IMLebanon

باريس تتحرك على خطي “المساعدات والعقوبات”

التقييم الفرنسي للوضع في لبنان بات مكتملا ونهائيا:

– لا أمل يرجى من الطبقة السياسية في أن تتفق مكوناتها على تشكيل حكومة تمنع الانهيار التام للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتضع حدا لحالة الدوران في الفراغ.

– الوضع خطير ويتجه من سيئ إلى أسوأ. الانهيار بلغ مستويات متقدمة وبوتيرة متسارعة، واستمرار الأوضاع على حالها يعني أن لبنان مهدد بالزوال، بمعنى زوال وتحلل بنى الدولة اللبنانية ومؤسساتها.

– اللبنانيون بفعل التراجع الدراماتيكي في أحوالهم الاجتماعية والاقتصادية يعيشون حالة من البؤس ويواجهون خطر الفقر والعوز والجوع.

– الانهيارات الاقتصادية والاجتماعية معطوفة على التوترات السياسية والطائفية، ستؤدي الى حدوث مشاكل أمنية.

وهذا الوضع يلقي بثقله على الجيش اللبناني الواقع تحت ضغوط مادية ومعنوية، ويخشى أن يصاب في تماسكه وفاعليته وقدرته على ضبط الفوضى الآتية.

في ضوء هذا التقييم الذي بدأت عناصره تتكون منذ بداية هذا العام، قررت باريس، وبعدما تأكدت من سقوط مبادرتها في صيغتها الأساسية، التحرك في الأزمة اللبنانية على خطين متوازيين:

– خط المساعدات الإنسانية والاجتماعية الذي باشرته منذ انفجار مرفأ بيروت للتخفيف من معاناة اللبنانيين ومن وقع ما يسمى «الارتطام الكبير». وفي هذا المجال نظمت باريس سلسلة مؤتمرات كان آخرها منتصف الشهر الماضي لدعم الجيش اللبناني، وقريبا يرعى الرئيس إيمانويل ماكرون (في 20 الجاري) مؤتمرا لدعم لبنان هو الثالث من نوعه، ومن أجل توفير مساعدات إنسانية له.

– خط العقوبات كأداة ضغط على السياسيين اللبنانيين، وفي إطار انتهاج سياسة العصا ومن دون «الجزرة». فعمدت باريس إلى فرض عقوبات على مجموعة من السياسيين بقيت أسماؤهم طي الكتمان بتجميد أموالهم ومنعهم من دخول الأراضي الفرنسية. والتطور الذي حصل أن باريس أقدمت على تغليظ «العصا»، وتوصلت إلى إقناع الأوروبيين بفرض عقوبات مماثلة على من يعدون من المعطلين لتشكيل الحكومة أو من الضالعين في الفساد.

ولكن، إذا كان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان نجح في إقناع نظرائه الأوروبيين بوضع خلافاتهم وانقساماتهم حول الملف اللبناني جانبا والمضي في سياسة فرض عقوبات، فإن ذلك لا يعني أنه قرار للتنفيذ الفوري، لأن الأمر يتطلب الاتفاق على الأساس القانوني للعقوبات المطلوبة، إذ لا شيء في القوانين الأوروبية يتيح فرض عقوبات بسبب تعطيل حكومة.. ولأن الوضع في لبنان معقد وله ارتباطات إقليمية.

في الواقع، ثمة فجوة في النظرة والرأي وكيفية المعالجة بين الأوروبيين واللبنانيين، وتحديدا الذين يعارضون ويعانون.

الأوروبيون، والفرنسيون تحديدا يضعون كرة الأزمة والمسؤولية أولا في ملعب الطبقة السياسية الحاكمة التي تقف أمام خيارين:

٭ الأول هو تشكيل حكومة جديدة من مستقلين اختصاصيين لا تختارهم الأحزاب، وتكون لديهم القدرة والمسؤولية والإرادة الحرة لخوض معركة الإنقاذ والإصلاح ومكافحة الفساد، والسعي مع المجتمع الدولي وبدعم منه إلى إطلاق عجلة إقصاء تدريجي وطوعي للفاسدين عن كل مواقع السلطة.

٭ الثاني هو الدخول في مواجهة شاملة ومباشرة وقاسية مع المجتمع الدولي وتحمل النتائج والتبعات من حصار وعقوبات لهذه المواجهة التي تضع لبنان أمام انهيار حتمي ونهائي. ولما كان حزب الله هو الوحيد القادر على مواجهة المجتمع الدولي ولديه خبرة التكيف مع الحصار والعقوبات، لا يبقى أمام اللبنانيين إلا إظهار التمايز الفعلي عن الحزب وتحميله مسؤولية ونتائج مثل هذه المواجهة.

وحزب الله نفسه أمام خيارين: إما أن يقبل التفاوض مع المجتمع الدولي، وإما أن يقرر المواجهة معه وعليه في هذه الحال تحمل النتائج.

كما يضع الأوروبيون الكرة عند المجتمع اللبناني (المجتمع المدني والرأي العام) المطلوب منه أن يستعد لساعة الحساب والامتحان عندما تدق ساعة الانتخابات وتسنح الفرصة لإحداث تغيير في الوجوه والمعادلة، وبما يؤدي إلى إنتاج طبقة سياسية جديدة من جهة، والى إعادة تكوين السلطة من جهة ثانية. وعلى اللبنانيين عدم تفويت هذه الفرصة وإلا فإنهم يتحملون مسؤولية الوضع الذي وصلوا إليه ومسؤولية الانهيار واستمرار الأزمة.

ومع أن المجتمع الدولي جاهز لتقديم كل أشكال الدعم في هذه المواجهة الشعبية ويعول كثيرا على محطة الانتخابات النيابية، إلا أنه يبالغ في تقدير التحولات الداخلية الحاصلة التي لا ترقى إلى مستوى إحداث تغيير جذري في الواقع القائم والمعادلة والخارطة السياسية. ويبرهن عن عدم إلمام كاف بالتعقيدات والتفاصيل الداخلية القائمة على توازنات طائفية دقيقة وميزان قوى غير متكافئ.

ولذلك، فإن هناك في لبنان حاليا تيار متنام داخل مجموعات المعارضة يأخذ على المجتمع الدولي أنه يحصر نظرته الى الأزمة الراهنة وتعاطيه معها من خلفية أنها أزمة حكومة وإصلاحات، وأزمة طبقة سياسية وانتخابات. فإذا كان صحيحا وجود فساد سياسي وأخلاقي وحاجة ماسة إلى مكافحته وإعادة بناء الدولة، فإن الصحيح أيضا أن هناك جانبا آخر من المشكلة يغفله المجتمع الدولي ويتجاهله، وهو المتعلق بحزب الله والهيمنة الإيرانية. وحسب مصادر المعارضة المنبثقة عن انتفاضة 17 تشرين، فإن وجود هذه المشكلة هو في أساس الأزمات المتناسلة والانهيارات الحاصلة، والتغاضي عنها يجعل أن إجراء إصلاحات إدارية أو تغييرات سياسية أمرا غير ممكن حصوله، بمعزل عن ميزان القوى العام. ولذلك، فإن هذه الأوساط داخل المعارضة تذهب في خطتها للمرحلة المقبلة إلى حد المطالبة بوضع لبنان تحت إدارة دولية وتمكينه في فترة انتقالية من إعادة بناء الدولة والمؤسسات وأوضاعه الداخلية وعلاقاته الخارجية.