IMLebanon

الوضع المتأرجح بين “سيناريوهين – اتجاهين”.. والثاني هو “الأرجح”

كل المبادرات الخاصة بتشكيل الحكومة سقطت الواحدة تلو الأخرى، من المبادرة الفرنسية التي اصطدمت أولا بـ«عقدة بري» وهي وزارة المالية، إلى مبادرة الرئيس نبيه بري التي اصطدمت بـ«عقدة باسيل».

وبعدما أوكل رئيس التيار الحر جبران باسيل أمره إلى السيد حسن نصرالله وأعلن مداورة أنه لا يثق بالرئيس بري ولا يأتمنه على «حقوق»، صارت مبادرة بري في حكم المنتهية عمليا، وإن استمر رئيس المجلس بالتمسك بها والتأكيد على استمرارها، واستمر حزب الله في دعمه لها من دون التعويل عليها.

وفي الواقع، لم تكن مبادرة بري تملك من الأساس فرص النجاح، ولم يكن السؤال الذي واكبها ما إذا كانت ستنجح ولكن متى سيعلن عن فشلها.

وإذا استمرت نظريا بعد اليوم، فمن قبيل تعبئة الوقت الضائع أو إضاعة الوقت وكسبه.

ثمة قناعة تكونت في الداخل والخارج منذ فترة وتزداد رسوخا يوما بعد يوم، ومفادها ألا حكومة برئاسة سعد الحريري في عهد ميشال عون وفي السنة الأخيرة منه. فلا الحريري يريد باسيل شريكا في حكومة أو تسوية. ولا عون يريد الحريري رئيسا للحكومة.

لا الحريري بمقدوره أن يشكل حكومة وفق تصوره وأن يفرض التأليف، ولا عون بمقدوره أن يسحب التكليف.

وإذا كان اعتذار الحريري «متعذرا» بعدما توافرت تغطية شاملة للحريري وصارت معركته مرتبطة بكرامة الطائفة السنية والدور والصلاحيات، فإن تنحي الرئيس عون غير وارد وغير ممكن قبل انتهاء ولايته الدستورية.

وبالتالي، يكون الوضع وصل الى طريق مسدود في الملف الحكومي: فإما التسوية بين طرفي الأزمة: الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية، ولا مؤشرات الى إمكانية قيام هذه التسوية.. وإما خروج أحد اللاعبين من الحلبة، ولا مؤشرات إلى ذلك أيضا. والسؤال: ماذا بعد ومن هنا إلى أين؟!

يتأرجح الوضع بين «سيناريوهين واتجاهين» يجري التداول بهما منذ فترة، في ظل استمرار أزمة الفراغ الحكومي:

– السيناريو الأول: أن يسلك الوضع منحى دراماتيكيا نحو الأسوأ ومزيد من التدهور والتأزم، مع اشتداد وطأة الأزمة الاقتصادية والضائقة المالية والتداعيات الاجتماعية، نتيجة توقف الدعم من دون بدائل وارتفاع معدلات التضخم والغلاء وتحليق الدولار من دون سقف.. وهذا الوضع ينقل الأزمة من مرحلة الانهيار الى خطر الانفجار، ويهدد بخروج الأمور عن السيطرة والجنوح الى اضطرابات وأعمال عنف وفوضى في الشارع. وبالتالي، سقوط عنصر الاستقرار الأمني الذي مازال موجودا وجيدا.

هذا المسار يفرض خيارات واقعية أو خيار الأمر الواقع. ومع تهاوي المؤسسة السياسية والسلطات الدستورية، تتجه الأنظار الى المؤسسة العسكرية كمؤسسة وحيدة متماسكة وقادرة، رغم ما أصابها من وهن وما ترتب عليها من ضغوط وأعباء، ذلك أن التهديد الشامل الذي سيطال الكيان والمؤسسات والشعب والمجتمع يحتم اللجوء الى الجيش، ليس من خلفية سياسية (الجيش هو الحل) وإنما من خلفية «إنقاذية».

