IMLebanon

إعادة إعمار المرفأ… استثمار ضخم “مجمّد” في زمن الانهيار

كتبت باتريسيا جلاد في نداء الوطن:

عام مضى على هول كارثة انفجار مرفأ بيروت. الأنظار لا تزال مسلّطة على إعادة إعماره، وتأهيل ما تحيط به من بنى تحتية قد تجعل من تلك المنطقة قبلة سياحية ومرفقاً إقتصادياً عالمياً بارزاً. إقتراحات عدة تقدّمت بها جهات روسية وألمانية وفرنسية قابلتها حماسة لبنانية لإعادة إعماره من قبل الكوادر البشرية الهندسية الكفوءة في لبنان. فكان اقتراح من قبل رئيس نقابة المقاولين في لبنان المهندس مارون الحلو ومؤسس محطتي الحاويات في مرفأ بيروت ومرفأ طرابلس أنطوان عماطوري، ومشروع آخر من المهندس شربل أبو جودة للإبقاء على عائدات إعادة الإعمار في الداخل.

فعلاً تحظى إعادة الإعمار بقبلة اللبنانيين القاطنين في البلاد والمغتربين المقتدرين الذين يبحثون عن استثمار أموالهم في “مرقد عنزة” لهم في بلدهم. عدد كبير منهم مستعدّ للمساهمة في إعادة إعمار المرفأ الذي يعتبر الرافعة الإقتصادية للبلاد والعباد، ولكن شرط تشكيل حكومة تحظى بثقتهم وبالثقة الدولية.

البيئة المؤاتية من السلطة اللبنانية لإعادة إعمار “بور بيروت” غير مؤمّنة طبعاً، ولم تعط أي موافقة على هكذا استثمار ضخم في ظلّ الشلل السياسي والإقتصادي والمالي التام المتربّص بالبلاد. كيف ستعطي الموافقة وهي لا تزال تتناتش الحصص والكراسي ضاربة بعرض الحائط معاناة وطن بأكمله، فهي تتقاعس عن تشكيل حكومة قادرة على انتشال البلد من قعر الأزمات التي نتخبط بها.

مشروع الحلو وعماطوري

المشروع المحلّي الأول لإعادة إعمار المرفأ قدّمه الحلو وعماطوري تحت عنوان: “عماطوري- حلو لإعادة إعمار مرفأ بيروت” لفترة ثلاث سنوات وبكلفة تتراوح بين 300 و 400 مليون دولار.

حول مسار الإقتراح المقدّم أوضح الحلو لـ”نداء الوطن” إن “المشروع قدّم الى إدارة المرفأ التي أرسلته بدورها الى وزير الأشغال العامة والنقل لدراسته، إلا انه لا يزال مجمّداً مثله مثل سائر المشاريع”.

ورأى الحلو أن “الأجواء غير مؤاتية للبت بهكذا مشروع، فالحكومة المستقيلة لا تأخذ مبادرة، وادارة المرفأ لا تأخذ اي قرار والحكومة المرتقبة لا تبصر النور. الشلل بالإدارات والوزارات سيّد الموقف اليوم وحتى المناقصات لا يتمّ البت بها، عدا عن المعاناة التي تعيشها إدارة مرفا بيروت، فشركة التشغيل في “البور” متعثرة، ولا تقوم بأية إستثمارات بالرافعات، والحاويات لا تعمل بأكملها، وسيتم طرح مناقصة لتشغيل المرفأ، التي تعاني حركته من الشلل”.

وهنا لا بدّ من الإشارة الى أن الأنقاض لا تزال متواجدة في مكان الحادث، لذلك يقول الحلو “هناك ضرورة لرفعها قبل إعادة الأعمار، علماً أنه لا تطرح أي جهة في الوقت الراهن أي مشروع على طاولة البحث أو حتى لا تتجرّأ على أخذ موقف، علماً أن المرفأ يعتبر المتنفّس الوحيد للدولة ويزيد وارداتها”.

