IMLebanon

طرابلس… خبر كاذب كاد يشعل المدينة!

كتب مايز عبيد في “نداء الوطن”:

أصعب من الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية والمعيشية في طرابلس ومناطق الشمال لا يمكن أن ترى؛ والحديث عن انفجار اجتماعي وشيك قد ينطلق من هذه المناطق ولا سيما من عاصمة الشمال التي تغلي فوق صفيح ساخن، وفي أي لحظة لا يمكن أن تتخيّل إلى أين قد يصل، وبات أمراً واقعاً تعيش إرهاصاته الفيحاء الحزينة التي تئنّ يومياً مما هي فيه، بينما كمية الوجع والجوع أكبر بكثير من أن يتخيّلها عقل.

في طرابلس لا كهرباء ولا ماء ولا أدوية ولا طبابة ولا بنزين ولا مازوت والأسعار في المحلات والسوبرماركت تفوق قدرة أبناء المدينة وعائلاتها على التحمّل. كمية الغضب والنقمة لدى الناس لا يمكن تخيّلها. فالناس يخرجون بتظاهرات ومسيرات بشكل يومي وليلاً ونهاراً ولا من يسمع ولا من يجيب. في طرابلس، الكيل طفح وزاد بما فيه الكفاية. أطفال بحاجة إلى الأوكسيجين والحليب ولا من يسأل، عائلات بحاجة إلى خبز ومأكل وملبس ولا من يسأل. كيف لهؤلاء أن يصمدوا بعدما بات كل شيء في هذا البلد غالياً وثميناً إلا الإنسان؟

الغضب الشعبي في طرابلس في كل مكان وفي كل شارع وزاوية وبيت؛ وبالأخص في مناطق الفقر والحرمان المزمن المعروفة بالمناطق الشعبية (التبانة، القبة، الأسواق الداخلية، جبل محسن…) وغيرها !

إلتهبت طرابلس أمس واشتعلت بالرصاص بعد الحديث عن وفاة طفل نتيجة انقطاع الأوكسيجين عنه بسبب انقطاع الكهرباء، ومع أن الخبر تبيّن لاحقاً أنه غير صحيح، إلا أن التوتر في المدينة إلى ازدياد وكل مواطن في داخله يعيش ثورة بحدّ ذاتها. ومع أن الجيش اللبناني استقدم أمس تعزيزات من خارج المدينة للتعامل مع الأوضاع المستجدّة أمنياً وتطويق ما قد يحصل في الشارع، إلا أنه وكما يبدو فإن الحل لدى الدولة دائماً يكون بزجّ الجيش في مواجهات مع أهله الموجوعين، بينما العلاج لما يحصل يكون بمساعدة الناس على الصمود عبر برامج وسياسات اقتصادية تحارب الفقر والبطالة وتساهم في خلق فرص عمل. هذا ما تفعله السلطة المارقة بحق طرابلس والشمال، والحق يقال أن مشكلة طرابلس ليست تمرّداً أو خروجاً على القوانين، بقدر ما هي أنين شعب قد جاع ووصلت الأمور بالنسبة إليه إلى الذروة. فكيف لمن جاع ولم يعد يملك أبسط مقومات الحياة أن يبقى ساكتًا صامتًا؟ تريد منه هذه السلطة أن يموت بصمت وبلا إزعاج؛ حتى صوته وهو يموت ليس من الضروري أن يرفعه.

من جهة أخرى استمرت الأوضاع على توترها أمس في طرابلس، ترافق ذلك مع توقف معظم المؤسسات ودوائر الدولة عن العمل؛ وتوقف الضمان الإجتماعي أيضاً عن متابعة معاملات المواطنين بسبب فقدان المازوت. وللسبب نفسه أيضاً، عمد عدد كبير من أصحاب المحلات إلى إقفالها؛ لتبدو أسواق طرابلس وكأنها في عطلة تامة؛ لكنها عطلة قسريّة هذه المرة. وبالرغم من الغضب والشحن الكبيرين إلا أن من المشاهد الجميلة التي خرجت من قلب الأسى تضامن أبناء جبل محسن مع أبناء التبانة بخروج تظاهرات في الجبل تحت عنوان “جبل وتبانة وجعنا واحد”.

ثورة طرابلس ضدّ الظلم وفورة أهلها في وجه سلطة الفساد والاستبداد مستمرة وتتصاعد يوماً بعد يوم، في المقابل لا تجد سلطة الفشل من حلول لجوع الناس إلا مزيداً من الحرمان ورفع الأسعار والتجويع الإضافي.

مشهد آخر لا يمكن المرور عليه من دون ذكر، عندما اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي ولا سيما الفيسبوك بفرحة عارمة تساقطت معها منشورات أبناء الشمال مثل المطر؛ عندما علموا أن النواب المجتمعين في قصر الأونيسكو يتصبّبون عرقاً من الحرّ داخل القاعة بسبب إطفاء المكيفات. وعلى ما قالت إحدى المواطنات الشماليات في منشورها للنواب: “خرجكن دوقوا من حر جهنم الي عم تدوقونا ياه”؛ يمكن أن نتلمّس حجم الهوة السحيقة اليوم بين السياسيين والشعب، ومهما حاول النواب استدرار عطف الشارع بادّعاء الحرص على مصالح الناس فقد سبق السيف العذل.