IMLebanon

فاطمة وبناتها… “خلص البنزين” وانطفأت مراكب الحياة

كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:

هزّت فاجعة وفاة عائلة فاطمة قبيسي وبناتها الاربع الرأي العام اللبناني، العائلة التي ماتت بسبب أزمة البنزين التي تعصف بالوطن من اقصاه الى اقصاه، كانت ضحية كارثة انسانية عند محلة السعديات حيث وقع حادث مروع بين سيارة “بي أم” اصطدمت بسيارة الـ”بيجو” التي كانت تقلّ العائلة ويقودها احد اقربائها الذي يرقد في المستشفى بين الحياة والموت. ماتت الام وبناتها، وبدلاً من ان يستقبلن الوالد عماد حويلي اليوم بالورد في المطار سيستقبلهنّ بالدموع بسبب حكام لبنان الذين تسبّبت سوء سياستهم بحرمانه من عائلته التي ماتت بسبب البنزين.

ذنب فاطمة وبناتها أنهن يعشن في بلد تفوح منه الازمات حتى آخر نفس، كنّ في طريقهن نحو بيروت للتزود بمادة البنزين المفقودة في منطقة الجنوب والنبطية والتي يحتاج الحصول عليها واسطة ومحسوبيات أو انتظار ساعات وساعات قد تنتهي بعبارة “خلص البنزين”.

هل هو قدرهنّ أن يمتن جميعاً بسبب البنزين ام هي لعنة الأزمة؟ لا فرق، النتيجة قاتلة “ماتت الام وبناتها” بحادث مجهول الاسباب أقله حتى الساعة، ريثما تنجز الشرطة القضائية تحقيقاتها، فالحادث ذو سناريوين إثنين وفق المعلومات. السيناريو الاول يشير الى ان “سبب الحادث سيارة تمرّ عكس السير باتجاه محطة البنزين فوقع الحادث، أما السيناريو الثاني فيشير الى أن سيارتين من نوع بي أم الاولى يقودها تلميذ ضابط في الجيش اللبناني، والثانية شخصية من التابعية الفلسطينية اصطدمتا ببعضهما بسبب السرعة، قبل ان تصطدما بسيارة الـ”بيجو” التي تقلّ عائلة فاطمة فحصل ما حصل وفيما الكل ينتظر نتيجة التحقيقات لمعرفة السبب، في المحصلة سرقت أزمة البنزين عائلة عماد حويلي، تركت الاب المريض بالمالاريا مفجوعاً، مصدوماً، فهو سيعود اليوم الاربعاء ليودع بناته الأربع وزوجته في رحلتهن الاخيرة، بدلاً من ضمّهن الى صدره، وهو الذي غادر لبنان قبل ستة اشهر للعمل في ليبيريا في أفريقيا ليؤمن لهن لقمة العيش المرة.

العائلة التي كانت على موعد مع ربّ الأسرة اليوم، باتت هي الحدث والغصة. سيعود الأب ليحضن زوجته وبناته الأربع. متن قبل وصوله، لفظن أنفاسهن الاخيرة على الطريق الذي كان سيكون مصدر انفاس سعادتهن بعودة الاب من بلاد الغربة التي يعيش فيها منذ ستة أشهر فقط.

كان من المفترض أن يضم عماد حويلي بناته الاربع وزوجته مع باقة زهر، وأن يلتحق مباشرة بالمستشفى لتلقي العلاج، غير أن الموت كان أقسى المشاهد، سرق حياته منه وفق تأكيد قاسم حويلي الذي يلفت الى أن “أخاه سافر ليؤمن حياة افضل لعائلته، لكنه اصيب بالمالاريا منذ خمسة اشهر، ومنذ عدة أيام يرقد في المستشفى في ليبيريا بعدما اصيب مجدّداً بالمالاريا فقرر العودة للعلاج في لبنان”. يكفكف دموعه وهو يقول “حاولت زوجته تأمين البنزين من محطات النبطية من دون جدوى، فذهبت نحو السعديات فكان القدر المشؤوم”. ويشير الى أن أخاه يعيش صدمة كبيرة بعدما تلقى خبر وفاة عائلته عبر وسائل التواصل، وحاول العودة اليوم (امس) ولكنه لم يجد تأشيرة ما اضطره للانتظار للغد (الاربعاء) حيث سيزفّ عائلته للمثوى، فقط لان البنزين ممنوع على ابناء الجنوب”، ودعا حويلي “كل الذين وعدوا بتأمين البنزين الى حل الامر سريعاً كي لا نخسر عزيزاً آخر”، وقال: “خسرنا عائلة بكاملها بسبب فسادهم، لماذا الجنوب يُذلّ ناسه هكذا، ولا نقطة بنزين متوفرة، وان توفرت تحتاج انتظاراً من السادسة صباحاً حتى السادسة عصراً، أو يضطر للبحث عنها خارج الجنوب، فيكون ضحية كما فاطمة وبناتها”.

لم تستوعب العائلة ما حصل، ما زالت في حالة صدمة، النقمة تخيم على حديثها، “متى يفهم الزعماء أن اولادنا ليسوا لعبة بيدهم”، تصرخ الحاجة فاطمة شعيب “الله لا يسامح كل الزعماء، الله يحرقهم بالبنزين يلي حرمونا منه وخسروني فاطمة وبناتها”، لا يمكن لأحد لوم الحاجة المفجوعة، فهي خسرت عائلتها، قتلهم حكامنا الفاسدون، شو بدن بعد، يموت حدا بعد ليتحركوا؟”.

تحاول السيدة أن تكتم غيظها وحزنها ولكن المصيبة أكبر، تواجه كل الساسة بقولها “انتم قتلتم عائلتي”، لا تتردّد بالقول ” فاطمة وبناتها ذهبن ضحية جشع التجار والفاسدين، لو كان البنزين مؤمّناً لما كنت خسرت احبائي”.

هزت فاجعة العائلة المجتمع اللبناني الغارق في وحل أزماته التي باتت تهدّد الكل بالموت، اليوم ماتت فاطمة وبناتها الأربع بحادث سير بسبب البنزين، وغداً قد يموت آخرون بسبب أزمة الدواء والطحين والغاز، فيما الحكام يتفرّجون على ذلّ المواطن اليومي، ويتقاذفون المسؤوليات.

فتحت كارثة وفاة العائلة العين أكثر على عمق الأزمة التي تسيطر على جنوب لبنان، فالطوابير المنتشرة على مد العين باتت تهدد الأمن الذاتي نتيجة الاشكالات المتعددة على المحطات التي تمارس سياسة اذلال المواطن بما أمكن، ما سيؤدّي، وفق حويلي، “الى كوارث أكثر ما لم تضع لها حدّاً”، داعياً الساسة الى الاكتفاء بمصيبة عائلته والمبادرة لحل الأزمة بدلاً من تكرار سيناريو الموت اليومي في كل القرى، مؤكدا أن “دم بنات أخي وزوجته برقبة كل الحكام، وان شاء الله يحترقوا بالبنزين”.