IMLebanon

جريمة المرفأ: نصرالله يفتح الجبهة على القاضي البيطار

كتب نادر فوز في “المدن”: 

لم يكن مستبعداً أن تنطلق حملة سياسية وإعلامية على المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت، بفعل ادّعائه على مسؤولين سياسيين وقادة أمنيين في جريمة 4 آب. لا بل إنّ الحملة كانت متوقّعة. ومن يعرفون القاضي طارق البيطار يدركون أنه كان على يقين بأنّ جبهة مماثلة ستُفتح في وجهه. لكن ما لم يكن متوقعاً أن يطلق الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله شخصياً، هذه الجبهة، في إطلالة متلفزة.

مهلة التراجع

وضع نصر الله مساراً واضحاً في ما يخص قرار البيطار، بدأه باستغراب تبلّغ المدعى عليهم بقرار الادعاء من خلال تسريبات وأخبار في الإعلام. اعتبر أنّ هذا الأمر “شكل من أشكال التوظيف السياسي للقضية، وسابقاً رفضنا هذا الموضوع ونعود لنؤكد رفضنا له”. بدا كأنه يعطي مهلة للقاضي للتراجع عن قراره! إذ قال إنه “سأترك التعليق لوقت آخر حتى تصل الإخبارات القضائية الحقيقية، لنرى صحة ما تم تداوله وتسريبه في وسائل الإعلام”. أو أنه على الأقلّ يضع مهلة لدراسة القرار بعد توضيحه بشكل رسمي.

أسئلة نصر الله

قال نصر الله إنه مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى للمجزرة، “نسعى إلى العدالة والحقيقة. حتى الآن لا تزال العدالة بعيدة والحقيقة مخفية. على مدى سنة وأشهر طالبنا قاضي التحقيق السابق والحالي، بنشر الملف التقني والتحقيق الفني حول هذه الحادثة المهولة. وحتى الآن لا حياة لمن تنادي”. وسأل “هل ما حصل تفجير؟ هل ما حصل أمر متعمّد؟ هل سببه الإهمال؟ هل كان في مرفأ بيروت صواريخ للمقاومة؟ هل كان فيه مخازن سلاح للمقاومة كما قيل في الأيام والأسابيع الأولى؟ هل ثمة عمل قضائي حقيقي أم ثمة استهداف سياسي”؟

كفّ اليد

مثله، مثل أي مواطن لبنان آخر، سأل نصرالله عن أسباب الانفجار وفرضيّاته. يريد جواباً شافياً، يعرضه للبنانيين، وينفض من خلاله كل الغبار والتساؤلات عن أي علاقة لحزب الله بانفجار 4 آب. لكن نصر الله ليس مواطناً عادياً، هو قائد إقليمي، عابر للحدود ويضع معادلات استراتيجية في المنطقة. كان خطابه يوم 16 شباط الماضي مفصلياً في مسار التحقيق أيضاً. قال يومها إن “على المحقق العدلي (القاضي فادي صوان) تصحيح مسار عمله في التحقيق، وقضية بهذا الحجم لا يجب أن تعمل عليها وفقاً لقاعدة 6 و6”. قال إنّ طريقة صّوان “فيها ارتياب”. وخلاصة ذلك، مع الحملة السياسية والإعلامية التي حصلت حينها، كفّ يدّ القاضي صوان بعد 48 ساعة، أي يوم 18 شباط 2021. فلا بد اليوم من رصد تحوّل بعض المواقف التي صدرت من المعنيين في قرار الادعاء، تجاه البيطار والتجاوب معه.

دعم البيطار

قبل كلمة نصر الله، وبعدها، لن يتغيّر موقف أهالي شهداء وضحايا جريمة انفجار مرفأ بيروت. فنظّم الأهالي وقعة تضامنية دعماً للبيطار ولقراره برفع الحصانات عن المسؤولين اللبنانيين. اتّشحوا بالسواد، وتجمّعوا أمام قصر العدل في بيروت، حيث كانت كلمة أكدت على أنه منذ التفجير “نحن نركض لنعرف ما الذي جرى، ما هو السبب؟ من المتواطئ؟ ومن المرتشي؟ منذ تلك اللحظة وكثيرون يشككون ويقولون إننا لن نصل إلى الحقيقة، وفي لبنان لم تكشف الحقيقة مرة”. وأكدوا على أنه “بكل موضوعية وبكل ثقة نقول: إنّ الرئيس بيطار هو من القضاة الشرفاء، أتينا اليوم يا ريس بيطار لدعمك ولنقف جنبك حتى النهاية، نعرف أن الضغط عليكم كبير وقوي، ونعرف أنّك من طينة الرجال الذين لا يتراجعون أبداً في مهماتهم”. شدّدوا على أنّ “كل شخص يمتنع عن الالتزام والحضور لأي سبب كان، يضع نفسه وعائلته وأملاكه في مواجهة الأهالي”.

سلك القاضي طارق البيطار كل المسار القانوني وفق الأصول في الادعاء على المسؤولين السياسيين من رؤساء ووزراء سابقين وقادة أمنيين حاليين وسابقين. فعل بما عليه في هذا الإطار، وهو ينتظر الأجوبة اللازمة والمراسلات المفترضة من النيابة العامة إلى الدوائر والمؤسسات المعنية. من يعرفون القاضي، يؤكدون على أنه لن يدخل في أي سجال سياسي أو مقاربة سياسية في الملف. ليست هذه وظيفته: “يقف على مسافة واحدة من الجميع، وفي لبنان يحقّ للجميع التعبير عن آرائهم”. البيطار، لن يتصرّف غريزياً، ولن ينجرّ إلى فخ السياسة والإعلام. سيتابع عمله، مهما اشتدّت الحملة. سيتابع تحقيقاته بعد أن أعطى نَفَساً للبنانيين عموماً وأهالي الضحايا خصوصاً، من خلال الادعاء على مسؤولين مشتبه بمسؤوليتهم أو إهمالهم وتقصيرهم في جريمة 4 آب.

معركته بدأت، جدياً، الآن.