IMLebanon

لبنان بلهيب المفاوضات: “حرق” الرؤساء وتشجيع غربي لتدخّلٍ سعودي

كتب منير الربيع في “المدن”: 

يتقلّب لبنان في حرائق متعددة. ويحترق اللبنانيون بلهيب الأزمات، وتشتعل أعصابهم في طوابير انتظار الخبز أو المحروقات أو الدواء. الصورة الرسمية لما تبقى من دولة أو مؤسسات أو ما يرمز إليها، يحترق على مرأى العالم. وآخر فصوله ما حصل في السرايا الحكومية يوم الإثنين، خلال الكلمة التي ألقاها رئيس حكومة تصريف الأعمال، حسان دياب، أمام السفراء وممثلي البعثات الديبلوماسية.

الحرق.. والميقاتي

وعلى مقلب آخر، لا تزال فصول الحريق أو الإحراق مستمرة على خط تشكيل الحكومة: رئيس الجمهورية يريد إحراق الرئيس المكلف ودفعه إلى الاعتذار. والحرق يواجهه سعد الحريري بالمشاورات، لينخذ الخيار المناسب اعتذاراً أم بقاءً.

وفي هذا الصدد برزت تسريبات تتحدث عن تسويق اسم الرئيس نجيب ميقاتي لتشكيل الحكومة. ويقرأ البعض في طرح اسمه محاولة جديدة لحرقه، كما أحرق من قبل ترشيح محمد الصفدي، سمير الخطيب، مصطفى أديب، لتشكيل الحكومة.

ولا ينفصل الانهيار السياسي الذي يعيشه لبنان عن الانهيار الاقتصادي والمالي. والانهياران يرتبطان بأفق مسدود داخلياً، مشبع بمنطق المحسوبيات وآليات العمل المتبعة للحرق والاحتراق. كما يرتبطان باستحقاقات إقليمية ودولية، يسارع الطرفان المتخاصمان أو المتقاتلان على تقاذف الاتهامات حولها كيفية حرق هذا الطرف ذاك.

نصرالله وصداه

فحزب الله وحلفاؤه يتهمون الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها الداخليين والخارجيين بأنهم شركاء في تطويع لبنان ومحاصرته وتجويعه. ويتهم خصوم الحزب إياه نهجه السياسي بأخذه لبنان بقوة السلاح إلى المحرقة، وإلى المحور الإيراني الذي أدى إلى انهيار لبنان والوقوع في أزمات متعددة على مجمل الصعد.

وأمام هذه الاتهامات المتبادلة، لا بد من العودة إلى كلام أمين عام حزب الله، السيد حسن نصر الله، يوم الإثنين الفائت: تحميله مسؤولية الانهيار إلى الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها.

ووصل نصر الله في اتهامه واشنطن بمنعها المصارف اللبنانية من استعادة أموالها الخارجية. والموقف السياسي هذا سرعان ما تبناه رئيس حكومة تصريف الأعمال، حسان دياب. فسارع إلى دعوة ممثلي البعثات الأجنبية وأطلق أمامهم خطبة عصماء تحمل المجتمع الدولي مسؤولية محاصرة لبنان ومنع إنقاذه.

وموقف دياب يعني سياسياً أن الحكومة تبنت رسمياً ما قاله نصر الله. وهذا ما استدعى ردوداً عنيفة وغير ديبلوماسية من الديبلوماسيين في السرايا الحكومية، وخصوصاً سفراء فرنسا، الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية.

السياق الإقليمي والدولي

لا يمكن فصل هذا الموقف عن سياق التطورات الإقليمية والدولية. وكأن نصرالله يصعّد على إيقاع تأجيل جلسات مفاوضات فيينا. وهذا التصعيد انعكس في العراق هجوماً على قاعدة عين الأسد، وفي سوريا بهجوم على قاعدة أميركية قرب حقل العمر النفطي، وهجوم سياسي في لبنان على القوى الدولية التي تطبق الحصار عليه.

في المقابل كانت الردود الدولية واضحة سواء من الفرنسيين أو الأميركيين، الذين يشيرون إلى إمكانية زيادة منسوب الضغط على إيران. وهذا ما استدعى رداً عنيفاً على موقف نصر الله في لبنان من خلال الرد على موقف حسان دياب.

