IMLebanon

هذا ما نقل الحريري “مكرهاً”… إلى ضفّة دعم ميقاتي

كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:

مبدئياً، سيكون نجيب ميقاتي اليوم رئيساً مكلّفاً لتشكيل الحكومة، فيما سيمتنع كلّ من كتلتي “الجمهورية القوية” و”لبنان القوي” عن منحه أصواتهما، كلّ لاعتباراته، لينطلق في “جلجلة التأليف”. حطّ الرجل في بيروت عائداً من رحلته البحرية بعدما ضمن أنّ ثمة أكثرية نيابية ستسميه خلال يوم الاستشارات النيابية الملزمة التي سيجريها رئيس الجمهورية ميشال عون، وقد بدأ يومياته البيروتية بلقاء جمعه برفاقه رؤساء الحكومات السابقين عقد في بيت الوسط لوضع كلّ من سعد الحريري، وفؤاد السنيورة وتمام سلام في أجواء الاتصالات التي أجراها ويجريها قبيل صعوده إلى قصر بعبدا مكلّفاً.

في الواقع، إنّ الاجتماع الذي انتهى إلى اعلان دعم ميقاتي رسمياً، هو بحدّ ذاته إشارة معبّرة عن المسار المرتقب من الرجل فور شروعه في مهمة التأليف. أن ينطلق ميقاتي في تكليفه من تحت عباءة الرباعي السنيّ يعني أنّه لن يحيد عن السقف الذي رسمه رئيس “تيار المستقبل” في تجربته المرّة في “التأليف المستحيل”. وهذا ما سيؤدي إلى تكرار نفس مشهدية الشروط والشروط المضادة التي كبّلت سعد الحريري وحالت دون دخوله من جديد السراي الحكومي، ولو أنّ ميقاتي يتمتع بقدر أكبر من الدعم الفرنسي الذي يأمل في أن يسهّل مهمته، سواء من خلال مساعدته على تذليل العقد في العلاقة مع الفريق العوني، أو من خلال تأمين اندفاعة قوية لحكومته تساعدها على تخطي “نار جهنم”!

الإشارة المعبّرة الثانية التي أطلقها اجتماع رباعي رؤساء الحكومات السابقين، هو انضمام “تيار المستقبل” إلى قافلة من سيسمّون ميقاتي رئيساً للحكومة وذلك خلافاً للموقف الذي سبق وأدلى به الحريري خلال مقابلته التلفزيونية حين أعلن بصريح العبارة أنّه لن يسمي أحداً لرئاسة الحكومة… في ما يبدو أنّه عاد وتراجع عن موقفه السلبي ليمنح القطب الطرابلسي فرصة للتأليف، ولو أنّ الحريري بذاته هو من سحب ملعقة التكليف في المرة السابقة من حلق ميقاتي حين طرح الأخير فكرة الحكومة التكنوسياسية، ما دفع الأول إلى تقديم نفسه وعلى نحو مفاجئ كمرشح طبيعي.

ولكن ما الذي أملى على الحريري القفز سريعاً من ضفّة عدم التسمية إلى ضفة تبني ترشيح ميقاتي؟

وفق المطلعين على موقف رئيس “تيار المستقبل” فإنّ الكلام مع ميقاتي عن احتمال ترشحه لرئاسة الحكومة، ليس جديداً، وهو حصل منذ مدّة، ولطالما أبلغ الحريري سائليه بأنّه في حال اعتذاره فلن يترك البلد أسير الفوضى على قاعدة “من بعدي الطوفان”، لا بل هو حريص على دعم أي صيغة انقاذية لأنّ الأمور لم تعد تحتمل أي مناورات أو هروب من المسؤولية.

ويؤكدون أنّه حين قصد الحريري قصر بعبدا في اللقاء الأخير لم يكن في نيّته ابلاغ رئيس الجمهورية نيّته بالاعتذار لكن الأحداث ومسار الحديث بين الرجلين هو الذي دفعه إلى بلوغ حافة الاعتذار سريعاً، ولو أنّها في باله، لكنه كان يعتقد أنّه سيمنح رئاسة الجمهورية بعض الوقت للتفكير في آخر تشكيلة حكومية وضعها بين يدي الرئيس عون ليكون بدوره قد خيّط سيناريو ما بعد اعتذاره. وقد جاءت إشارته السلبية بعدم تسمية أحد، كردّ فعل على ما جرى معه في قصر بعبدا، لكنه في العمق يفكر في طرح بديل، وكان ينتظر أن ينهي مشاوراته مع ميقاتي قبل أن يتم تقديم الأخير كرئيس مكلف لرئاسة الحكومة. وهذا ما حصل. فالحريري ليس في وارد أن يكون النقطة التي تجعل فنجان الفوضى يفيض في ما لو قرر أن يدير ظهره لمن سيخلفه في رئاسة الحكومة، ولهذا هو كان بصدد البحث في كيفية انجاح الطرح البديل. كما أنه ليس في وارد “الطلاق” من الحياة السياسية أو “الانتحار” في هذه اللحظات المصيرية اذا ما قرر أن يوصد الأبواب نهائياً.

بالنتيجة، سيكون ميقاتي اليوم أمام نفس مشهدية تكليف الحريري، بالشروط والقواعد ذاتها، لا بل أكثر. لا يملك القطب الطرابلسي ترف تقديم أي تنازل خصوصاً وأنّ حكومته قد لا تتمكن من تحقيق أي انجاز نوعي قد يُنسي الرأي العام تنازلاته، في ما لو أقدم عليها. ولهذا هو عالق بين نار الشارع الملتهب، ونار الشروط التي يضعها الفريق العوني، ونار حكومة سيؤلفها، قد تكون الأكثر كراهية في تاريخ الحكومات.