IMLebanon

دعم المحروقات “يُبخّر” المازوت ويُصيب القطاع الزراعي

كتب خالد أبو شقرا في نداء الوطن:

تتنقّل “نار” المحروقات بين القطاعات “اليابسة” محوّلة إياها إلى “رماد” بـ”لمح البصر”. القطاع الزراعي الأكثر تأثراً بالأزمة بشكل عام، وبانقطاع مادة المازوت بشكل خاص، يلقى أقل اهتمام. وكالعادة تأتي الزارعة في أدنى سلم أولويات المسؤولين، فتبقى “لا معلقة ولا مطلقة”. تَعقُد زهورها الملونة مع بداية كل موسم منتجات كريمة، ثم لا تلبث أن تذبل وتسقط مهترئة على أرض الفرص الضائعة.

انتظر المزارعون في قرى جرود البترون موسم الإجاص بشغف، بعدما سقوه “دولارات طازجة” طيلة الفترة الماضية، فلم يحصدوا إلا الخيبة. فـ”بعد أيام قليلة من بدء موسم القطاف تدنى السعر من 10 دولارات لصندوق زنة 25 كلغ، إلى ما بين 3 و5 دولارات”، يقول رئيس “الجمعية التعاونية لإنماء الزارعة وتصريف الفاكهة في تنورين” رجاء سركيس. “الأمر الذي ألحق بمئات العائلات التي تعتمد على هذه الشجرة لتأمين جزء مهم من مصروف فصل الشتاء خسائر فادحة. إذ أن بيع الكيلو في “ارضه” بحدود 4000 ليرة، بالكاد يكفي لتغطية التكاليف من حراثة وعمالة وتسميد ورشوش، والتنقل من وإلى البساتين التي تقع في مناطق وعرة، ولا ينتج عنه أي أرباح للمزارع”.

توقف البرّادات

ينتج القضاء حالياً بحسب سركيس “ما بين 10 و15 ألف صندوق من الإجاص. جنى المحصول يبدأ في العشرين من تموز في المناطق المتوسطة الإرتفاع، ويستمر حتى منتصف آب في المناطق التي تعلو عن 1500 متر. وكي لا تغرق الأسواق بالمنتج دفعة واحدة وينهار سعره نتيجة زيادة العرض عن الطلب، كان المزارعون يعمدون إلى الإحتفظ به في البرادات، إما لتنزيله إلى السوق على دفعات، وإما لتسفيره إلى الخارج بعد فرزه وتوضيبه، مما كان يحافظ على سعره لأطول فترة ممكنة. أما اليوم فالبرادات متوقفة عن العمل بسبب الإنقطاع شبه الكامل للكهرباء، والنقص الفاضح في المازوت لتشغيلها على المولدات. ففضل أصحابها إطفاءها وترك “همّ” تشغيلها إلى بدء موسم التفاح الذي يعتبر أكبر ويحفظ لوقت أطول ويُعتمد عليه أكثر بين الاهالي والمزارعين. خصوصاً بعدما عمد جزء كبير منهم إلى اسبتدال الإجاص بالتفاح في السنوات الماضية. وعلى هذا الأساس اضطر المزارعون إلى عرض كامل الإنتاج من الإجاص بدلاً من تلفه، الأمر الذي أدى إى انفخاض سعره بشكل كبير جداً.

الحلقة الأضعف

في الوقت الذي يبيع فيه المزارع صندوق الإجاص زنة 25 كلغ بين 60 و100 ألف ليرة، أي بمعدل وسطي 4000 ليرة للكيلوغرام، يتراوح سعر المبيع للمستهلك النهائي بين 15 و20 ألف ليرة بحسب جودة الفاكهة وحجمها، ومكان البيع. فمن يربح بين 11 و16 ألف ليرة أقله في الكيلو الواحد على حساب المواطن؟ يجيب سركيس ان “المزارع يمثل الحلقة الأضعف في الدورة الإنتاجية. فحصته من المنتج تتراوح بين 15 و25 في المئة، وهي لا تتجاوز 30 في المئة في احسن الأحوال، مع العلم أنه يتحمل التعب بالإضافة إلى تكاليف الإنتاج. فيما يتقاضى الوسيط نحو 30 في المئة من سعر المنتج، وتأخذ صالات العرض أي المحلات النسبة المتبقية. وعلى هذا الأساس لا يصل للمزارع حقه من إنتاجه، ويدفع المواطن ثمن السلعة أكثر من قيمتها ويحقق الوسطاء أرقاما خيالية.

