IMLebanon

دروز لبنان ليسوا متّفقين إلّا على ألّا يختلفوا!

كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:

جميلٌ جداً التلاقي. قبيحٌ جداً التنافر. دروز لبنان قالوا انهم تلاقوا بعد تنافر وذلك لزوم المرحلة التي تراكمت فيها كل مصائب العالم على اللبنانيين، دروز وغير دروز، لكن هل “التلاقي” الذي جرى قبل يومين يمحو آثار ذكرى ما حصل في قبرشمون التي تحلّ بعد يومين؟ وهل يمكننا ان نقول اليوم ان ما حصل في قبرشمون والشويفات وكفرحيم والجاهلية قبل عامين وثلاثة واربعة إنتهى الى لا رجعة؟ وماذا لو قرر جبران باسيل، على سبيل المثال لا الحصر، التحدي من جديد والصعود الى قبرشمون؟ البلد رابض على طوفان من المصائب فهل نجح دروز لبنان في “فكفكة” سلسلة المصائب الأكبر الزاحفة بقوة على لبنان؟

اضطُهدوا عبر التاريخ ونُكل بهم وسكنوا الجبال والمغاور وواجهوا ببسالة وحققوا انتصارات ومرّوا بانكسارات وكانوا يُشعلون النار عند أبواب الكهوف ليقوا أنفسهم من هجوم الأعداء وكم من مرة هاجمهم الدخان الأسود واختنق منهم من اختنق ومن صمد بات يحسب الخيارات أكثر وينظر في عمق الإرتدادات قبل أن ينحو صوب اليمين أوصوب اليسار! وليد جنبلاط يبرز دائماً في الظروف الأسوأ بمواقف تراجعية،إذا صح التعبير، فيها كثير من الإرتداد نحو الداخل الدرزي لتحصين البيت الداخلي من أجل تقطيع المرحلة، أي مرحلة، بلا إشتباكات سياسية. هو تكتيك درزي تعلّمه الموحدون من تجارب التاريخ ويتلاقى فيه آل جنبلاط وإرسلان وانضم إليهم فيه وئام وهاب. وليد بركات، الأمين العام للحزب الديموقراطي اللبناني، ليس درزياً لكنه من الملمين جداً في شؤون ذاك الجبل. فكيف يقرأ صورة دروز الجبل اليوم على مسافة يومين من لقاء المصالحة الذي حصل وذكرى قبرشمون الثانية بعد يومين؟

يرى بركات أن اللقاء الذي جرى أتى نتيجة حرص شديد عند القوى السياسية كلها على إختلاف تنوعها من أجل الحفاظ على أمن وإستقرار الجبل لأن لا مصلحة لأحد أن تتكرر الإشكالات التي سبق وتتالت. فاللقاء الذي حصل يُحصّن الى حدّ كبير حالة الإستقرار والأمن في الجبل ويزيل كل الخلافات والإشكالات السابقة. هو قرار حصل بالإجماع وخطوة مهمة ليس فقط لترسيخ الإستقرار بل أيضاً لقناعة الجميع ان الجبل مساحة للتنوع السياسي. فما يحصل في البلد ما عاد يُحتمل والناس أصبحت بعيدة كل البعد عن المناكفات والإشكاليات في قلب البيت نفسه ومع كل الآخرين. العالم جاعت وما عادت تبالي باختلاف التبعيات والآراء والطروحات وأصبح لدى كل من الرجلين وليد بك والمير طلال ان ما يهم أهل الجبل حالياً ما عاد يعدو تأمين موارد العيش. فالظروف اختلفت عما كانت عليه قبل شهرين وعشرة وعام. والصراع السياسي سيكون مع كل هذا الإختلاف “على شو”.

