IMLebanon

قراءة “الحزب” لأحداث خلدة: العبرة في التحقيق والمحاسبة

كتبت غادة حلاوي في نداء الوطن:

بانتظار ما ستكشف عنه تحقيقات الجيش، فإن “حزب الله” يحاذر الاستفزاز او جرّه الى فتنة تشكل مدخلاً لحرب سنية شيعية تنطلق من حادثة خلدة التي لم تكن وفق تقديراته حادثة عابرة، بالنظر الى عدد المنفذين والاسلحة المستخدمة والتخطيط المحكم. تجاوز “حزب الله” جريمة خلدة التي ستشكل مدخلاً للاتفاق مع الجيش واحزاب المنطقة بعدم اقفال طريق الجنوب بعد اليوم.

يثمّن “حزب الله” ما صدر عن قيادة الجيش وبيانه الذي تحدث عن اقدام مسلحين على اطلاق النار باتجاه المشيعين، بما يثبت صحة قوله بوقوع كمين محكم، ويبدي ارتياحاً للمداهمات التي حصلت عقب الجريمة مباشرة والتي لا تزال مستمرة، خاصة وان لدى الجيش لائحة بثلاثين اسماً غير الذين اوقفوا. تبين لغاية الساعة ان المتورطين بينهم السلفي والداعشي وغيرهم، مطلوب تحويلهم الى المحكمة العسكرية لمحاسبتهم كخطوة اساسية على طريق طي صفحة الحادثة نهائياً، وعدم حصول تدخلات سياسية تحول دون تحقيق العدالة المرجوة.

يأمل “حزب الله” ألا يتم قطع طريق الجنوب بعد اليوم، وتعويله على الجيش كبير لا سيما بعد تلقيه وعوداً جدية بهذا الصدد، لايمانه أن الجيش وعندما يريد بمقدوره ان يمنع قطع الطريق بدليل قدرته على فتحها متى اراد ذلك.

تعددت الروايات حول ما شهدته خلدة بينما الوقائع التي توافرت لـ”حزب الله” تقول ان علي شبلي ليس متهماً بالقتل وقد قتل ظلماً وعدواناً. كل القصة ان هناك مطالبة منذ عام بأن يغادر آل شبلي المنطقة بحجة عدم الاستفزاز برفع الرايات السوداء في عاشوراء. وبحسب تقرير فرع المعلومات وقوى الامن الداخلي فان شبلي ليس مطلوباً وكان يعيش حياته بشكلها الطبيعي، كل ما هناك ان العشائر كانت طلبت الا يعود الى منزل عائلته في خلدة وقد دخله للمرة الاولى والاخيرة ليلة مقتله. منذ سنة و”حزب الله” يسعى جهده لتطويق ذيول حادثة خلدة التي وقعت على خلفية تعليق رايات عاشورائية، لكن الشروط والشروط المضادة وحجم التدخلات والشعور بفائض القوة من قبل العشائر، جعلهم يطالبون بتقديم الكثير من التنازلات والا كان يمكن ان يصار الى طي هذه الصفحة وتجنب تداعياتها.

وقعت الواقعة وحل ما كان “حزب الله” يخشاه ولا يزال يتجنب الوقوع به وهو جرّه الى فتنة سنية شيعية لا تحمد عقباها. ولذا فهو يثمن مواقف “تيار المستقبل” ورئيس “الحزب الاشتراكي” وليد جنبلاط ورئيس “الحزب الديموقراطي” طلال ارسلان التي كانت “ممتازة”، كما يثمن مداهمات الجيش وهذا من شأنه ان ينسحب لاحقاً على طريق الجنوب. فقطع الطريق الدولية على امتدادها لن يحصل اذا لم يكن ثمة من يحمي الفاعلين ويحيطهم برعايته.

منذ البداية حرص “حزب الله” على ان يتم التشييع من بيروت مباشرة الى مسقط رأس الضحية في الجنوب لولا ان اصرت عائلته على المرور بمنزله كمحطة لتقليد معتمد، ومع ذلك حاول “حزب الله” اقتصار الحضور على افراد عائلته فقط لكن كانت المفاجأة بوجود كمين مدبر مسبقاً. تمّ التنسيق مع مخابرات الجيش التي ابلت بلاء حسناً غير ان لـ”حزب الله” المزيد من الاسئلة التي تفتقد الى اجوبة شافية ووافية، فاذا كان تم قتل شبلي على سبيل الثأر، فلمَ تمت مهاجمة المشيعين واطلاق النار مباشرة باتجاههم؟ وهل من نفذ هي ايادٍ داخلية ام خارجية ام انها مجرد عصابة خارجة عن القانون امتهنت القتل بدوافع غريزية؟ واذا كان استدراجاً فهذه عادة ما تكون مدروسة ومعدة مسبقاً ولها خلفياتها، ومن يقف خلفها. وهذا كله لا بد ان يظهر في التحقيقات التي تجريها مديرية المخابرات في الجيش، ولو ان التحقيقات الاولية أفضت الى وجود كمين نفذه ما يزيد على 25 شخصاً اطلقوا النار باتجاه المشيعين. وبانتظار التحقيق فان جريمة خلدة ليست بالنسبة له مؤشراً على وجود فلتان امني لا يمكن السيطرة عليه، ولذا فانه وبالتعاون والتنسيق مع قيادة “حركة امل” والجيش اللبناني سيحيي مراسم عاشوراء، متيقناً ان ما شهده يوم 17 تشرين كان الاصعب والاشد اعتداء وامكن تجاوزه والسيطرة عليه، والوضع قد لا يكون مشابهاً اليوم بل اخف وطأة.

لكن المؤكد انه بات مستهدفاً لجره الى عمل ما يدينه، ففي اعقاب 17 تشرين وخلالها وحين رفعت صور امين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله وعلقت المشانق، وقطعت طريق الجنوب لاسابيع وتعرض المارة للمذلة، ومع تشكيل المحكمة الدولية سابقاً ولاحقاً عقب انفجار الرابع من آب، كان المطلوب واحداً وهو استدراج “حزب الله” الى مشكل داخلي، ولم يبدِ اية ردة فعل لعلمه ان المطلوب فتنة داخلية تكون مقدمة لحرب اهلية ليس “حزب الله” بوارد دخولها على الاطلاق. رغم كون سكوته يكلفه دماً يتلقاه على حساب رصيده وجمهوره ولكن ما حصل في خلدة وقبلها في 17 تشرين اثبت له وعي جمهوره ومدى انضباطه رغم كل الاستفزازات، والاهم قراره الحاسم بعدم السماح الى استدراج عناصره لأي مواجهة والعض على الجرح مهما كان عميقاً.