IMLebanon

العودة إلى المدارس صعبة

كتبت جويل الفغالي في “نداء الوطن”:

يواجه قطاع التعليم في لبنان أزمة قويّة بسبب الأزمة المالية التي تواجهها البلاد، ما يجعل مصير الأجيال القادمة معل٘ق، ككل شيء في هذا البلد. وكان إلى جانب جائحة كورونا عدة ترتيبات أدت الى تراجع مستوى وجودة التعليم. وبعد مرور عامين دراسيين من اعتماد التعلم عن بعد، ماذا سيكون مصير العام الدراسي المقبل؟

رأى الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين، أن “هناك صعوبة الآن في العودة إلى المدارس بسبب الأزمة المالية وانقطاع البنزين وتدهور القدرة الشرائية للرواتب، ففي حال لم يكن من سبب صحي للذهاب إلى التعليم المدمج وعاودت المدارس الى فتح أبوابها. وتوقّع أن ينقسم دوام التعليم الى: دوام مدمج وآخر حضوري، وذلك بهدف توفير الأموال وخاصة اذا استمرت اسعار المحروقات بالارتفاع”. واشار رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي نزيه جباوي الى أن “ليس من عام دراسي قادم اذا لم يتم تشكيل حكومة قادرة على حل العقد العالقة وتنظيم أمور البلد”.

وفي السياق، دقّ البنك الدولي جرس الإنذار بشأن مستقبل قطاع التربية والتعليم في لبنان حيث دعا في تقرير له أصدره في 21 حزيران 2021 “الى ضرورة أن يشرَع لبنان على وجه السرعة في تنفيذ أجندة للإصلاح الشامل تعيد تمحور قطاع التعليم حول الطلّاب، وتعطي الأولوية للارتقاء بجودة التعليم للجميع. وأشار التقرير إلى أن انخفاض مستويات التعلّم وعدم التوافق بين المهارات وإحتياجات سوق العمل يعرّض مستقبل الأجيال الصاعدة في لبنان للخطر، وهو ما يكشف عن الحاجة الملحّة إلى زيادة الاستثمارات في القطاع وتحسين توجيهها”.

تشابك الأزمات في لبنان

ويؤكد التقرير على “أن الأزمات المتفاقمة التي تعصف بلبنان منذ بضعة أعوام ممثلة في تدفّق اللاجئين السوريين، والأزمة الاقتصادية والمالية، وجائحة فيروس كورونا المستجد، وإنفجار مرفأ بيروت، سبّبت ضغوطاً حادة على نظام تربوي متعثّر أصلاً.

وكانت مستويات التعلّم منخفضة نسبياً قبل جائحة كورونا، إذ يبلغ العدد المتوقع لسنوات الدراسة المعدَّلة بحسب مقدار التعلُّم 6.3 سنوات دراسية فقط. وأدَّت الجائحة العالمية إلى إغلاق المدارس لفترات طويلة ابتداء من آذار 2020، ما سيؤدي على الأرجح إلى مزيد من التراجع في مستوى التعلّم، حيث يواجه الطلاب في لبنان فعلياً سنة دراسية ضائعة. إضافة الى زيادة معدلات الفقر التي أثرت على طلب خدمات التعليم وعلى معدلات التسرب المدرسي، حيث بات أكثر من نصف السكان على الأرجح دون خط الفقر الوطني.

ومع الانكماش الاقتصادي، وتدنِّي القوة الشرائية، والتدهور الحاد في ظروف المعيشة، من المتوقع أن يتّجه المزيد من الآباء والأمهات إلى نقل أطفالهم من المدارس الخاصة إلى المدارس الحكومية في السنوات القادمة”.

