IMLebanon

الدبلوماسيون نسوا دبلوماسيتهم: لبنان بلد عفن

جاء في “العرب” اللندنية:

انعكس الإحباط لدى اللبنانيين من الطبقة السياسية الحاكمة على الدبلوماسيين الأجانب الذين يبدو أنهم نسوا دبلوماسيتهم في التعامل مع أزمة متفاقمة ومتجذرة، وبات هؤلاء غير قادرين على إخفاء امتعاضهم وإحباطهم من هذه الطبقة، التي لا تتوقف عن تسوّل الدعم ولا تقوم بأي خطوة في اتجاه الإصلاحات المطلوبة.

وجاء ذلك في الوقت الذي تتبادل فيه الأطراف السياسية الاتهامات بشأن تعطل تشكيل حكومة جديدة منذ 11 شهرا، فيما تتعمق معاناة اللبنانيين يوما بعد يوم: تدهور جنوني لليرة ينعكس ارتفاعا غير مسبوق في أسعار المواد الغذائية والخدمات والوقود، أزمة أدوية وساعات تقنين في الكهرباء تصل إلى 22 ساعة، بينما انتفخت فاتورة المولدات الخاصة على وقع شحّ الوقود.

وفقد سفراء الدول الفاعلة في الملف اللبناني اللباقة الدبلوماسية للتعبير عن هذا الوضع المتأزم والمتفاقم، حيث يغرق البلد في انهيار اقتصادي رجّح البنك الدولي أن يكون من بين ثلاث أشدّ أزمات في العالم منذ العام 1850.

ولم يتردد القائم بأعمال السفارة البريطانية في بيروت مارتن لنغدن في أن يكتب في رسالة وداع على فيسبوك، “أعذروا أسلوبي الجاف: ولكنّ في قلب لبنان شيئا عفنا”.

وفي لقاء منقول مباشرة عبر محطات التلفزة، لم تجد السفيرة الفرنسية آن غريو حرجا في تأنيب رئيس الحكومة حسان دياب الذي طالب المجتمع الدولي بتقديم الدعم بمعزل عن تشكيل حكومة جديدة، قائلة إن الانهيار “نتيجة أفعالكم جميعا منذ سنوات في الطبقة السياسية. هذه هي الحقيقة”.

ورغم قطع التلفزيون الرسمي البثّ أثناء حديثها، انتشر فيديو مداخلتها بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.

ويقول مصدر دبلوماسي فرنسي في بيروت “من الواضح أن هناك إحباطا كبيرا من الطبقة السياسية لأنها غير قادرة على إعطاء الأولوية للمصلحة العامة على حساب مصلحتها الشخصية”.

ويضيف “ثمة استعداد دولي لمساعدة لبنان. لكن للأسف لسنا حتى قادرين على القيام بذلك لأننا لا نجد محاورين أمامنا، أو نجد أنفسنا أمام محاورين ليست لديهم إطلاقا الإمكانات أو القدرة على العمل”.

ويتحرك المجتمع الدولي للضغط على الطبقة السياسية لإيجاد طريق لمواجهة انسداد الأفق السياسي، وأعلن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي خلال اجتماع الاثنين الماضي توجّها لفرض عقوبات على قادة مسؤولين عن التعطيل قبل نهاية الشهر الحالي.

وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان “سيشكل ذلك أداة ضغط على السلطات اللبنانية لتدفع باتجاه تشكيل حكومة وتنفيذ إصلاحات أساسية”، منبها إلى أن لبنان “في طور تدمير ذاته”.

وتعتزم فرنسا مع الأمم المتحدة تنظيم مؤتمر دعم إنساني خلال تموز الجاري، وهو الثالث منذ انفجار مرفأ بيروت المروّع في الرابع من آب من العام الماضي. وقد تجاوزت قيمة المساعدات المقدّمة حتى الآن للبنان 140 مليون يورو.

ويوضح مسؤول رفيع في الأمم المتحدة في بيروت لوكالة الصحافة الفرنسية أن المؤتمر سيتيح تسليط الضوء مجددا على “التداعيات الإنسانية” الناجمة عن “الشلل السياسي”، لكنّه ينبّه في الوقت ذاته إلى أن “المساعدة الإنسانية لا يمكنها أن تشكل حلا دائما” و”لا أن تحلّ، بأي حال من الأحوال، مكان دور الدولة ومسؤولياتها”.