والمشروع المطروح بإعادة بناء المرفأ من الحلو وعماطوري يتم تمويله من مدخوله لمدة قصيرة لا تتجاوز الثلاث أو الأربع سنوات، وهو سينعش قطاع المقاولات والهندسة والاستشاريين المحليين. كما ستنعش تلك المبادرة الناتج المحلي وتوفر فرص عمل للبنانيين الذين بأمس الحاجة اليها كما ستؤمن للدولة مداخيل إضافية للاستثمار بحيث لن يحتاج الى كامل المساحات المخصصة حالياً للمرفأ بحسب الدراسة بل سيقتطع قسماً منها وسيوزع على مستثمرين محليين.

ولا يلزم المشروع الدولة بأي استدانة أو مصاريف إضافية غير التي سيتم استثمارها من خلال مداخيل المرفأ وستتقدم الشركة التي ستنشأ لإدارة مشروع إعادة إعمار المرفأ بضمان حسن التنفيذ على أن تقدم كفالات لقاء الحصول على الواردات وتوظيفها في إعادة الإعمار.

المساحات المطلوبة

وأكّد المستشار الفنّي لهذا المشروع ابراهيم هرمس لـ”نداء الوطن” أن “لبنان لديه كل الخبرات اللازمة لإعادة إعمار المرفأ من إستشاريين ومهندسين ومقاولين وعمال، وكلفة المشروع يمكن تغطيتها مباشرة من مردود المرفأ الذي يعمل خلال 3 سنوات وبالتالي لا توجد حاجة للاستدانة”.

وأشار الى أن “المساحات المطلوبة لإعادة إعمار المرفأ استناداً الى المخطط الرئيسي التوجيهي هي بحدود 800 ألف متر مربع بينما حالياً مساحة المرفأ تبلغ مليوناً و300 ألف متر مربع، ما يعني أن مساحة500 ألف متر مربّع ستسلّم للدولة لاستثمارها بالطريقة التي تراها مناسبة”.

مشروع أبو جوده

أما المشروع الثاني والذي تقدّم به المهندس جورج أبو جوده، فهو بدوره مشروع خاص والثاني لإعادة إعمار المرفأ بكلفة تبلغ نحو 4 مليارات دولار. وفي هذا السياق يقول أبو جوده لـ”نداء الوطن” أن هذا المبلغ كفيل بتحقيق إنتاجية بقيمة 14 مليار دولار”.

وخلال جولاته وصولاته على اللبنانيين في الخارج عارضاً اقتراح إعادة الإعمار الذي قدّمه، لمس أبو جوده كما كشف “إيجابية كبيرة من اللبنانيين والرغبة في المشاركة في المشروع”، وقد استطاع تحصيل أقل من نصف المبلغ المطلوب لإعادة الإعمار قبل الحصول على الموافقة الرسمية من الدولة اللبنانية على مشروعه، “فكيف اذا ما حاز على تلك الموافقة ؟” سأل أبو جوده.

مصدر التمويل

لكن من أين سيأتي التمويل؟ يرى أن “التمويل سيكون جاهزاً فور استعادة لبنان حكومته وسلطته أي استعادة ثقة المجتمع الدّوليّ والإنتشار الإغترابيّ اللبنانيّ، المفقودة حاليّاً لأنهما أهم وأبرز مصادر للتمويل”.

وأضاف: “سيتمّ إنشاء شركة مساهمة لبنانيّة 100% من المقيمين والمغتربين المنتشرين في أرجاء الكرة الارضية توضع اسهمها للتداول في بورصة بيروت، للتمويل وستعمد الدّراسة الى الإستفادة من الفريق الهندسي والتقني من الجيش اللّبنانيّ للتنفيذ، لانهما الركيزتان الوحيدتان اللّتان تتمتعان بالمصداقيّة والأمانة والشّفافية”.

وبذلك يتمّ توفير الكلفة وحصر المصاريف من دون اللجوء الى الإستدانة وطلب القروض ومراكمة الدّيون على الخزينة ويلغي هذا التدبير المحسوبيات والمحاصصات للسلطة الفاسدة، خصوصاً وأن الأرض متوفّرة من الدولة.

وتتضمن الدراسة كما أوضح أبو جوده:

– تكبير الحاويات من 400.000م م لتصبح المساحة 1.300.000 م م.

– تكبير الأرصفة التي كانت في السّابق تبلغ 1.000 م ط لتصبح 3.400 م ط. وعوضاً عن وجود 14 رافعة عملاقة، يصبح العدد 35 رافعة.