لملمةما رأي مفوض الإعلام في الحزب التقدمي الإشتراكي صالح حديفة بمشهدية الجبل الحالية؟ وهل تلاقي الزعماء يترافق مع تلاقي الناس واقعياً؟ وماذا عن كل الكلام الذي يسري عن “تكويعة” وليد بك بعد استشعاره المشهدية السياسية المقبلة؟

يبدو حديفة “مقهوراً” جداً، مثله مثل كل اللبنانيين، من كل ما آلت إليه الأحوال في البلاد وآثارها على العباد. فهل نفهم من ذلك أن زعماء الدروز لبوا إرادة الشعب الدرزي؟ هل الأرض تتناغم بالتالي مع خطوات من يستلمون زمام أهلها؟

يلفت صالح حديفة الى “ان لا شيء مئة في المئة. ونحن، نحاول لملمة كل الإشكالات التي حصلت بصرف النظر إذا كانت كل القاعدة او المواطنين مع هذه الخيارات ام لا وإذا كانت تناسبهم أم لا. نحن نعمل قناعتنا كي تلغى كل الآثار المدمرة وإشكالياتها التي تفتح المجال واسعاً أمام ما يوتر لأن قناعتنا أن الأزمات التي قد يواجهها اللبنانيون أهم من كل التفاصيل الأخرى. المصائب أكبر من قدرة الناس على تحملها لذا المطلوب تجاوز كل أمر آخر للملمة كل الذيول التي تؤثر على النسيج. فما يهمنا حالياً هو دعم صمود المجتمع والبقية تفاصيل. صحيح ان على الأرض من يؤيد أو يعارض لكن لن يثنينا أحد عن القيام بقناعتنا”.

من يتحدث عن “تكويعة” جنبلاطية سخيف، على حد قول حديفة ويقول “للأمانة هناك من يُسخّف كل الخطوات المرتجاة ويستثمرها في السياسة وفي هكذا تصرف “خفة” فالبلد بات في باحة الإنفجار والأمور باتت في عنق الزجاجة وما أراد وليد جنبلاط القيام به هو استدراك لحظة الإنفجار التي قد لا “يظمط” منها أحد. والبقية ليست إلا تفاصيل. وما نقوم به بصوت عال نواكبه بحركة على الأرض فيها كثير من التعاضد والتنسيق”. لكن، هناك من اعتبر أن في الخطوات “عالية الصوت” خوف من “قوى” قد تُمسك الأرض تختلف في رؤيتها عن رؤية إشتراكيي الجبل؟ يجيب حديفة “البلد كله في حالة إنهزام. البلد كله انتهى. وليس هناك منتصر أو منهزم في الصورة الكاملة. كل المحاور الخارجية تتفق مع بعضها ونحن من يدفع الثمن. نحن من نموت. صحيح هناك تمنيات وتحليلات كثيرة في الموضوع لكن ما يهم وليد بك في كل المشهد الحالي هو أمان مواطنينا وحمايتهم من الأسوأ”.

كلام مفوض الإعلام في الحزب الإشتراكي واضح لكنه مرعب. فالمصيبة كبيرة جداً أكبر حتى من قدرة كل الزعامات على إحتوائها. لذا فالآتي كبير والمواجهة يفترض أن تكون في حجم الآتي.

منير بركات، رئيس الحركة اليسارية اللبنانية وعضو المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز، يراقب هو أيضاً التطورات تحت مجهر دقيق ويقول “لقاء السبت الذي جرى بين الزعامات الدرزية له علاقة بالتطورات المحتملة في البلد على المستويين الإجتماعي- المعيشي والأمني، وذلك في وقت لا تزال كامنة فيه إرتدادات ما سبق وحصل في قبرشمون والشويفات والجاهلية وكفرحيم بين الدروز. يضيف: أراد وليد بك جنبلاط إحتواء الخطر الداهم والفوضى وآثار ما قد يحدث على الطائفة الدرزية. وهذا ما جعل زعيم المختارة يرتقي عن صغائر الأمور من أجل السلم الأهلي في البلد ولبنان، يقيناً منه ان كلما نجحت منطقة ما في “فكفكة” مشاكلها الأمنية ساعد ذلك في نجاة البلد ككل”.

يعلم منير بركات أن “هناك فارقاً بين “القرارات الفوقية” والنظرة الأرضية. فهناك فروقات كبيرة بين الإثنتين على الرغم من تأثير القيادات على الأرض ويقول “اللقاء لم يشرك شرائح كثيرة بينها الحراك المدني، كما أن هناك عوائق وعقبات مع أولياء الدم، مع من لم ينشف دمهم بعد في الجبل، وهو أمر يحتاج الى علاج. ويستطرد بالقول: وليد جنبلاط أكثر ما يهمه هو منع الفتنة داخل البيئة الدرزية وتطويق كل الأزمات الأليمة التي حلت في الجبل. لكن، هذا ليس معناه أن “خفافيش الليل” سينصاعون الى المصالحة، بدليل من عمد الى طلاء لوحة في مكان إستشهاد كمال جنبلاط، على طريق دير دوريت، باللون الأحمر قبل يوم من لقاء المصالحة”.

