتباطؤ في التفاوض مع الجهات المالية الدولية، أو في وقف الهدر والحدّ من فوضى استغلال الدعم في التهريب.. فلم يعد أمام الناس سوى انتظار وقوع البلاء في صحتهم وأرزاقهم ومستقبلهم.

سقوط مؤسسات الدولة

تتساقط سريعاً مؤسسات الدولة، فبعد القضاء على القضاء، سيطر الوهن على الضمان وأصبح القطاع الصحي في حالة العناية الفائقة، وأقفل فوج إطفاء بيروت، فوج الأبطال والشهداء، أبوابه لعدم تأمين المحروقات لآلياته ولغياب التغطية الصحية لأعضائه، وقريباً لن يبقى أيّ قطاع قادراً على تقديم الخدمات للناس.

يبقى الجيش والأجهزة الأمنية فرصة لبنان الأخيرة لتدارك البلد من الاندثار، وما يفعله قائد الجيش العماد جوزاف عون اليوم، هو مسعى جادّ للتعويض عن غياب الدولة أمام المجتمعين العربي والدولي، لتقديم نموذج صالح للتعاون معه، خارج بلطجة السلطة المتهالكة والغارقة في الفساد، والعائمة على وهم قوة السلاح واعتبار عنصر القوة العسكرية بأنّه الحل الحاسم.

لو أنّ القوة تكفي لكانت المجتمعات سلّمت قيادها لشريعة الغاب، ولما احتاجت للقوانين الناظمة لحياة الناس، ولا إلى اعتبار التداول السلمي للسلطة من قواعد النجاح في إدارة المجتمعات الإنسانية.

ولو أنّ هذا النمط من الحكم نجح في إنماء حياة الشعوب، لما كانت كوريا الشمالية دولة للموت والرعب، ولا كانت إيران دولة للقرصنة والإرهاب، بينما شعبها يعاني المرارات وشظف العيش، بسبب سياسات التوسع القومية التي تعتمدها طهران في المنطقة.

أيّ نموذج للحكم يريده أهل السلاح للبنان، وهل يعتقدون أنّهم إذا ألغوا هوية بلدنا المتنوعة والمنفتحة والحضارية، سيصلون بالبلد إلى نموذج أفضل، فيكفي النظر إلى نماذجهم في إيران والعراق وسوريا واليمن، لندرك أي بلاء بانتظارنا.

فرص للنجاة

يبقى أنّ لدى اللبنانيين فرصتين تتكاملان مع بعضهما البعض:

– فرصة بقاء الجيش صامداً للحفاظ على أساس الدولة.

– وفرصة شدّ الهمم في الانتخابات النيابية المقبلة لاختيار المرشحين القادرين على الصمود في وجه السلاح وفي وجه الفساد، لتحرير الدولة من هيمنة السلاح واحتلاله، وفرض التوازن من جديد، واستعادة المسافة الفاصلة والآمنة بين «حزب الله» والدولة، تمهيداً لطرح الملفات الكبرى على الطاولة من دون خوف ولا وجل، فزمن الانقلابات المسلحة في لبنان إذا عاد، سيسقط الانقلابيين أولاً وأخيراً.