ثانياً: رأى أنه يجدر إزاحة السّنسول الحالي 500 م الى عرض البحر، فيبلغ عمق المياه 25 م تقريباً، وبذلك سيتمكن المرفأ من إستقبال 4 سفنٍ سياحيّة عملاقة.

وعبر إستخدام الحوض الاول الذي تبلغ مساحته 250.000 م م، سيصبح قادراً على إستقبال السّيّاح وخدمة السّفن، والإنطلاق والتوجه من وإلى بيروت..

وتعمد التّصاميم على فصل السنسول إلى قسمين: الأول سيكون مجهزاً لاستقبال السّياح وخدمة السّفن، والثاني سيكون مخصصاً للسياحة الدّاخليّة، بتحويله واجهة بحرية ومتنفساً لسكّان العاصمة بيروت.

على أن يتم وضع برج ضخم بعلو 160م ط. سيقسم هذا البرج لقسمين، أحدهما مركزاً لإدارة المرفأ. ويعلوه القسم الثاني،وهو عبارة عن متحف يحكي تاريخ لبنان الفينيقيّ القديم والجديد والمعاصر، وتلفّه صور ثلاثيّة الأبعاد معروضة، لإنفجار المرفأ. ويعلوه سطح يضم مطعماً يطلّ على البحر وعلى مدينة بيروت. الى ذلك تتضمّن الدراسة إنشاء بعض المراكز:

-سيتم ربط المرفأ بخطوط سكك حديديّة للشحن البرّي،عبر سقف نهر بيروت واستعماله، متوجهاً نحو قناطر زبيدة عند مدخل النّفق وصولاً إلى شتورة، كمرحلة أولية على أمل الوصول في المستقبل إلى العراق والمملكة العربيّة السّعودية. وسيتم جلب ناتج حفريات النّفق لردمِ المرفأ.

كما سيتمّ إنشاء ثكنة عسكريّة لـ 400 عنصر ومرفأ خاص للجيش اللّبنانيّ تليق وتكرّم أولئك الجنود حماة الوطن. هذا فضلاً عن إنشاء مبانٍ سكنيّة لهؤلاء العناصر وتبلغ سماكة الجدران، أقلّه متراً. كما تقوم الدّراسة على إنشاء مستودعات وحوض تحت المباني، تسمح بإدخال غواصات، وكذلك السّفن المتوسطة الحجم، لترسو تحت المبنى، في المستقبل.

ولم تنس الدراسة صيّادي الأسماك اذ خصّصت لهم مركزاً متطّوراً لتحقيق صيد منتج عبر البواخر ولا تكتفي بالفلوكا. على أن يتمّ استحداث سوق وبرّادات ومطابخ لمعالجة وتوضيب السّمك، عدا طبعاً عن إنشاء إهراءات للقمح ومبانٍ مخصصة كمكاتب لإدارة المرفأ ولكلّ شركات الشّحن وتخليص المعاملات وإقامة مختبرات كاملة وجاهزة لتسريع عمل الجمارك والكشف وفي موقع واحد. ولن يتمّ وفق الدراسة هدم الإهراءات المدّمرة بل سيتمّ الإبقاء عليها وإقامة سور يضمّ أحواضاً خضراء وذلك على غرار المباني في هيروشيما التي زنّروها لتبقَى شاهداً على التّفجير، فيخلّد التّاريخ ما حصل. وحدّد أبو جوده دوام عمل مرفأ بيروت وهو 22 ساعة يومياً، كافة أيام الأسبوع بما فيها أيام السبت والأحد وذلك لزيادة قدرة المرفأ 12 مرّة أكثر من السّابق وقبل الإنفجار، ويصبح الأكبر في الشّرق الأوسط.

بانتظار الفرج

اذاً مشروعان محليّان من الكوادر البشرية الكفوءة، قابعان اليوم في الأدراج مثلهما مثل سائر المشاريع التي قدّمت الى الدولة اللبنانية من الخارج، ينتظران فرج تشكيل الحكومة لإطلاق العنان لعجلة البلاد التي تآكلها الصدأ مع تلكؤ السلطة عن إخراجها من القعر.