IMLebanon

تفجير التليل هل يتكرّر؟

كتب مايز عبيد في “نداء الوطن”:

في وقت لا تزال عكار تلملم جراح تفجير التليل وتحاول العائلات التعرّف الى أبنائها من بين الضحايا والجثث المتفحّمة، ثمة تخوّف كبير من وجود وانتشار خزانات ومستودعات أخرى للمحروقات، بعضها ربما يكون بين المنازل والأماكن والتجمعات السكنية والتي قد يؤدي انفجارها أو تفجيرها إلى كوارث بكل ما للكلمة من معنى.

هل صحيح ما ينشره البعض على وسائل التواصل الاجتماعي، من أن عكار “القابعة بلا كهرباء منذ أيام لفقدان المازوت، عائمة على بحر من الخزانات؟ المقلق في الأمر، أنه إن صحت المعلومات، فقد يتكرر ما حصل في التليل العكارية من تفجير في أي لحظة، ومن يدري، وقد يخلّف ضحايا أكثر مما خلفه تفجير التليل نفسه لا سمح الله، لأن المعالجات في هذا الملف لا تزال دون المستوى المطلوب، لجهة تتبع أثر الخزانات والتخزين ومن يخزّنون. كان لافتاً أثناء المقابلات الصحافية التي أجريت مع شهود عيان وأهالي المنطقة المحيطة بمكان التفجير، ما ذكره اغلبهم عن وجود خزانات أخرى عدة من البنزين والمازوت، في محيطٍ قريب من الخزان الذي تعرّض للتفجير، وأنهم أبلغوا الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية بالأماكن وزوّدوهم بأسماء مالكيها والتفاصيل ليقوم الجيش بمداهمتها ومصادرتها، لكنّ ذلك لم يحصل حتى الساعة. وسمّى الأهالي هناك شخصيات سياسية وحزبية، ورؤساء بلديات وأصحاب محطات ومتمولين، يملكون هذه الخزانات التي تحتوي كميات ضخمة من البنزين والمازوت، المخزّنة للبيع إما عبر التهريب وإما في السوق السوداء، بأسعار خيالية، حيث وصل سعر الغالون الواحد 8 ليترات على الطرقات في عكار، إلى 250 ألف ليرة لبنانية.

ليس هذا فحسب، إذ ثمة كلامٌ كثير ومعلومات أكثر عن عشرات الخزانات والمستودعات في عدة مناطق من عكار، يتناقل الناس الحديث عنها همسا وجهاراً، قد تبدأ من مخزن صغير في أحد المنازل لعدد من غالونات البنزين لتصل إلى حدود مستودع قد يضم آلاف الليترات، وجميعها من دون شك، مخزّنة بطرق لا تراعي شروط السلامة العامة وتعرّض حياة المواطنين وأمنهم الشخصي للخطر في أي لحظة. في هذا الصدد كان الجيش اللبناني قد أعلن قبل أيام للمواطنين ضرورة التبليغ عن المحروقات المخزّنة ووضع أرقام هواتف محددة لهذا الغرض. هذه الخطوة يجب أن تشجّع الناس على التبليغ من دون وجل، لأن حياتها وحياة أبنائها في خطر، ولا يمكن تبرير أي تقاعس في هذا المجال؛ ليبقى على الجيش اللبناني الخطوة التالية وهي الكشف على المستودع وتجريم صاحبه. ما يحصل في عكار من فوضى غير مسبوقة في ملف المحروقات، والظواهر الغريبة التي نشاهدها على الطرقات بانتشار غالونات السوق السوداء على مرأى من الأجهزة الأمنية والناس، تباع بأسعار تخطّت حدود المعقول، في وقت جفت فيه المحطات من وقودها وأقفلت أبوابها، وتعطلت الإتصالات وتوقفت الأفران، وانقطعت الكهرباء، وتوقفت السيارات عن السير بسبب انقطاع مادتي البنزين والمازوت. كلها ظواهر تدفع الكثيرين إلى التساؤل: هل كل ما يحصل هو من قبيل الصدفة؟ ومن يدير كل هذه الفوضى أو يرعاها، بدءاً من الغالون الصغير وحتى أكبر مخزن؟

كل هذه المعطيات التي ذكرها الأهالي لنا وللعديد من وسائل الإعلام، والتي تحفل بها وسائل التواصل الاجتماعي، يجب ألّا يتم المرور عليها مرور الكرام وكأنّ شيئًا لم يكن. تخوف الناس مشروع، والقوى الأمنية يجب أن تشكّل ملاذ الأمان للمواطنين، وعليها في هذا السياق متابعة ما يصلها من معلومات وتبيان الحقيقة من عدمها. إذ لا الظلم هنا مقبول في حال ظهر أن المعلومات بهذا الخصوص تفتقر إلى الدقة، ولا حتى السكوت والتطنيش مسموح لأن أرواح الناس قد تكون في خطر. المطلوب تحركٌ سريع لكشف كل الملابسات وقبل أن نقول “ليت الذي جرى ما كان”.