IMLebanon

4 آب… سنة من الدماء والدموع واللبنانيون: العدالة الآن

كتب عمر حبنجر ومنصور شعبان في الأنباء الكويتية:

مر الرابع من آب، ومعه الذكرى السنوية الأولى لبركان مرفأ بيروت، ولبنان في غلالة سوداء، أعلام منكسة وأسواق مغلقة وتكبيرات مآذن وقرع أجراس وضحايا الانفجار الرهيب، تخطوا بتوزعهم وانتماءاتهم السياسية والطائفية، كل الحدود والسدود، ليتوحدوا بالدم وبالأشلاء.

سنة دامعة، أمضاها اللبنانيون من أهالي الضحايا والجرحى والمعاقين مع بيوتهم المدمرة وأرزاقهم المنقطعة، دون أن يرف جفن لزعماء نيترات الأمونيوم، التابعين او المستتبعين، أو تسقط حصانة واحد منهم على الأقل.

والى جانب الحداد العام، كانت هناك الصلوات المشتركة على ارض المرفأ المحطم، وتظاهرات شعبية، بغياب أي مرجعية رسمية مسؤولة، من تلك التي اكتفت بإصدار بيانات «رفع عتب» تتظاهر فيها بالبحث عن الحقيقة.

وتوافد الآلاف إلى المرفأ ومحيطه وساحة الشهداء ببيروت. حيث تم وضع النصب التذكاري «مارد من الرماد» المعدني والذي تم تصنيعه على هيئة مارد ضخم من الحطام والركام الذي خلفه الانفجار الهائل.

كما تم وضع نصب تذكاري على هيئة مطرقة العدالة ومكتوب عليها (Act for Justice). وحمل آلاف اللبنانيين الأعلام ولافتات تطالب بالإسراع في التحقيقيات للثأر لدماء الضحايا والمصابين ولبثّ الأمل في نفوس أهاليهم.

وهتفوا مطالبين بالعدالة للضحايا ومحاسبة المسؤولين. ووسط انتشار لقوى الجيش والأمن، انطلقت عند الساعة الثالثة والنصف عصر أمس تظاهرات ضخمة من نقاط عدة في بيروت باتجاه المرفأ المدمر، استجابة لدعوات أطلقها أهالي الضحايا وأطباء ومحامون ومهندسون وأحزاب معارضة ومجموعات تأسست خلال احتجاجات 2019 ضد الطبقة الحاكمة للتظاهر رافعين شعار «العدالة الآن».

ومن مقر فوج إطفاء بيروت، قالت وفاء كرم (37 عاما)، شقيقة أحد عناصر فوج الإطفاء، «قتلونا ودمرونا.. نريد أن نعرف من قتل أشقاءنا ودمر حياتنا…. هذه جريمة بحق الوطن.. ونحن لن نسكت».

وإلى جانب أهالي الضحايا، انطلقت مسيرة للمحامين بردائهم الأسود وأخرى للأطباء من مستشفى أصيب بأضرار هائلة جراء الانفجار. والتقت المسيرات قرب المرفأ الذي أقيمت بداخله وبحضور أهالي الضحايا صلوات إسلامية وقداديس.

وعند تمام الساعة السادسة وسبع دقائق، أي لحظة وقوع الانفجار، تليت أسماء ضحايا أكبر الانفجارات غير النووية في العالم.

وردد المتظاهرون «ثورة، ثورة» و«يسقط يسقط حكم الأزعر، نحن الشعب الخط الأحمر» ورفعوا لافتات كتب عليها «ممنوع يلي فجرونا يضلوا على الكراسي» و«المحاسبة والمحاكمة لدولة الفساد» و«نحن رهائن دولة مجرمة» و«دولتي قتلت شعبي».

وقال جفري شرتوني (32 عاما)، أحد موظفي إهراءات بيروت المدمرة والذي فقد عددا من زملائه، لفرانس برس «لا زلت أتذكر كل ما رأيته في ذلك اليوم.. نسأل أنفسنا كل يوم لماذا قتلوا؟ وما زلنا ننتظر أن يحاسب المسؤولون الذين يسرقون البلد منذ سنوات».

وسار المئات من المواطنين يتقدمهم اهالي الشهداء والمصابين من افراد الفوج باتجاه مكان الانفجار على وقع الاغاني الوطنية رافعين لافتات تدعو الى تحقيق العدالة وتبيان الحقيقة ورفع الحصانات عن كل المتهمين.

من جهتها، مصلحة الطلاب في «حزب القوات اللبنانية» نظمت مسيرة رمزيا حيث أحاطوا موقع الانفجار بلوحات تحمل أسماء الضحايا، بحضور عضو تكتل «الجمهورية القوية» النائب أنطوان حبشي وعدد من أهالي الضحايا والطلاب وقفوا أمام 224 كيسا أسود تمثل عدد من قضوا في الانفجار.