وبحسب المصدر الدبلوماسي الفرنسي، “كل ما في الأمر أننا لا نعطي المساعدات إلى الدولة اللبنانية بشيك على بياض”.

آن غريو: الإفقار الوحشي نتيجة متعمّدة لسوء الإدارة وليس حصارا خارجيا

ويقول دبلوماسي عربي في بيروت “لا توجد أي خطة” عمل لدى صانعي القرار الذين ما زالوا يراهنون على أنّ “المجتمع الدولي سيتحرّك ويخدمهم من دون أن يقدّموا هم أي تنازلات أو تغيير”، موضحا أن “المجتمع الدولي يكرّر منذ زمن الكلام ذاته: ساعدوا أنفسكم كي نساعدكم”.

لكن رئيس حكومة تصريف الأعمال اعتبر في كلمة ألقاها مطلع الشهر الحالي أمام عدد من ممثلي البعثات الدبلوماسية، أن “ربط مساعدة لبنان بتشكيل الحكومة أصبح يشكل خطرا على حياة اللبنانيين”، منتقدا ما أسماه بـ”الضغوط التي تُمارس والحصار المطبق على لبنان”.

وجاء الرد سريعا وعالي النبرة على لسان سفيرة فرنسا التي حضرت اللقاء. وقالت غريو “ما يخيف فعلا، هو أن هذا الإفقار الوحشي اليوم لما كان يعدّ مثالا يحتذى في المنطقة، هذا الانهيار.. هو نتيجة متعمّدة لسوء الإدارة والتقاعس منذ سنوات وليس نتيجة حصار خارجي”.

وكثفت باريس وواشنطن جهودهما مؤخرا. وفي خطوة غير مألوفة، زارت غريو والسفيرة الأميركية دوروثي شيا الأسبوع الماضي السعودية. وشددتا في بيان على أن “إجراءات ملموسة يتخذها قادة لبنان لمعالجة عقود من سوء الإدارة والفساد ستكون حاسمة لإطلاق دعم إضافي من فرنسا والولايات المتحدة والشركاء الإقليميين والدوليين”.

ويعاني الدبلوماسيون، كما سائر سكان لبنان، من تداعيات الانهيار المتواصل منذ أكثر من عام ونصف العام.

وغرّد السفير الياباني تاكيشي أوكوبو الجمعة “الكهرباء مقطوعة عن مقرّ إقامتي منذ الصباح الباكر”، مضيفا “أفكاري مع كافة المستشفيات والعيادات”، التي تعاني من انخفاض ساعات التغذية إلى الحدود الدنيا.

وأثارت تغريدة لسفيرة كندا شانتال تشاستيناي بينما تنتظر “كما جميع الناس” في طابور أمام محطة وقود، تعاطفا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي.

وأوحى ذلك لمنصة إعلامية عبر الإنترنت بسؤال طرحته على عدد من النواب عن كيفية تعبئة خزانات سياراتهم بالوقود، فأجاب أغلبهم أن “الشباب” ينتظرون على المحطة، في إشارة إلى سائقيهم ومرافقيهم.

وتبدو الأزمة مرشحة للتفاقم مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت، الذي أودى بحياة أكثر من مئتي شخص وتسبّب بدمار أحياء من العاصمة. ولم يصل القضاء بعد إلى أي نتيجة حول من يتحمّل مسؤولية حدوثه، علما أن المؤشرات واضحة على أن الإهمال لعب دورا كبيرا في انفجار مواد خطرة مخزّنة عشوائيا.

وقبل مغادرته بيروت في مطلع هذا الشهر، اعتبر رئيس بعثة السفارة البريطانية لنغدن أنّ “فشل سَوق أيّ كان للمحاسبة وتحميله مسؤولية الانفجار الكارثي للمرفأ.. هو أكثر الأمثلة الدراماتيكيّة للدناءة وعدم المسؤولية التي تميز الكثير من الحياة اللبنانيّة”.