IMLebanon

أبعد من الحكومة والانتخابات: تغيير النظام أم إعادة إنتاجه؟

كتب منير الربيع في “المدن”: 

بموقفه الذي يستبعد إمكانية تشكيل الحكومة قبل الرابع من آب، أخذ الرئيس المكلف نجيب ميقاتي فرصة لنفسه. هو يريد تشكيل الحكومة، محاولاً أخذ المدى الأوسع من الوقت للوصول إليها، ولتجنب خيار الاعتذار. بين لقائه مع رئيس الجمهورية ميشال عون يوم الجمعة، واللقاء الذي سيعقد يوم الإثنين، بدأ ميقاتي التواصل مع الجهات السياسية المختلفة. ويعمل على تجميع أسماء محددة ذات اختصاص، لإنجاز مقترح تشكيلة حكومية مع كيفية توزيع الحقائب فيها على الطوائف، ليعرضها على عون في لقاء الإثنين. وهو اللقاء الذي يفترض أن يبدأ خلاله الحديث بتفاصيل الأسماء، خصوصاً أن الرئيس المكلف يقترح تعيين وزيرين مستقلين لحقيبتي العدل والداخلية. وبما أن ميقاتي أعطى فرصة لنفسه، منح عون أيضاً فرصة في المقابل. فبعدما كان يضغط عون بقوة في سبيل محاكمة رياض سلامة في الخامس من آب، حصلت تدخلات وضغوط كبيرة لتأجيل جلسة محاكمة سلامة من 5 آب إلى شهر أيلول.

تغيير النظام!

على وقع هذه التفاصيل، تظهر الصورة الأوسع للصراع، بالنظر إلى التمايز الداخلي الحاصل. وهو يقوم على صراع بين جهات تحاول إعادة انتاج النظام، وبين جهات أخرى تسعى إلى إنهائه كلياً. أوروبا تشجع هذا الاتجاه. موقف الأوروبيين الأساسي والتاريخي والثابت هو كذلك، وبعضهم يحيلها إلى تورط ماكرون بالمبادرة التي لم تنجح ولم يعد قادراً على إنقاذها. فيما هناك من يراهن على الانتخابات، والتي يهتم بها الفرنسيون إلى حدّ بعيد. وفي هذا الإطار، كانت زيارة وفد مجلس الشيوخ الفرنسي. وثمة من يعتبر أن الانتخابات ستكون محاولة لإعادة إنتاج النظام وتجديده، على قاعدة الاستناد إلى أصوات الناس، في ظل غياب أي مقومات انتخابية نزيهة قادرة على إيصال الأكثرية الصامتة لممثليها.

هناك قسم من السلطة يعتبر أن لعبة الانتخابات هي لمصلحتهم، لأنهم قادرون على الحفاظ على مواقعهم. وهو أمر يتطابق مع توجهات بعض القوى الأوروبية، وخصوصاً فرنسا. فيما الحسابات الأميركية والخليجية مختلفة. وهي لا تتعلق بأشخاص ولا بمنظومة معينة، إنما بمصالح استراتيجية تقوم على عنوان مواجهة حزب الله، وكل القوى التي منحته الغطاء، وحوّلت الدولة ومؤسساتها إلى بيادق في خدمته وخدمة مشروعه. بين هاتين الوجهتين تتوزع التناقضات في المواقف اللبنانية. فعلى الرغم من المعركة المفتوحة بين حزب الله وأميركا مثلاً على وقع التصعيد الإيراني الأميركي، هناك من يعتبر أن طهران كما واشنطن تتعاملان ببراغماتية مع الوقائع، وحالما تتوصلان إلى اتفاق سياسي، يمكن لكل الحسابات الأخرى أن تسقط. فتستعيد طهران نفوذها في لبنان، انطلاقاً من دور حزب الله، بشرط تلبية المصالح الأميركية.

حزب الله والجيش

هنا تقرأ مصادر أوروبية في تكليف ميقاتي، بوصفه من أشرس الناس الذين كانوا ضد مشروع لازارد، وضد التغييرات في القطاع المصرفي. وهذا يمثل تناقضاً كبيراً بينه وبين عون. وتسأل المصادر: “هل ينجح الطرفان في وضع التناقض جانباً لصالح تسويات سياسية؟” لتجيب أن الأمر “غير أكيد أبداً”. وانطلاقاً من موقعه، يعتبر ميقاتي أنه أبرز المعارضين لمشروع عون، الذي يسعى إلى تغيير توازن القوى السياسية، وإقرانه بتغييرات كثيرة في النظام الاقتصادي والمالي، لتصبح حصة حزب الله والتيار الوطني الحرّ أوسع من حصص الآخرين، بما يتلاءم مع قوة التأثير السياسي التي يتمتعان بها.

أما الأميركييون ودول الخليج فلديهم حسابات أخرى أساسها هي المشكلة مع حزب الله. ولذلك يرتبط الملف اللبناني بالمفاوضات الأميركية الإيرانية. ما يعني أن الاهتمام هو سياسي مضاف إليه دعم الجيش اللبناني، بعيداً عن حسابات المصالح الضيقة التي تتعاطى بموجبها بعض الدول الأوروبية. وهنا ينطلق دعم الجيش من مبدأ أنه في حال حصل أي تغيير، فسيكون للجيش دور كبير. ولذلك لا يمكن التضحية به أو خسارته مستقبلاً.