IMLebanon

رفض شعبي لرسائل إيران من الجنوب

كتبت أنديرا مطر في القبس:

الرسائل المتبادلة بين “حزب الله” وإسرائيل قد تكون توقفت موقتًا، لكنّ تداعياتها الخطرة بقيت حاضرة داخل لبنان وخارجه من واشنطن الى نيويورك، حيث تلقى مجلس الأمن شكوى صهيونية ضد لبنان على خلفية اطلاق الصواريخ من اراضيه، بالتوازي مع تحذير تل أبيب من ان هجمات حزب الله ستؤدي إلى كارثة ودمار كبيرين في لبنان. في حين حضت إدارة الرئيس جو بايدن الحكومة اللبنانية على منع هجمات كهذه وبسط سيطرتها على المنطقة. أما الدولة فبقيت خارج نطاق التغطية.

لكن أبعد من خطر التوتر المتصاعد أخيرا، الذي يأتي في اطار الرسائل المتبادلة بين ايران والكيان الصهيوني، ينظر كثيرون الى تداعيات هذا التوتر محليا على حزب الله من حيث تنامي الرفض الشعبي لممارساته ورفض قسم من اللبنانيين تعريض مصالحهم للخطر خدمة لأجندات خارجية.

وفق هؤلاء ينفذ حزب الله اجندة إيرانية، آخر تجلياتها اقدامه على اطلاق صواريخ من قرى الجنوب في لحظة تعثر مفاوضات الملف النووي في فيينا واثر اقدام ايران على ضرب سفينة في بحر عمان ومحاولة اختطاف أخرى.

ففي حادثة هي الأولى من نوعها، أقدم عدد من أهالي بلدة شويا في قضاء حاصبيا بالجنوب على اعتراض راجمة صواريخ عائدة لحزب الله وسلموها الى الجيش اللبناني مع مطلقي الصواريخ الذين تم الافراج عنهم لاحقاً.

الحادثة أدت إلى توتر بين ابناء من الطائفة الدرزية وآخرين من مناصري حزب الله، كاد يتحول الى فتنة متنقلة بعدما عمد انصار الحزب إلى طرد مشايخ دروز يبيعون فاكهة التين في صيدا، وهو ما استفز بعض الشبان الدروز فأقدموا على تحطيم باصات قادمة من البقاع في منطقة عاليه.

ليس تفصيلا أن يتقدم خبر منع أهالي شويا اطلاق الصواريخ من بلدتهم على خبر الاشتباك مع العدو الصهيوني، وليس تفصيلا أيضا تحية قسم كبير من اللبنانيين على وسائل التواصل الاجتماعي لمن اسموهم «مشايخ الكرامة»، اما على ضفة حزب الله فثمة خوف من ان تفتح هذه الحادثة المجال لحوادث مماثلة، بحيث يرفض جنوبيون آخرون ومن طوائف مختلفة استخدامهم دروعا بشرية وإطلاق الصواريخ من قراهم.

حزب مأزوم يشد العصب

الأكاديمي مكرم رباح يؤكد ان هناك انفضاضا شعبيا عن حزب الله، استنادا الى احداث خلدة وشويا، سيتعامل معها الحزب بمزيد من شد العصب الطائفي واستخدام الخطاب المذهبي، وهذا بدا جليا الجمعة، حين تم تصوير ما حدث في شويا على انه هجوم على الشيعة من قبل الدروز.

ويعتبر رباح ان حزب الله لم يقم باطلاق الصواريخ من قرى شيعية كونه مأزوما شعبياً في بيئته، لافتا الى ان ردة فعل أهالي الجنوب الذين توجهوا الى بيروت إثر القصف الصهيوني يؤكد ان البيئة الحاضنة للحزب، سياسيا واقتصاديا، لم تعد كما كانت.

شعبيا، قد يبدو الحديث عن رفض المقاومة مبالغا به لاسيما من أهالي الجنوب الذين اختبروا الحروب مع الاحتلال. ويقول احد الناشطين من الطائفة الدرزية على صفحته في فيسبوك: «نحن مع المقاومة لردع ورد اي عدوان صهيوني ونقصف معها وجاهزون لتقديم الشهداء.. أما الصواريخ الموجودة لخدمة إيران وتوجيه الرسائل للدفاع عن طهران وفرض الشروط على طاولة المفاوضات النووية فهي لا تعنينا وبالنسبة لنا مثلها مثل صواريخ العدو».

خصوم حزب الله، استخدموا حالة الاعتراض الدرزي للتأكيد بأن الحزب خسر بيئته الحاضنة من غير الطائفة الشيعية ولم يعد له سوى جمهوره الخاص.

وليست حادثة شويا منفصلة عن مسار طويل من الاصطفافات الطائفية بدأت منذ 2005 وبلغت ذروتها بتفجير مرفأ بيروت قبل عام غيرت نظرة اللبنانيين الى حزب الله من مقاوم الى مجرد فصيل مسلح.

حادثة خلدة

وكان قد سبق حادثة شويا اشكال أمني بين عناصر من حزب الله وعشائر العرب في خلدة أثناء تشييع علي شبلي الذي قتل مساء 31 تموز على خلفية ثأر. ويعتبر مراقبون ان هذه الضربة كانت الأقسى للحزب باعتبار انها كسرت خوف اللبنانيين وقد تهيئ لتكرارها في مناطق أخرى.

سلسلة الاحداث الأمنية هذه وان بدت غير مترابطة الا انها في المحصلة انفجرت صراعا بين مناصري حزب الله وخصومه، الذين يرون انها مؤشر جدي الى تغير جذري في صورة الحزب لدى الرأي العام اللبناني.

احتلال وتواطؤ دولي

كما شكّل انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020 منعطفا بالنسبة لعلاقة اللبنانيين مع حزب الله. فمن اللحظة الأولى للانفجار بدا ان هناك حملة شعبية لادانته وتحميله مسؤولية التفجير. وقد شكلت شعارات الذكرى الأولى للانفجار التي رفعها مشاركون إضافة الى خروح اهل الضحايا بادانات واضحة ذروة الشقاق مع الحزب.

العميد جورج نادر يقول في تصريح اعلامي «ان العملية التي جرت من يومين، في إشارة لإطلاق حزب الله صواريخ على الاراضي الفلسطينية المحتلة، إضافة إلى عملية يوم الجمعة، تأتي لصرف الانتباه عن اتهام الحزب في قضية نيترات الأمومنيوم وتفجير مرفأ بيروت»

ووفق الكاتب السياسي نوفل ضو فإن اطلاق الصواريخ من حاصبيا دليل على طبيعة الازمة السيادية في لبنان، ونهج لا يفضح فقط المنظومة التي تغطيه لبنانيا، وانما عجز اليونيفيل وتواطؤ المجتمع الدولي الذي تحركه فرنسا من خلال تجاهل الاحتلال الإيراني وتغطيته. ويقول «لبنان دولة محتلة ولا اصلاح، ولا اقتصاد ولا أمن في ظل الاحتلال».

في المقابل، تقول مصادر مقربة من حزب الله ان الحزب «قد يتهاون في الملفات الداخلية مهما بلغت نسبة الجور عليه إلا انه لا يتساهل باي حدث له علاقة بصراعه مع الكيان الصهيوني مهما بلغت الاثمان».