IMLebanon

بلدة طفيل… عودة إلى دائرة الضوء وحضور على المستوى الإنمائي

كتب عيسى يحيى في نداء الوطن:

حكمت الجغرافيا على عدد من بلدات البقاع الشمالي بوقوعها على أطراف الحدود اللبنانية – السورية المتداخلة في ما بينها، وضاعت حقوقها في سياسات الدولة الإنمائية حتى نخر الإهمال والنسيان عظم سنينها، وغابت عن الخريطة اللبنانية إلا في الهوية، وكانت بلدة طفيل الخاصرة الرخوة التي تشبه الإصبع داخل الأراضي السورية المثال الأبرز.

على مرّ السنوات الماضية لم يكن عدد كبير من اللبنانيين يعلم بوجود بلدةٍ لبنانية اسمها طفيل ضمن محافظة بعلبك الهرمل، وكان الكثيرون يعتقدون أنها سورية، فالمساحة الجغرافية التي تقع فيها والقريبة من الأراضي السورية لجهة عسال الورد، وعدم وجود طريق تصلها بالمحافظة اللبنانية التي ارتبطت بها بالاسم فقط على مدى عقود، حيث كان أهالي البلدة الناطقين باللهجة السورية يشترون كل حاجاتهم من سوريا، ويقصدون أراضيها وصولاً إلى نقطة المصنع للعبور باتجاه الأراضي اللبنانية لإتمام معاملات الزواج أو إخراج قيد وما شابه، وإستجرار الكهرباء لها من الداخل السوري في التسعينات أيام الرئيس رفيق الحريري، كلها عوامل ساهمت في ترك البلدة لمصيرها حتى برزت إلى دائرة الضوء مجدداً.

محطتان بارزتان ظهرتا فيهما اسم بلدة طفيل والتفتت إليها الدولة، الأولى: خلال الحرب السورية حيث دخلت إليها المجموعات الإرهابية ووقعت معارك بينها وبين “حزب الله” والجيش اللبناني المتمركز على الحدود، وهُجِّر أهلها إلى المناطق البقاعية وبيروت ليعود “حزب الله” ويعبّد الطريق أمام عودتهم عام 2017 بالتنسيق مع وزارة الداخلية إبان عهد الوزير السابق نهاد المشنوق، حيث شهدت المنطقة في حينها والبلدة حضور الدولة للمرة الأولى منذ تاريخها. أما المحطة الثانية فكانت منذ سنة بعدما بدأت إحدى الشركات التي اشترت قسماً من أراضي البلدة بمشاريع إنمائية (زراعية وصناعية) لم تشهدها أي من المناطق اللبنانية، وتحرّكت معها دورة الحياة الطبيعية هناك.

تتربّع بلدة طفيل على مساحة تزيد عن 52 كلم² تركتها الدولة اللبنانية وشأنها، تقطنها عائلات لبنانية محددة وعائلات سورية نزحت إليها من الداخل السوري واستوطنت فيها، لا تذكرها الدولة إلا في الإستحقاقات النيابية، حيث كانت صناديق الإقتراع تصلها عبر طوافات للجيش اللبناني أو عبر الأراضي السورية سابقاً، ولم يمرّ قطار الإهتمام يوماً من هناك. فالدولة تعلم أن لها خصوصيةً في ملكية أرضها وهي تختلف عن القرى والبلدات البقاعية الأخرى التي تحتاج إلى مشروع الضم والفرز. فبلدة طفيل وقرى السلسلة الشرقية المجاورة لها كان يملكها إقطاعيون منذ عشرات السنين، ومنهم من باع أراضي القرى إلى سكانها الذين كانوا يعملون فيها ونقلوا ملكيتها ودفعوا ثمنها، ومنهم من بقي يملك كامل أراضيها كبلدة طفيل التي كان يملكها شخصان إثنان، الأول وهو من آل الفلا يملك في البلدة 1800 سهم من أصل 2400 سهم (مساحة البلدة الإجمالية)، رهنها في الثمانينات إلى أحد المصارف مقابل مبلغ مالي وسافر إلى خارج لبنان، وبعد مدة أُعلِن إفلاس المصرف ليتم تحويل ممتلكاته إلى مصرف لبنان ومنها 1800 سهم من أراضي طفيل.

أما الثاني فهو إقطاعي من آل خنافر يملك الحصة المتبقية والبالغة 600 سهم عرضها منذ سنوات للبيع حيث قامت شركة “سيزر” بشرائها، وتم تسجيل العقود والملكية وفق الأصول في الدوائر المختصة، ومنذ سنة بدأت الشركة بالأشغال في البلدة وإستصلاح الأراضي تمهيداً لتنفيذ مشاريع زراعية وصناعية أمّنت بحدود 500 فرصة عمل لأبناء البلدة والجوار، ومعها بدأ الأهالي بالإعتراض على الأشغال التي تنفّذ، على اعتبار أنّ الأرض ملكٌ لهم والشركة تعتدي على أراضيهم من دون وجود اي مسوغٍ قانوني يثبت ملكيتهم.

مصادر متابعة لمجريات الأحداث في البلدة اشارت لـ”نداء الوطن” الى أن “الحقيقة والقانون شيء، وما يجري من احداث يصنعها عدد من الأهالي بهدف جذب الرأي العام وتعاطفه شيءٌ آخر، فالأهالي لا يملكون اي أوراق ثبوتية تثبت ملكيتهم للأراضي هناك، وهم إستثمروا الأرض وبنوا منازل عليها بعد رحيل الآغاوات وزرعوا الأشجار ليستفيدوا منها، ووفق العرف القائم فإنهم يعتبرون أن من يشغل الأرض يملكها ولكن القانون غير ذلك، وبعد عدة مشاكل حصلت بين عدد من الأهالي والعمال الذين يعملون في شركة “سيزر” لصاحبها مالك الأرض الجديد إبن البلدة حسن محمد دقو (الموقوف حالياً)، تشكلت لجنة إصلاح بتوجيهات من الرئيس سعد الحريري ومفتي الجمهورية وممثلين من “حزب الله”، وكانت بدأت بوضع تصور نهائي لحل القضية يعطي كل ذي حقٍ حقه وفق القانون والأعراف المتبعة، ليعود البعض إلى إشعال فتيل المشاكل والأحداث تحت عدة عناوين بهدف قطع الطريق على الحلول”.

وحول هدم عدد من المنشآت والهنغارات التي أنشأتها شركة “سيزر” أوضحت المصادر أن “الشركة حصلت من وزارة الداخلية على تراخيص بناء قانونية سرعان ما تراجعت عنها الوزارة بعد اشهر وبعد تشييدها، لتقوم بعملية هدم لها من دون مسوغ قانوني علماً ان البناء في بعلبك يسير من دون رخص، والشركة تقوم بتشغيل مئات العائلات في هذا الزمن الصعب من أبناء البلدة”، وختمت المصادر أن “الوضع القائم في البلدة اليوم يعكّر صفوه قلّة قليلة من المواطنين، فالدورة الإقتصادية والحياة بدأت في البلدة منذ سنة ويعمل فيها مئات العائلات في هذا الزمن الصعب، وستوفر المشاريع التي تنفذ آلاف فرص العمل في المستقبل القريب”.