المازوت يلهب الخسائر

أزمة المحروقات التي ضربت مزارعي الفاكهة في جرود البترون، تصيب القطاع الزارعي على امتداد الوطن. فبقاعاً “يوجد أكثر من 25 ألف طن من البطاطا في البرادات معرضة للتلف، أو لإخراجها وبيعها بخسارة بسبب العجز عن تشغيل البرادات”، يقول رئيس “تجمع مزارعي وفلاحي البقاع” إبراهيم ترشيشي. فـ”المازوت يوزع على الأزلام والمحازبين والمحظيين والمحتكرين والمهربين… ولا يصل منه شيء إلى القطاعات الإنتاجية. وفي حال توفره فبسعر يفوق 250 و300 ألف ليرة للصفيحة الواحدة. الأمر الذي لا يرفع كلفة الانتاج والتبريد فحسب، إنما يجعلها خيالية، وفوق متناول المزارعين والمستهلكين على حد سواء. وبحسب ترشيشي فان “المزارعين الذين يرون الصهاريج تمر من أمامهم و”عين الدولة ترعاها”، إلى وجهات معروفة، لم يحصلوا منذ 40 يوماً على “نقطة” مازوت لا بالسعر المدعوم، ولا بسعر السوق السوداء. وكأن بواخر المازوت المدعوم من أموال المودعين، هي حكر على بعض المستفيدين للاستمرار في السرقة، وتحاصص ثروة اللبنانيين وحقوقهم. والدليل على ذلك أن الباخرتين اللتين أفرغتا حمولتهما مؤخراً لم يصل منهما شيء إلى القطاعات الإنتاجية. بل أن الشركات ستوزع جزءاً على المستشفيات والأفران، حفاظاً على “ماء الوجه”، لا أكثر، وستحتكر مع الموزعين الباقي لبيعه وفقا للمحسوبيات أو بسعر أعلى من السعر المدعوم. وبرأي ترشيشي فانه “من دون مازوت يلبي حاجة البرادات من الطاقة ستهدر مواسم الإجاص والبطاطا والعنب والتفاح والدراق… وغيرها الكثير من المنتجات، التي كانت تحفظ لفترات طويلة وتنزل إلى الأسواق تدريجياً. وهو ما يعني من جهة ثانية إشباع الأسواق لفترة قصيرة جداً بأكثر من حاجتها من السلع الزارعية، وحرمان المواطنين من الخضار والفواكه بعد موسمها. وبهذه الطريقة نكون “نقتل الحياة الزراعية ونعيق كل محاولات المزارعين للحفاظ على الموجود”.

رفع الدعم فوراً

ترشيشي الذي يعتبر أن من دون مازوت لا يوجد حراثة، وري، وتبريد، ونقل، وتوزيع… طالب بـ”رفع الدعم اليوم قبل الغد عن المحروقات والدواء، كي تتوفر المادتان في الأسواق، مع اعطاء سعر تفضيلي للمازوت على حساب البنزين. كأن تعمد الدولة مثلاً إلى تسعر صفيحة المازوت بـ أقل من سعرها العالمي بـ 2 دولار وإضافة الفرق إلى سعر صفيحة البنزين. ذلك أن الأخير لا يستخدم إلا للتنقلات، فيما يدخل المازوت في صلب الحياة الإقتصادية لكل القطاعات الإنتاجية والخدماتية.

المستقبل المجهول

هذا الواقع الزراعي الذي يترافق مع صعوبات تصديرية بسبب تشغيل شركة BCTC في المرفأ 5 رافعات جسرية من أصل 21 رافعة، يثير قلق المزارعين وخوفهم من الأيام القادمة. فاذا كانت خسائر موسم الإجاص محمولة فان عدم القدرة على تبريد موسم التفاح ستصيب المزارعين بمقتل. إذ أن الكميات المنتجة تفوق باضعاف إنتاج الإجاص وتشكل مصدراً حقيقياً لرزق مئات العائلات. هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى فتبرز مخاوف من افتعال مشكل جديد مع الدول الخليجية، سواء أكان بتصريح غير مسؤول، كما فعل وزير الخارجية السابق شربل وهبة، أو بتهريب المخدرات، كي تعود وتوصد الأبواب أمام المنتجات اللبنانية ويخسر المزارعون جنى عملهم.