ولهذه المواقف تفسيران: إما أن يكون هدف التصعيد والضغط إعادة تجديد المفاوضات، أو تحسيناً لشروطها. وهذا باستعمال ساحات لها علاقة بالوضع الإقليمي في المنطقة. فكل طرف يريد تعزيز مواقعه ومكاسبه. يأتي ذلك في ضوء الاجتماع الأميركي- الفرنسي- السعودي الذي رشحت عنه معلومات عن زيادة التنسيق والبحث في إمكانية فرض عقوبات ثلاثية مشتركة على شخصيات لبنانية.

السفيرتان في السعودية

وليس بعيداً من السياق الإقليمي، تأتي زيارة سفيرتي أميركا وفرنسا في لبنان إلى السعودية في خطوة غريبة ونادرة الحدوث، لمناقشة الملف اللبناني. وحسب ما تشير بعض المعطيات، فإن الزيارة هي لاستكمال البحث الذي بدأه وزراء خارجية الدول الثلاث قبل أيام. وتفيد المعلومات ان البحث سيتركز على ثلاث نقاط:

الأولى، هي البحث في إمكانية إعادة تنشيط الحركة السياسية للسعودية في لبنان. والثانية، البحث في إمكانية دفع السعودية لتقديم مساعدات مالية وإنسانية لعدد من المؤسسات، بينها الجيش اللبناني وبعض الجمعيات الأهلية. أما الثالثة، فهي محاولة لفهم حقيقة الموقف السعودي من تشكيل الحكومة والحصول على موقف سعودي واضح في هذا المجال، إما لدعم الحريري في عملية التشكيل أو لاختيار شخصية أخرى يتم التوافق حولها. بعض الجهات في لبنان لا تعول كثيراً على نتائج هذه الزيارة معتبرة ان هذا مساراً سيطول.

دياب والحريري وعون

وهنا لا يمكن إغفال استمرار الاستعصاء الحكومي. ففي حال استمر الوضع على ما هو عليه، يعني أن حزب الله سيضغط أكثر لتفعيل عمل حكومة تصريف الأعمال من الآن حتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة. فتشرف هذه الحكومة عليها إذا لم تنجز صيغة حكومية متوافق عليها.

وفي هذا السياق تستمر الأزمة بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري. الرئيس نبيه برّي ليس بعيداً عن هذا الخلاف أيضاً. فهو لا يزال متمسكاً بالحريري لرئاسة الحكومة ويرفض اعتذاره، إلا إذا وافق الحريري على تسمية شخصية بديلة.

وهذا يرفضه الحريري مع رؤساء الحكومة السابقين الذين يعتبرون أن ذلك يكرس عرفاً جديداً: كلما عاند رئيس الجمهورية وعرقل، كوفئ باجتراح الحلول والصيغ التي يشتهيها. كما أن ذلك يعني الموافقة على ما يريد رئيس الجمهورية: تنحية شخصية كلفها المجلس النيابي تشكيل الحكومة، واستبدالها بشخصية أخرى.

شق صف رؤساء الحكومة

رؤساء الحكومة يرفضون اعتذار الحريري، ويرفضون تقديم اسم بديل. وفي هذا السياق، سُرِّب اسم نجيب ميقاتي لتولي الحكومة. وبعض المعطيات تفيد بمحاولات جس نبض موقف رئيس الجمهورية من هذا الطرح. لكنه أعلن عن الرفض، معتبراً أن لا فرق بين الميقاتي والحريري.

فعون يريد شخصية جديدة. وحاول البعض الدخول إلى زرع الشقاق أو الخلاف بين رؤساء الحكومة السابقين، في إطار الإشارة إلى أنها محاولة جديدة لاحراق ميقاتي، الذي يفترض أن يقوم برد فعل تجاه الحريري.

خلاصة القول أن لبنان مستمر بالتقلب على نار الأزمات، يحرق الكثير من الوقت ويسحق الكثير من الناس، في انتظار نضوج الطبخة الخارجية. وما تبقى لا يعدو كونه المزيد من إضاعة الوقت، أو تعبئة الوقت الضائع.