العمود الفقري للتعليم

فعلى الرغم من تردي الأوضاع المعيشية في لبنان، لم يحصل نزوح كبير للطلاب من الخاص الى الرسمي، يقول شمس الدين، “فإن عدد الطلاب في المدارس الحكومية في لبنان بلغ 328.040 طالباً في العام الدراسي 2018 أي ما يشكل نسبة 30.7 في المئة من إجمالي الطلاب في مرحلة التعليم العام ما قبل الجامعي، و332.126 طالباً لسنة 2019 أي ما يشكل نسبة 30.9 في المئة من إجمالي الطلاب في مرحلة التعليم العام ما قبل الجامعي، و 342.309 طالباً لعام 2020 ما يشكل نسبة 32 في المئة.

وهذا يعني أن عدد الطلاب الذين إتجهوا الى التعليم الرسمي خلال هذه الفترة لم يرتفع بشكل كبير، فهناك فقط 14.269 طالباً، ما يشكل أقل من ثلث مجموع الطلاب، وهذا يعود طبعاً الى تمسك اللبناني بالحفاظ على جودة ومستوى التعليم لأولاده قبل أي شيء، حتى أنه مستعد أن يحرم نفسه من الطعام واللباس ولكن من دون حرمان أولاده من الحصول على مستوى تعليمي جيد كونه السلاح الوحيد لبناء المستقبل. فلذلك لم نر نزوحاً كثيفاً للطلاب من الخاص الى الرسمي رغم صعوبة الوضع الاقتصادي والضيقة المعيشية، وبالتالي هذا النزوح البسيط الذي حصل كان بمعظمه من المدارس الخاصة المجانية الى المدارس الرسمية”.

تراجع جودة التعليم

“لقد أدى الإنهيار المالي الحاصل في لبنان الى هروب عدد كبير من الاساتذة بعدما أصبحت رواتبهم متدنية جداً،، فهي لا تكفي لتأمين الاحتياجات الأساسية”، يقول جباوي، “وهذا سيؤثر بالطبع على جودة التعليم لأن البديل، في حال توفر، سيعجز عن تقديم المستوى الأكاديمي نفسه. كما وأثّر إغلاق المدارس نتيجة لتفشي الفيروس على الطلاب بشكل غير متكافئ، بما أن ليس لدى جميعهم الفرص والأدوات والإمكانيات اللازمة لمواصلة التعلم أثناء الوباء، إضافة الى غياب الموارد والبنى التحتية اللازمة لاعتماد التعلم على الإنترنت، كأزمة الكهرباء والأنترنت التي عانى منها عدد كبير من الطلاب في لبنان ومنعتهم من المشاركة فيه بشكل متساو”. ويضيف نعمة نعمة، وهو باحث في التربية والفنون: “تعدّلت مناهج التعليم العام في لبنان عدة مرات وآخرها سنة 1997، ولكن المشكلة كانت بعدم تأمين التدريب اللازم للمعلمين لدعم استمراريتهم وتقوية مهاراتهم، فبقي التعليم مرتكزاً على الطرق القديمة ولكن بمناهج جديدة، الأمر الذي خلق زعزعة في قطاع التعليم”.

ويتابع: “قبل جائحة كورونا، وبحسب دراسة أجراها البنك الدولي بالنسبة لمعظم الأطفال البالغين من العمر 10 سنوات في البلدان النامية، نراهم غير قادرين على قراءة قصة بسيطة وفهمها مما يؤدي إلى “فقر التعلم”، وهي عقبة رئيسية أمام تحقيق إمكاناتهم، فالتعليم الجيد، قبل الوصول الى الصف السادس، هو أساسي في رحلته التعليمية وكل مرحلة تعليمية تعتمد في نجاحها على المرحلة التي سبقتها، فكيف لنا أن نتوقع وضع هؤلاء الطلاب بعد إنتشار الوباء والتزام التعل٘م عن بعد؟ معظمهم لم يكتسبوا المهارات القرائية بسبب فشل برامج التعليم على الانترنت، وبالتالي أصبح متوسّط عمر فقر التعلّم 12 عاماً بدلاً من 10 سنوات، وهم يتحضرون بعد سنتين للمرحلة المتوسّطة ومن بعدها الثانوية”.