IMLebanon

الانتخابات المقبلة: تقزيم الإغتراب بمقاعد صورية

كتب محمد الجوزو في “اللواء”: 

الانتخابات النيابية المرتقبة في أيار المقبل ، لها أهمية استثنائية ترتقي الى مصاف الاستفتاء الشعبي العام بحيث لا تقتصر على عملية إنتخاب ممثلي الامة، بل تتعداها الى تحديد موقف شامل من الخيارات التي طبعت الممارسة السياسية من جانب اهل الحكم او المعارضة على حد سواء.

الانتخابات المنتظرة تتزامن مع تصدع بنية النظام السياسي اللبناني وعجزه الفاضح عن إدارة شؤون البلاد والعباد، بعدما أجهزت عليه قوى سياسية، وحولته عن سابق تصور وتصميم الى نظام مذهبي وطائفي، حال ويحول دون تطوره الديمقراطي والوطني لعدم رغبتها في استكمال تطبيق « وثيقة الوفاق الوطني « المعروفة ب « إتفاق الطائف « ، لاسيما في بنودها الاصلاحية الهادفة الى بناء دولة المؤسسات التي تقوم على الحق الذي يحميه القانون وتؤتمن عليه سلطة قضائية مستقلة ، دون إغفال اللامركزية الادارية الموسعة…

أمام الرأي العام تحد كبير لا بل فرصة كبيرة ليحدد موقفه مما آلت اليه الامور في البلاد ، ولن يعيق شكل القانون الانتخابي ومضمونه تظهير الارادة الشعبية وتحديد المسارات المقبلة.

وما ينطبق على إقتراع المقيمين هو نفسه بالنسبة الى إقتراع غير المقيمين (المنتشرين)، حيث قد تصل التأثيرات الحزبية والطائفية وظواهر أخرى الى حد توجيه خياراتهم وهنا تقع المسؤولية الكبرى في التحليل لتكوين القناعات.

في قراءة هادئة لقانون « انتخاب اعضاء مجلس النواب» رقم 44 /2017 يبدو أنه يحتاج إلى تعديلات أملتها التجربة السابقة وفرضتها الطبيعة الغامضة لبعض مواده التي يبدو أنها أقرت على عجل وتسرع.

بداية لا بد من تسجيل موقف مبدئي أن هذا القانون وجميع القوانين الانتخابية السابقة لم تكن دستورية، بمعنى أنها لم تلتزم مندرجات الدستور اللبناني حيث نصت «وثيقة الطائف» في الفقرة السابعة من البند الثاني، من ضمن «الاصلاحات السياسة»، على وجوب إنتخاب مجلس نيابي على أساس وطني لا طائفي وعلى أن يستحدث مجلس للشيوخ تتمثل فيه العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية، وقد تكرس هذا الأمر بالقانون الدستوري الصادر في 21/9/1990.

حتى اليوم لم يتضح بعد ما إذا كان القانون الانتخابي القائم سيخضع لعملية تعديل تأخذ في الاعتبار الفجوات والثغرات السلبية التي ظهرت في الدورة الانتخابية الماضية، ولم يتضح كذلك ما إذا كانت القوى البرلمانية ترغب في التقدم نحو قانون وطني أم أنها ستبقي على الطابع المذهبي للقانون، خلافاً للدستور.

أولى هذه الثغرات ما أنتجه القانون الحالي من فرز مذهبي بالغ الخطورة على النسيج اللبناني، من خلال الصوت التفضيلي الذي دفع المنتخب لا شعوريا الى الاقتراع لصالح المرشح المنتمي لطائفته أو لحزبه ضمن الطائفة.

وثانيها أن القانون من خلال تصغير الدوائر قد عمّق الولاءات الطائفية وساهم في تدمير المناخ الوطني العام.

اما من الناحية التقنية، فإن بعض مواد القانون الحالي يحتاج تطبيقها إلى حكومة  كاملة الصلاحية، أناط بها القانون إقرار مراسيم تنفيذية، كالبطاقة الالكترونية الممغنطة حيث جاء في المادة 84 من القانون أنه «على الحكومة بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بأكثرية الثلثين بناء على اقتراح الوزير (وزير الداخلية)، اتخاذ الاجراءات الآيلة الى اعتماد البطاقة الالكترونية الممغنطة في العملية الانتخابية المقبلة، وأن تقترح على مجلس النواب التعديلات اللازمة على هذا القانون التي تقتضيها اعتماد البطاقة الالكترونية الممغنطة».

هذا الأمر غير ممكن في هذه الظروف، فمن أعاق ولادة حكومة إصلاحية في شكلها ومضمونها، لن يوافق على مثل هذه الخطوة الإصلاحية.