ولما كان الوضع اللبناني محكوما بتوازنات سياسية وطائفية دقيقة، فإن «تسلم الجيش السلطة»، لا يمكن أن يتم أو أن ينجح إلا على قاعدة سياسية شعبية عريضة وتوافق عام.

وهذا الأمر يترجم عمليا عبر آليات دستورية وسياسية وإحدى طريقين: إما عن طريق إعلان حال طوارئ يعطى بموجبها الجيش حق الأمر والقيادة وإدارة الأوضاع.

وإعلان الطوارئ ممكن على يد حكومة تصريف الأعمال التي يمكن لها دستوريا الاجتماع في حالة استثنائية كهذه.

وإما عن طريق تشكيل حكومة انتقالية بصلاحيات استثنائية تكون نواتها من «الجنرالات» ومطعمة «بالخبرات».

– السيناريو الثاني: أن يظل التدهور والانهيار تحت سقف الضوابط والمسكنات، وتظل الأمور تحت السيطرة ولا تتطور الى انفجار اجتماعي وأمني خطير.

ويتم تقطيع الوقت الفاصل عن محطة الانتخابات النيابية «بالتي هي أحسن» وأقل قدر من المخاطر والعصبيات، وأكبر قدر من ضبط النفس والاحتواء.. وللوصول ليس الى «شاطئ الأمان» وإنما الى «ضفة الانتخابات» التي تشكل الأفق السياسي الوحيد المتاح حاليا كمدخل الى تجديد الطبقة السياسية الحاكمة وإعادة تكوين السلطة.. وهذا ما يركز عليه المجتمع الدولي منذ فترة عبر رسائله إلى المسؤولين والقيادات.

فالدول المعنية بالوضع اللبناني وقد باتت قليلة، تتعامل مع لبنان كـ «دولة فاشلة»، ولم تعد مكترثة بالحكومة، وتركز اهتمامها على الانتخابات التي يعول عليها للتغيير، والتي يجب أن تجري في ظل أمن واستقرار.

ولذلك يجري التركيز على دعم الجيش اللبناني وإبقائه «واقفا على رجليه».

عند الوصول إلى مشارف الانتخابات، سيطرح نهايات هذا العام أو بدايات العام المقبل موضوع «حكومة الانتخابات»، وما إذا كانت حكومة تصريف الأعمال هي التي تشرف على هذا الاستحقاق وتنظمه وتديره، أم هناك حاجة الى حكومة جديدة وحيادية.

دستوريا، لا شيء يمنع أن تتولى حكومة تصريف الأعمال موضوع الانتخابات، ويمكن لحكومة الرئيس حسان دياب القيام بهذه المهمة، خصوصا أن وزير الداخلية محمد فهمي لا يشكل استفزازا لأحد.

سياسيا، من الأفضل الاحتكام الى حكومة حيادية لفترة زمنية محددة ومهمة محددة.

مثل الحكومة التي شكلت في سنة الزلزال السياسي (اغتيال رفيق الحريري والخروج السوري) سنة 2005 برئاسة نجيب ميقاتي الذي تعهد بعدم خوض الانتخابات آنذاك.

سؤال آخر غير الحكومة يشغل الجميع ويطرح بإلحاح: هل تجري الانتخابات في موعدها؟!

عن هذا السؤال يجيب الرئيس نبيه بري في مجلس خاص وبما مفاده: الانتخابات الفرعية لن تجري لأن رئيس الجمهورية لا يريدها، وأنا أراعي موقفه مع أني أرغب في إجرائها ليس فقط من موقعي ومسؤوليتي كرئيس للمجلس، وإنما أيضا لسبب شخصي وسياسي، لأن بين النواب العشرة الذين شغرت مراكزهم اثنان كانا صديقين ومن أقرب الناس وأوثقهم وهما جان عبيد وميشال المر.

– الانتخابات البلدية ستتأجل وسيكون من الصعب لأسباب تقنية ولوجستية وأمنية إجراءها قبل الانتخابات النيابية.

– الانتخابات النيابية ستجري في موعدها ولا مجال الى تأجيلها تحت أي ظرف ولأي سبب. هذا ما يجزم به بري ويؤكد عليه.