IMLebanon

شمالًا: الاحتقان الشعبي يزداد ولا مؤازرة شعبية لقطع الطرقات

كتب مايز عبيد في نداء الوطن:

مثل كرة الثلج يكبر الإحتقان الشعبي والتوتر في مناطق الشمال، مع ارتفاع منسوب الضغط الإجتماعي، والقلق على المصير والمستقبل المظلم. في ظل هذا الوضع، استمر قطع الطرقات في مدينة طرابلس وجوارها احتجاجاً على ارتفاع الأسعار وارتفاع سعر صرف الدولار، وتردي الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية للمواطنين. فعلى طريق “طرابلس – بيروت” الدولي وتحديداً نقطة البالما، استمر الطريق مقطوعاً منذ ليل الأول من أمس، بالإضافة إلى طرقات أخرى في مدينة طرابلس، وطرقات في المنية وعكار ومناطق شمالية أخرى، لتبدو المنطقة منذ يومين مقطّعة الأوصال بالكامل.

ولا شك أن الضغط النفسي الشديد الذي يعيشه المواطن الشمالي والكبت والحرمان، لا يُنبئ إلا بمزيد من القلق من الإنفجار الكبير فالشمال كله على صفيح ساخن والفوضى تبدو قاب قوسين أو أدنى لتنطلق من هنا بالتحديد، فكل أدواتها جاهزة وكل ظروفها مؤهلة وفي طليعتها الفقر والبطالة والحرمان. فعن أي أزمة نتحدث وأي منها نذكر قبل الأخرى، والناس تعيش وسط سيلٍ من الأزمات، كل واحدة منها أعقد من الأخرى. في الشمال اليوم: لا كهرباء، لا مولدات، لا ماء، لا دواء، لا بنزين ولا مازوت، لا أمن ولا أمان… غير أن فقدان مادتي البنزين والمازوت يكاد أن يكون من أكثر المشاكل خطراً وقد تحول إلى قنبلة موقوتة قابلة لإشعال فتنة داخلية بين المناطق والبلدات والقرى في أي لحظة، أمام مشاهد التضارب التي تحصل قرب المحطات عند تعبئة البنزين، أو لدى تأمين أصحاب المولدات للمازوت لمولداتهم وما يحصل من إشكالات بين المناطق لدى مرور صهريج المازوت من منطقة إلى أخرى، على غرار ما حصل بين منطقتي وادي خالد والبيرة العكاريتين، إثر اعتراض صهريج للمازوت كان يتوجه إلى وادي خالد في البيرة وتفريغ بعض المحتجين الغاضبين عن انقطاع المازوت عن منطقتهم، جزءاً من حمولته هناك.

وبالعودة إلى أسلوب قطع الطرقات وقد تحوّل إلى مادة خلاف دسمة في طرابلس والشمال، بين المعترضين على هذا الأسلوب الذي لم يأتِ بأي نتائج وبدل أن يضغط على السلطة لم يؤد إلا للضغط على المواطنين، وبين من يعتبر أنه الأسلوب الوحيد المتبقي أمام الناس للتعبير عن رأيها. فقد طلبت المجموعات التي تقطع جسر البالما المؤازرة من ثوار الجية وبيروت بقطع الطرقات في هذه المناطق، وطلبوا كذلك من أبناء طرابلس النزول ومؤازرتهم ولم يحصل ذلك، فما كان منهم إلا أن أعادوا فتح الطريق عند الساعة السادسة مساءً. وبينما يعتبر من يقطعون الطرقات أن ذلك يأتي نتيجة لما وصلت إليه الأوضاع من تدهور، في وقت لا يجد فيه المواطن حليباً لأطفاله أو دواء، ولا يستطيع تأمين قوت عياله، إلا أنه بالمقابل كمية الغضب على قطع الطرقات ارتفعت مع تداول ناشطين على وسائل التواصل الإجتماعي صور الفنان جورج وسوف وهو يمر على جسر “البالما” المقطوع، وقد سُمح له بالعبور فيما لا يسمح لأي مواطن فقير آخر بالعبور حتى ولو كان مريضاً.

على من تقطعون الطريق؟

السؤال المتكرر على وسائل التواصل الاجتماعي من المواطنين في الشمال: على من تقطعون الطريق؟ على طالب أو طالبة؟ أم على مريض ومريضة؟. والمشهد المؤثر أمس كان اضطرار الكثير من الشبان والشابات طلاب الجامعة اللبنانية، وعدد من المرضى، من عكار ومناطق أخرى، النزول من السيارات والسير على الأقدام عند أكثر من نقطة مقطوعة لاجتيازها في رحلة البحث عن طريق مفتوح للوصول من خلاله إلى أعمالهم. وعلى الطريقة اللبنانية التي تجد بالنُكات والسخرية على ما آلت إليه الأوضاع، ما يسلّي النفس المتعبة، فقد امتلأت وسائل التواصل الإجتماعي بأخبار ساخرة هذين اليومين، ونورد منها هذا الخبر الذي انتشر على مجموعات الواتس اب شمالاً ويقول: “معلومات مؤكدة تتحدث عن توجه ميشال عون الى الاستقالة ومغادرة نبيه بري وسعد الحريري وحاكم مصرف لبنان البلاد نهائياً جراء الضغوطات عليهم من إقفال جسر البالما”.

المفارقة أن كل الطرقات أقفلت على الناس إلا طرقات التهريب استمرت نشطة كالعادة وانتقلت الصهاريج بأمان بين القرى في رحلتها نحو الداخل السوري. في المحصلة، المواطن الفقير خائف من المصير المجهول خائف من كل شيء، لكن خوفه من الفوضى أكبر، لأنه بالفوضى يكبر “الشبيح” ويترعرع وهذا ملعبه، أما الفقير فـ “بتروح عليه”… ويبقى السؤال الأصعب على الإجابة: ماذا ستحمل الأيام المقبلة من مفاجآت في بلد المفاجآت؟.