IMLebanon

بديل عن إضراب المحامين

كتب نبيل منوال يونس في نداء الوطن:

تجمع القضاء والمحامين مساحة تكامل يتمّ فيها تبادل الحجج ودراسة الشرائع لصياغة رسالة العدالة.

غير أنه ظهر أخيراً على أفق تلك المساحة أمران مؤسفان، أولهما نشوب صراعٍ بيـن القضاء والمحامين ترافق مع خطاب دون المستوى، في ظروف صعبة كان يقتضي أن يسود فيها التعاون بينهما، وثانيهما مخالفات للقوانين وللأعراف المهنية ارتكبت خلال الإضراب.

فالخلاف نشب على أثر الإشكالية الناتجة عن سوء تصرّف القضاء أو أجهزته مع محامين، غير أنه كان يقتضي أن تعالج الإشكالية باتخاذ إجراءات قانونية يؤدّي تطبيقها إلى محاسبة تصرّف كهذا قبل اللجوء إلى إضراب.

أما الإضراب فبدأ إحتجاجاً على سوء معاملة محامين من القضاء وأجهزته، ومن ثم تحوّل إلى الحثّ على “الإنتفاضة الكبرى”، ومن ثم للمطالبة “باستقلاليّة القضاء”، وتبعه في ما بعد طلب “تصحيح العلاقة مع النقابة”، كما اتّخذ شكل مواجهة بين “أحرار” و”موظفين”- من دون أن نفهم ما إذا كان الموظفون هم القضاة أو موظفي العدلية أو الإثنين معـاً – ومن ثم جاء دعم نقابات أجنبية للإضراب مُرفقاً بإقرار من الداعمين بجهل سبب الإضراب الذي يدعمونه، إذ جاء الدعـم بعنوان دراماتيكي “Liban, Avocat en danger”، مع الإشارة الى أن إحاطة الدعم الأجنبي بالإحتفاليات لا يغيّر بواقع إنتفاء الخطر على المحامي، وفي موجة تشعّب وتعاقب الاسباب المعلنة للإضراب وشعاراته، نسينـا قضية سوء معاملة المحامين التي بدأ الإضراب من أجلها، والتي بقيت السبب الوحيد للإختلاف مع القضاء، لا سيمـا بعـد ورود مسودة قانون إستقلالية القضاء من مجلس النواب.

ومن جهة ثانية، رافق الإضراب إجراءات غير مؤتلفة مع القوانين ومع أعراف مهنة المحاماة ومخالفة لها، ذلك بالرغم من أن من كُتب عليه أن يمتهن القوانين يكون واجبه بتطبيقها مشدّداً. فالنقابة والنقيب حصرا الأعمال القضائية المستثناة من الاضراب بالمراجعات الخاضعة للمهل، مُبقين ضمن إطار الإضراب (i) قضايا القضاء المستعجل بالرغـم من أنّ من بين مهامه، وِفق تعريف القانون، إتخاذ التدابير المستعجلة وإزالة التعدّي، و(ii) الحجز الاحتياطي و(iii) حقوق العائلة كالنفقة والاجراءات المتعلّقة بالقاصرين وبفاقدي الاهلية، و(iv) القضايا المتعلّقة بإخراج الموقوفين والمساجين بالرغم من اكتظاظ السجون وخطر إنتشار الأوبئة فيها. فبالإضافة الى أنّ حق – لا بل موجب – تنفيذ الوكالة عملاً بأحكام المادتين 785 و 786 من قانون الموجبات والعقود لا يحده إلا القانون، فإنّ عدم إستثناء قضايا الأمور المستعجلة والحجز الاحتياطي وحقوق العائلة والإجراءات المتعلّقة بالموقوفين والمساجين، مع أنها ملحّة كالخدمات الطبّية التي لا يجوز توقيفها، هو مخالف لحقّ الملكية ولموجب الحفاظ على السلامة ولحقوق العائلة وفاقدي الأهلية. ولعلّ أكبر دليل على عدم جواز توقيف تلك الإجراءات القضائيــة هو قيام النقيب بإعطاء بعض الإستثناءات لها. غير أن إخضاع الإستثناءات لترخيص من النقيب هو مخالف للقانون، إذ حصرت المادة 94 من قانون تنظيم مهنة المحاماة حقّ النقيب بإعطاء التراخيص بحالات قبول الوكالة ضدّ زميل فقط، ذلك بالإضافة الى أنّ إعطاء أم عدم إعطاء التراخيص بقرار غير مستند الى أسس مكرّسة بنصّ إشتراعي أو تنظيمي، أو وِفق آلية تراعي الأولويات وموجب الكتمان ببعض القضايا، بعث إستياءً لدى بعض المحامين لا سيما من جرّاء إتخاذ تدابير بحقّ بعضهم مع عدم وجود نصّ يقيد ممارسة المهنة بموافقة النقيب أو النقابة، أو يعطي الأولوية للإضراب على موجب الوكيل المأجور.

ولما كنت قد وجدت نفسي، في خضـمّ تكاثـر مطالب الإضراب وتعاقبها، مضرباً لسببٍ غير معلن يبقى بالنسبة لي ولبعض الزملاء مجهولاً بحيث يكون قد انتفى وجود سبب موضوعي للإضراب وأصبح استمراره، أم عدم استمراره، متوقّفاً على أن يبادر زيد الى الإتصال بعمرو، أو أن يبادر عمرو الى الإتصال بزيد.

ولمّا كان استمرار الإضراب يؤدّي إلى أضرارٍ جسيمة على المحامين وعلى مصالح موكّليهم، ويؤدّي الى مخالفتي موجب الوكيل المأجور الذي عليه أن يعتزل الوكالة إذا اختار عدم تنفيذها، وقد قرّرت عدم إعتزالها،

واستناداً الى مبدأ إنتفاء العقاب من دون نص،

أعلن عدم إلتزامي بالإضراب.