IMLebanon

الإعتذار المُرجأ: لبنان أمام الشهرين الأصعب

كتب أنطوان الأسمر في “اللواء”: 

في غضون ساعات قليلة، أعيد لبنان الى الخارطة السياسية العالمية، لو من باب الإستعصاء الحكومي، وعاد معه الإهتمام الدولي بوجوب وضع خريطة طريق واضحة وواقعية تخرجه من الأزمات المتلاحقة التي تعصف به، وقبلاً تقيه الإنفجار الآتي تباعا، تدرجا، وبخطى ثابتة.

1- الإستعادة اللبنانية الأولى توزّعت بين ماتيرا وباري الإيطاليتين على هامش قمة مجموعة العشرين، في الاجتماع الثلاثي الأميركي – الفرنسي – السعودي، وهو الأول من نوعه في الملف اللبناني. كان وزيرا الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن والفرنسي جان إيف لودريان حاسمين في ضرورة التوصّل الى حل يتيح إعتاق اللبنانيين مما يثقلهم ويكاد يخنقهم، فيما وعد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان بمشاورة القيادة والعودة بجواب على مجموعة من الإقتراحات والخيارات التي وضعتها باريس وواشنطن على طاولة النقاش العاجل والطارئ.

2- الإستعادة اللبنانية الثانية حرص على رسم تفاصيلها البابا فرنسيس في الإجتماع الكنسي. وهو كان حازما بضرورة تجنيب اللبنانيين دفع أثمان الصراعات الخارجية والمحاور المتصارعة. كان يأمل أن يزور لبنان في حزيران، لكن التأخر في تأليف الحكومي حتّم إرجاء الزيارة البابوية بضعا من الوقت في إنتظار تبيّن المسار اللبناني وتلمّس ثمار نداءاته المتكررة لوضع لبنان على سكة الخلاص.

بين الإستعادتين، ثمة دينامية دولية لافتة حيال المسألة اللبنانية:

ملفات المنطقة على طاولة التفاوض الإقليمي من اليمن إلى لبنان

أ- لا يمرّ أسبوع من دون أن تستقبل باريس زوارا لبنانيين يتلمّسون التطورات. بعضهم يجهد لتسويق مرشحين لخلافة الرئيس المكلف سعد الحريري بعد الإعتذار المنتظر، في طليعتهم عضو نادي رؤساء الحكومات السابقين نجيب ميقاتي الحاضر في عاصمة النور بواسطة ملائكته، بل ملاكه الأوحد بتعبير أدق. يرغب الرجل بشدة ويلقى قبولا فرنسيا، رغم ما يقوله والمقربون منه في بيروت عن عدم حماسته. هو الإسم الأكثر تقدما في الحساب الفرنسي، خلاف ما يحكى عن العودة الى خيار السفير مصطفى أديب. لكن العوائق أمام ترئيس ميقاتي ليست بالهينة أو القليلة، في مقدمها الموقف السوري منه والذي قد يشكل حائلا دونه، وإن لم يبلغ حدة الموقف من رئيس مجلس النواب نبيه بري.

ب- في واشنطن، تكوّنت فكرة واضحة عن المسألة اللبنانية، بعد مراوحة إمتدت 5 أشهر ونيّف، منذ تسلّم الإدارة الجديدة مقاليد الحكم. التنسيق مع باريس قائم، وإن لم تتبلور بعد رؤية أميركية متكاملة للحل اللبناني، في إنتظار إستكمال التعيينات في وزارة الخارجية، وتحديدا في منصب مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى الذي سيؤول الى بربارة ليف في تموز.

صحيح أن الإدارة الأميركية تولي كل إهتمامها في الإقليم الى الملف النووي الإيراني، غير أنها في الوقت عينه ترغب جديا في إقفال أبواب الرياح الشرق أوسطية في أسرع وقت، لكي تتفرّغ للشأنين الروسي والصيني، مربط الإهتمام والبوصلة في العقل الوظيفي الدياليكتي الديمقراطي.

ج- تستحوذ عُمان، بدورها، على جزء هام من النقاش الحاصل في المنطقة. وأضيف الى جدول أعمال مسقط، في الأيام الأخيرة، الحوار السعودي – الإيراني الذي إنتقل الى هناك من بغداد، ليكون الملف اليمني في مقدمة الإهتمامات المشتركة، مع إحتمال أن يحضر لبنان في ضوء تطور الحوار. وليس خافيا أن الجلسات الحوارية الست التي إحتضنتها بغداد قطعت شوطا طويلا، لا بل إنعكست بشكل واضح في آليات التعاطي البيني السعودي – الإيراني.

وليس من المتوقع أن يتأثر هذا المسار الثنائي بإنتخاب الرئيس المحافط إبراهيم رئيسي، بالنظر الى أن قرار الموافقة على الحوار إتخذه المرشد الأعلى.

تحضر في بيروت كل تلك الوقائع. هي أدت الى تراجع الإهتمام بالمخارج المحلية، وخصوصا تلك التي يعمل عليها رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي نُقل عنه أخيرا شعوره بالإحباط.

مغزى هذا التراجع يكمن حكما في أن الحل الدولي الذي يُعمل على إستنباطه ينفي تماما ما قيل سابقا وتكرارا عن أن العقدة الحكومية محلية وداخلية. العالق راهنا سيناريو ما بعد إعتذار الحريري الذي فقد أي غطاء، بإستثناء الشيعي داخليا والمصري خارجيا.

ثمة من يروج لإعتذار حتمي في أيلول يسهّل حكومة انتخابات وبعضا من إصلاحات، خصوصا في الكهرباء. الشهران الأصعب لن يمرّا بالسلاسة التي يعتقدها منظّرو الإعتذار المُرجأ!