وغنت الفنانة نسرين ديب، وعلى وقع الأجراس، ونشيد «وحياة للي راحوا»، وضع الطلاب الورود البيضاء، مرددين «هول مش أكياس هول ناس»، واختتموا العرض بأغنية «استشهدت يا بني».

وترأس البطريرك بشارة الراعي القداس «لراحة نفس الشهداء»، وأكد أن «العدالة هي مطلب كل الشعب»، ودعا القضاء إلى الحزم، وقال «معيب ان يتهرب المسؤولون من التحقيق تحت ستار الحصانة أو عريضة من هنا أو هناك»، مشددا على أن «كل الحصانات تسقط أمام دماء الضحايا والشهداء».

وأكد «أننا هنا لنشهد على وحدة المسلمين والمسيحيين في الولاء للبنان وحده»..

وفي طرابلس نظمت وقفة رمزية لجهاز الطوارئ والإغاثة وفوج إطفاء طرابلس عند ساحة عبد الحميد كرامي إحياءً لذكرى 4 آب، كما نظم شبان من صيدا قوافل توجهت إلى بيروت للمشاركة في إحياء الذكرى.

وبمواكبة التحركات الشعبية، انهالت البيانات من مسؤولين وزعامات متهمة أصلا بالهروب من المسؤولية.

وكان رئيس الجمهورية ميشال عون، في مقدمة المتحدثين عشية الذكرى، ومن المنبر نفسه الذي صارح فيه الاعلاميين قبل بضعة اشهر، بأنه علم بوجود النيترات في المرفأ، وأنه أوعز الى الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع بإجراء اللازم، ليقول: «أنا لست مسؤولا، ولا أعرف متى وضعت هذه المواد، ومن أودعها ولا صلاحيات لي للتعاطي المباشر في المرفأ، لأن هناك تراتبية».

بدورها، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع والخارجية والمغتربين بالوكالة في حكومة تصريف الاعمال زينة عكر، في كلمة مختصرة: «نحن على ثقة وأمل بالوصول الى الحقيقة الكاملة والمحاسبة عبر القضاء العادل».

من جهتها، غردت سفيرة فرنسا آن غريو عبر «تويتر» وقالت: «أفكر في كل الضحايا الذين أودت الفاجعة بحياتهم. من أجل البدء بمرحلة الحداد، يحتاج اللبنانيون إلى تحقيق العدالة».

وقال الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة نجيب ميقاتي، في بيان: «في هذه الذكرى الأليمة نطلقها صرخة مدوية انطلاقا من مسؤوليتنا الوطنية، ونقول للجميع من دون استثناء إن الوطن في خطر».

وغرد النائب تيمور جنبلاط عبر «تويتر» قائلا: «لا شيء يعوض خسارة الذين سقطوا في ذلك الانفجار المشؤوم، ولا فاجعة عائلاتهم، ولا آلام المصابين ومعاناة المتضررين. ولا شيء يبرر كل الحصانات أمام هول الفاجعة. لن نقبل بأقل من كشف تفاصيل وحقيقة ما حصل وتحقيق العدالة لكي ترقد أرواح الذين قضوا بسلام».

رئيس «تيار الكرامة» النائب فيصل كرامي كتب، عبر «تويتر»، مغردا: «ما في كبير على المحاسبة. وسياسة عفا الله عما مضى ما بتبني وطن». وخاطب العلامة السيد علي فضل الله المسؤولين، في تغريدة: «أنصفوا الناس ولا تغتالوا الحقيقة مرتين».

كل ذلك يحدث، ولا حكومة لبنانية فاعلة، اما الحكومة التي يفترض متابعة البحث عنها اليوم الخميس في بعبدا، بين الرئيس عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي، دونها عقبات كأداء، أولاها إصرار عون على المداورة في الوزارات السيادية، وصولا إلى إخراج وزارة المال من جلباب الثنائي الشيعي، وبالتالي إلى جعل وزارة الداخلية من حصته، وثانيها رفض الرئيس ميقاتي المداورة المفضية إلى مثل النتيجة، وثالثها سعي الفريق الرئاسي إلى توفير الثلث المعطل داخل الحكومة، ولو بصورة غير مباشرة.

إلى ما هنالك من تفاصيل وجزئيات تجعل من مهمة ميقاتي امرا مستحيلا. وقد اعتبر النائب محمد الحجار عضو كتلة المستقبل، أن اعتذار الرئيس المكلف نجيب ميقاتي مسألة أيام. وردا على سؤال بشأن البديل قال: «مع الرئيس ميشال عون، إما الإتيان برئيس يبصم فقط، أو لا رئيس حكومة»!