IMLebanon

هل شرع الحريري بمعركته ضد عون من باب قضية المرفأ؟

كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:

رافضاً الايحاء بأن “المستقبل” لا يريد رفع الحصانات وداعياً الى تطبيق الدستور، أطل الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري مطالباً برفع الحصانات عن الجميع بدءاً برئيس الجمهورية، “اذا كان هناك إهمال فالاهمال على الجميع” قائلاً: “ما في كبير قدام الحقيقة”، معلناً ان كتلته النيابية “وقعت على اقتراح يسقط الحصانات عن الجميع من رئيس الجمهورية الى أصغر موظف في قضية انفجار مرفأ بيروت”.

عشية الذكرى الاولى لانفجار المرفأ في الرابع من آب، تسود البلاد اجواء غير مطمئنة وانقسام طائفي وسياسي حول التحقيقات الجارية في الملف، وعلامات استفهام عززت المشككين ممن هم على قناعة بوجود خلفيات سياسية لما هو حاصل. فتح التحقيق على اشكاليات قانونية وتباين في وجهات النظر حول تهم الاهمال او ما يسمى بالقصد الاحتمالي الذي يعتبر الاهمال جريمة متعمدة.

لكن بعيداً عن التفاصيل القانونية وما تنطوي عليه فالشق السياسي من المسألة يشي بمعركة شد عصب قانونية هذه المرة، فإبن الشهيد يرفض المزايدة عليه في قضية المرفأ متحدثاً هنا عن “جهات متخصصة بتزوير التاريخ تعمل ليلاً ونهاراً، لتقول ان نواب المستقبل تخلوا عن الحقيقة والعدالة وأنهم وقعوا العريضة وهذا الكلام قمة التضليل وقمة التزوير وقمة الكذب”.

شرع الحريري في معركة تصفية الحسابات مع رئيس الجمهورية و”التيار الوطني الحر” مقترحاً “تعليق كل المواد الدستورية والقانونية التي تعطي حصانة، أو أصولاً خاصة بالمحاكمات لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزراء والنواب والقضاة والموظفين وحتى المحامين، وهكذا يتساوى الجميع أمام حجم هذه الجريمة ويتوجه الجميع الى المحقق العدلي”.

ونتيجة إستشارات قانونية أطل الرئيس السابق للحكومة مقدماً مطالعة قانونية هدفها الاول الدفاع عن توقيع اعضاء كتلته النيابية على حصانة الوزراء الملاحقين بإنفجار المرفأ، واستدراكاً لما هو آت من نتائج مرتقبة للتحقيقات ستفضي الى إعلان مزيد من اسماء لمسؤولين ممن كانوا على علم بقضية النيترات وتخزينها قد يكون الحريري واحداً من بينهم.

وقالت مصادر سياسية مواكبة ان الحريري بمطلبه هذا انما رفع سقف المواجهة مع رئيس الجمهورية واستبق خطوة متوقعة لقاضي التحقيق العدلي بقضية المرفأ، باصدار المزيد من الادعاءات التي ستطاله حكماً انطلاقاً من موقعه كرئيس حكومة، فآثر شن هجوم ردعي وقائي. أراد الحريري الهروب الى الامام وهاله ان يبقى القضاء بمنأى عن المسألة بعدما حصن نفسه، لعدم امكانية اصدار اي تهم او تعقب بحق القضاة من الناحية السياسية او بالنظر الى غياب مجلس القضاء الاعلى.

يطوي ما قاله الحريري صفحة العريضة النيابية خصوصاً وان اقتراحه قد يجد من يصفق له نيابياً ولو من باب الكيدية السياسية، لكن المؤسف ومن خلال شد الحبال السياسي الحاصل حول الحصانات ان يتخذ الملف طابع الانقسام الطائفي مسيحي مسلم، او اقله هذا ما يبدو عليه راهناً، فيتولى بري والحريري التمسك بحصانة الوزراء والنواب بينما يطالب “التيار الحر” و”القوات” برفع الحصانات بتزكية من البطريرك الراعي، الذي سيترأس قداساً على نية شهداء المرفأ في الرابع من آب. ذاك التاريخ الذي يتخوف القادة الامنيون من ان يحمل معه أحداثاً وتطورات على خلفية تحركات تحضر لها مجموعات مدنية وقداس يقام في المرفأ للمناسبة.

بفارق ايام خمسة التقى الحريري مع نائب بيروت نهاد المشنوق في طرح الاسئلة ذاتها “لماذا هناك محكمة خاصة للقضاة يحوّل إليها القضاة المتّهمون، وهناك اعتراض على محكمة الوزراء السابقين أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء؟”، مكرراً الاقتراح برفع الحصانة عن الجميع من اعلى الهرم الى آخر موظف في الدولة واعداً بمفاتحة النواب بهذه المسألة.

وقال الحريري نحن أمام نصوص دستورية وقانونية ملزمون بتطبيقها اذا بقيت موجودة، “فما تطلع النتيجة آخر الشي انو اللي بدو يطبق الدستور والقوانين ما بدو الحقيقة، ولا أحد يستطيع المزايدة على سعد الحريري في هذا الأمر وأنا نائب عن بيروت ومدينتي التي تدمّرت وأهلي استشهدوا فأوقفوا المزايدة في هذا الموضوع”. وتابع “لَمَنْ في دستور بيقول أنو رئيس الجمهورية عليه حصانة وما بيتحاكم إذا أهمل، مش سعد الحريري يللي حط النص. ولَمَنْ في دستور بيقول: أنو رئيس الحكومة والوزراء بيتحاكموا إذا أخلّوا بواجباتن أمام المجلس الأعلى، مش سعد الحريري يلي حط النص”. أصاب الحريري بسهام مواقفه القاضي بيطار الذي صار بحاجة الى اثبات نأي عمله عن اي خلفيات سياسية، لان اي عاقل في هذا البلد يصعب ان يؤمن باستقلالية قضاء في فضاء التسييس الرحب، وذلك لا يكون الا بشمول التحقيق الجميع من دون استثناء بمن فيهم القضاة مهما علا شأنهم.

على ان الخشية من ان التحقيق بملف المرفأ صار امام ثلاث محاكم، التمييز، والمحقق العدلي ومجلس محاكمة الرؤساء والوزراء والنواب، ما ينبئ بنزاع حول الصلاحيات في ما بينها وأهلية كل منها للنظر في الملف، لينتهي الامر الى تمييع التحقيق فالسياسة ما طرقت باباً الا وأفسدته فكيف اذا كان القضاء؟