IMLebanon

الحريري في تقييم باريس: خسر حربه لأنه خاضها بلا سند

كتب أنطوان الأسمر في “اللواء”: 

في 20 دقيقة رئاسية عصر الخميس، بعد تسعة أشهر من التكليف ما عدا قليلا، وقبلها أتون إحراق محمد الصفدي وبهيج طبارة وسمير الخطيب ومصطفى أديب، أخرج الرئيس سعد الحريري نفسه من سجن إنسداد التأليف. لم يختبئ خلف إصبعه. قال بوضوح، في الإطلالة التلفزيونية الباهتة، انه خرج ليخوض معركة العودة الى مجلس النواب على حصان أبيض.

هو يريد استنساخ تجربة رفيق الحريري في العام 2000، بعدما أسقط بالإتفاق الكامل مع حزب الله، خطاب الدم المهراق الذي قاد معاركه الانتخابية الطاحنة بين عاميّ 2005 و2018، بل صار حليف الحزب وفق ما أعلن السيد حسن نصر الله.

لذا من الواقعي إستخلاص أن الأشهر الفاصلة عن إنتخابات 2022 ستكون حافلة بقرع طبول المعارك على قاعدة شعارات المظلومية والإقصاء والتنكيل والمارد الذي إستفاق، كذاك في اليوم الطرابلسي المشهود (25 كانون الثاني 2011) زمن الإنتفاضة على تولية نجيب ميقاتي (هل يذكر؟) قبل عقد من الزمن.

بإختصار: يا غيرة الدين، بديلا من يا غيرة الدم.

صار ما صار، وخرج الحريري جازما بأن المؤامرة عظيمة على الأقوى بين أقرانه، وبأن ميشال عون لا يريده، وبأن جبران باسيل يعاديه ويكرهه وبأنه إنقلب على التسوية الرئاسية لأن لا يؤمَن جانبه.

تجربة حسان دياب مستبدة وبري وباسيل ناقشا ما بعد الخطوة سابقاً

لكن هل هنا تكمن الحقيقة، تلك الضائعة؟

باتريك دوريل، على الأقل، لا يشاطر سعد الحريري رأيه ويقينه ومقاربته للذي حصل.

أمضى المستشار الرئاسي الفرنسي أيام زيارته الأخيرة في بيروت، سائلا من دون حيرة: ماذا بعد سعد الحريري؟

كان الرجل جازما بأن الرئيس المكلف سينهي بالإعتذار الحتمي مشوار الأشهر الثمانية ونيف.

شرح المسار بإقتضاب ووضوح، وقال لمن التقاهم: خسر الحريري معاركه الصغيرة تدرّجا وصولا الى خسارته الحرب. ظنّ أنه يستطيع وحيدا، بمفرده، متكئا على باريس، خوض الغمار الكثيرة.

كان دوريل يقصد، بالطبع، غمرة المغامرة بترشيح مصطفى أديب. غمرة ترشيح نفسه. غمرة المعركة ضد عون – باسيل. غمرة العلاقة بالرياض. غمرة الإنتقال الى الراعي الإماراتي، فالمصري، مرورا بالتركي.

أكثر من الغمار، فخسرها دفعة واحدة.

إذن، المقاربة الفرنسية واضحة. لم تنس باريس أنه كان شريكا في إحباط تجربة مصطفى أديب، يوم منعه عن العالم الخارجي في غرفة فندقه البيروتي، وحجبه خصوصا عن أي حوار أو إتصال بجبران باسيل، وفاوض بإسمه، ورفع شعار التصلّب في تحقيق المداورة في الوزارات الأربع، بدءا وتحديدا من وزارة المال، الى أن أحرجه فأخرجه عائدا الى السفارة في برلين.

هي المداورة نفسها التي ما لبث أن أسقطها، هو، في حوارات ما قبل ترشيح نفسه ومن ثم تكليفه، لا بل أصرّ على المداورة إلا في المالية!

خسر زعيم «المستقبل» لأنه وقع ضحية خوضه حروبا متنقلة من دون سند، من دون رؤية واضحة أو مقاربة إستراتيجية. لذا كان دوريل ملحاحا في طرحه السؤال المركزي، قبل الإعتذار الرسمي: ماذا بعد الحريري؟

استوضح نبيه بري المسار الدستوري ما بعد الإعتذار المحتوم. استوضح جبران باسيل رؤيته لمرحلة ألما بعد.

طلب ممن التقاهم الترشيحات، واستحث إسما، من ثم إسميْن.

كان الجواب الغالب: الأولوية للتشكيل. وأي بحث لاحق ليس لا وقته ولا ميعاده.

وقع الإعتذار، فماذا بعد؟

مروحة الخيارات محصورة، أساسها الأول عدم التحدي، ومن ثم إختيار من يحظى بموافقة الحريري، أو الأقل استنفارا واستفزازا في حال ظل على رفضه تزكية السلف أو المشاركة في الإختيار.

الأكيد، حتى الآن، أن تجربة حسان دياب مستبعدة.

الخيار الأفضل يبقى في إعادة الحرارة الى قنوات التواصل الرسمي مع الرياض، ومن ثم إرساء قواعد إعادة الثقة وإستعادتها، وإن بتدرّج وأنات.

أحد ليس في إستطاعته إغفال أو نكران موقف المملكة من الحريري، وإن أنكر. ذريعته الكورونية لم تكن موفقة في تبرير الإنفصال القاصم، تماما كما تعليق مصير اللبنانيين على علاقته بها!

ربما المملكة، هي كذلك، لن تكون مثل ما قبل إعتذار الحريري!