إستدراك الفوضى

من هم “خفافيش الليل” هؤلاء؟ يجيب “حاولي أن تفكري في من قد يتضرر من هذه المصالحة تعرفين”.

نترك لكم التفكير في “المتضرر” ونعود لنسأله: ماذا عن مشهدية الأرض اليوم؟ يجيب منير بركات “هناك جماعات ليست متماهية مع لقاءات المصالحة بين الزعماء بالكامل. هناك جزء من القواعد أيضاً لم “تبلع” بعد ما حصل في قبرشمون وسواها، لكن المشايخ في الجبل تتدخل بكامل قواها من أجل حلحلة أي خلافات “فوق” و”تحت”، عند الزعماء وعلى الأرض، واحتضان كل لقاء يُقرّب بين المتباعدين. ويستطرد بالقول: هناك أناس عند الفريقين ماتوا مع فارق ان الإشتراكي سلّم المرتكبين وهو ما لم يحصل عند الفريق الآخر، باستثناء ما حصل قبل يوم واحد من اللقاء وتمثل بتسليم إثنين من مرتكبي جريمة كفرحيم، من جماعة وئام وهاب”.

اللقاء الدرزي أحاطه “تطبيل” (طبل وزمر) لكن لا يمكن أن ننسف منه، بحسب منير بركات، “أن وليد بك أراد منه إستدراك إرتدادات الفوضى في زمن التحول المنتظر”.

الجبل الدرزي أراد إستدراك المنتظر- الخطير” بالتفاهم الداخلي لكن ماذا لو أراد جبران باسيل فجأة (مجدداً) زيارة الجبل بعراضات كما فعل قبل عامين؟ يجيب بركات “وليد جنبلاط تجاهل الماضي وزار رئيس الجمهورية وإذا أراد باسيل زيارة الجبل، من بابه الواسع، فليأت. وإذا أراد أن “يصب الزيت على النار” في الجبل كما سبق وفعل فلن يُسمح له”.

الجبل حُصّن شرط ألأّ يُستفزّ.

نعود الى وليد بركات لسؤاله عن كيفية تحصين الجبل من خلال حصانة اللقاء؟ يجيب “لقاء خلدة حصّن الجبل وكل القوى السياسية واعية تماماً الى وجوب وقف المناكفات والتقت على ذلك. ولم يقدم في خلاله أي طرف أي تنازلات سوى التنازل للناس. وستكون له متابعة من خلال لجان خاصة وسيبدأ المواطنون في رؤية خطوات واقعية ستظهر خلال أسبوعين”.

هناك من يرى في ما يحصل في الجبل انه نوع من الفيدرالية الدرزية أو على الأقل لامركزية مناطقية. فما رأي الأمين العام للحزب الديموقراطي اللبناني؟ يجيب “نحن من دعاة المؤتمر التأسيسي منذ العام 2009 ولطالما قلنا أن هذا النظام سقط ويفترض بناء دولة حقيقية على أساس المواطنية. ونحن مع الدولة الموحدة وضد كل ما يسمى النظام الفيدرالي أو الكونفيدرالي. نحن نرفض تقسيم المقسم ونريد دولة موحدة مركزية قادرة على تأمين مستقبل افضل لمواطنيها”.

ما نراه يؤكد أن لبنان السابق إنتهى. وإذا بقي لبنان، ولبنانيون في لبنان، فلن يكون سهلاً الإتفاق على شكل لبنان المستقبل حتماً!

يبقى أن هناك من بدأ فوق في الجبل في تعداد الدروز وعددهم وإنتمائهم. وهناك من أحب أن يلفت اليوم الى “أن وئام وهاب يتبعه 4000 درزي، وطلال إرسلان 6000 درزي، وهناك 90000 ما زالوا “جنبلاطيين”.

هل دروز الجبل أصبحوا في أمان عن “مصائب البلد”؟ المحاولة جرت. وفي كل ما حصل ويحصل يبدو أن الدروز في لبنان ليسوا متفقين، في قرارة انفسهم، إلا على ألا يختلفوا. وهذه، في ذاتها، قوة.