ويواجه المعنيون الإشكالية نفسها فيما يتعلق بالمادة 112 (في المرشحين عن غير المقيمين) حيث نصت المادة على أن «المقاعد المخصصة في مجلس النواب لغير المقيمين هي ستة، تحدد بالتساوي ما بين المسيحيين والمسلمين وبالتساوي بين القارات الست».

لم تلحظ هذه المادة موضوع توزيع الهوية الطائفية للنواب على القارات وهذا يستدعي مرسوم من قبل مجلس الوزراء إذا ما سار في تطبيق هذه المادة التي يبدو أنها صعبة التنفيذ نظرا لإشكاليات عدة يمكن إيجازها بالتالي:

1-إن هذا الإجراء سيعزز الإنقسامات السياسية والطائفية في صفوف الجاليات اللبنانية فيما المطلوب هو تعزيز وحدتهم على أسس وطنية. من المؤسف أن نصدّر خلافاتنا الداخلية بقوانين الى الخارج في وقت يتنظر المنتشرون مبادرات تحفزهم على عودة الثقة بلبنان ومؤسساته الدستورية لا العكس.

2-يفتح هذا الأمر بازار المال السياسي والانتخابي، لأنه لا يوجد دائرة انتخابية واضحة ويمكن لأي مرشح غير حزبي أو غير متمول أن يغطي واجباته ومسؤولياته، وهذا ما سيضطر المرشح الى اللجوء الى أصحاب النفوذ الحزبي والمقايضة بالطرق المتوفرة.

3-كيف لنائب غير مقيم أن يمارس عمله التشريعي وفق ما تقتضيه الولاية الممنوحه له؟ وهو غائب معظم الوقت خارج لأراضي اللبنانية بما يتعارض مع نصوص المواد ٤٤ و ٦١ و ٦٢ من النظام الداخلي لمجلس النواب خاصة وان مشاركة النواب غير المقيمين ستكون شكلية وشبه معدومة في ظل بعدهم الجغرافي عن لبنان وما تنص عليه القوانين والانظمة لناحية عدم جواز ان يفوض اي نائب او يوكل نائبا آخر.

وعليه، فإن هذه الإشكالية تفترض نقاشاً جدياً حول الجدوى من تخصيص مقاعد لنواب من غير المقيمين كما انها تطرح أسئلة أخرى تتعلق بالمساواة بين اللبنانيين التي ينص عليها الدستور.

والسؤال الأكثر إلحاحاً هنا هو سببية حصر التمثيل الاغترابي ب ٦ نواب في حين ان المنطق العام للحياة السياسية يفترض ان يشارك المواطن اللبناني المنتشر في اختيار جميع النواب عن دائرته في وطنه الأم في حال الاستمرار باعتماد قانون الانتخابات الحالي، حتى في حال اعتماد قانون إنتخابات على أساس لبنان دائرة إنتخابية واحدة.

إن طبيعة التشريع تملي العمل وفق وحدة المعايير ووفق رؤية وطنية شاملة لا يمكن تجزأتها بين مقيم ومنتشر وبالتالي فإن تطوير القوانين الانتخابية يجب أن يسلك مسارا وطنيا لا طائفيا وبغير ذلك لا يمكن تحفيز أي منتشر على المشاركة في العملية الديمقراطية الابرز لا ترشيحا ولا انتخابا.

واذا ارادت الحكومة فعلا تسهيل الإقتراع لغير المقيمين، وهذا حق دستوري ثابت يجب التمسك به، عليها الدعوة لبدء الإجراءات التنفيذية من قبل الوزارتين المعنيتين وهما الداخلية والبلديات والخارجية والمغتربين، وهذا ما لم نلحظه بعد، خاصة وان الراغبين بالإقتراع من غير المقيمين عليهم أن يسجّلوا اسماؤهم في مهلة «لا تتجاوز العشرين من شهر تشرين الثاني من السنة التي تسبق موعد الانتخابات النيابية، يسقط بعدها حق الاقتراع في الخارج»، سنداً للمادة 113 من القانون، أي بعد نحو خمسة أشهر من اليوم على أبعد تقدير.

انه إستحقاق تاريخي، سيرسم وجه لبنان المقبل، وستكون أعين العالم شاخصة على كيفية ادارة هذا الإستحقاق، ومن المؤكد أن دول العالم ستنظر الى الانتخابات ونتائجها لتحدد طبيعة علاقتها بلبنان ودعمها للدولة اللبنانية، فهل سننجح في الإمتحان الكبير أم سيكون هذه الاستحقاق مؤشرا للإنهيار الأكبر؟