IMLebanon

شبح الإقفال يُخيّم على بيوت الرعاية

كتبت زينة عبود في نداء الوطن:

بين مدّ انقطاع المحروقات وجزر شحّ الأدوية والمستلزمات الطبية، لم تبق شريحة في المجتمع عصيّة على رياح الأزمات الكارثية التي عصفت بلبنان وضربت كل قطاعاته الإنتاجية والإستشفائية والحيوية وأطاحت بكل شبكات الأمان الإجتماعية.ها هم كبار السنّ يلتمّسون من داخل جدران دور الرعاية الصحية والاجتماعية نار جهنّم التي تحرق بلهيبها الأخضر واليابس.

لم تعد للشباب ولا للمسنّين ولا لمن هم في سنيّ العطاء المفترض، القدرة على الصمود على الرغم من محاولاتهم المتواصلة التأقلم مع ظروف حياتية لم يسبق أن واجهوا مثلها حتى في أيام الحرب.. في تلك الحقبة لم تكن الأمور على خير ما يرام، صحيح، لكن كان ثمة ضوء في نهاية النفق المظلم ولو بدا بعيداً، أما اليوم فالعتمة تخيّم داخل النفق كما خارجه.

في منطقة فرن الشباك، دار الرعاية الماروني المعروف بمأوى العجزة مهدّدٌ بالإقفال، إذا لم يضع أصحاب الأيدي البيض بصماتهم الخيّرة لاستمرارية هذه الدار في إيواء ما لا يقلّ عن خمسة وثمانين مسنّاً.

قبل أزمة انهيار العملة الوطنية كانت تحظى دور المسنّين بتمويل خارجي من سفارات وقنصليات بلدان عدّة أبرزها فرنسا وايطاليا، إضافة الى المبالغ التي يرسلها اللبنانيون المنتشرون في بلدان الاغتراب وبعض اللبنانيين المقتدرين في الداخل، أما اليوم ومع الانهيار الاقتصادي الحاصل فقد غابت مصادر التمويل بصورة شبه كاملة.

دور المسنّين تئنّ ومناشدة للتبرّع

من هنا يطلق المدير التنفيذي في دار الرعاية الماروني مالك مارون عبر “نداء الوطن” الصرخة ويرفع الصوت “لم تعد لدينا القدرة على الصمود والاستمرارية”، مناشداً كل من لديه الإمكانية المادية على دعم الدار في هذه المرحلة الصعبة جداً الى مدّ يد العون الى كبار السنّ، وعدم التردّد في اعتبارهم بمثابة أهلهم.

وعن ميزانية دار الرعاية الماروني يقول مارون: “إن الدار تحتاج إلى أربعمئة وخمسين ليتراً من مادة المازوت يومياً لتشغيل البرادات والمكيّفات والمصاعد الكهربائية، لأن معظم المسنّين لديهم صعوبة كبرى في صعود السلالم كما انه لا يمكن إطفاء المكيّفات والحرارة في منطقة فرن الشباك بحدود خمس وثلاثين درجة. وعلى غرار باقي المؤسسات والأفراد هناك صعوبة كبرى اليوم بالحصول على المازوت لا من السوق البيضاء ولا من السوق السوداء، ما اضطرّه الى استخدام المخزون الذي كان يحاول توفيره لفصل الشتاء.

على من يتكئون؟

ومع التكاليف المتزايدة للسلع الأساسية اليومية لجأت إدارة الدار الى الطلب من عائلات المسنّين دفع ثلاثة ملايين ليرة بدل مصاريف للمسنّ، لأن كلفة الشخص الواحد باليوم باتت تقدّر بمئة الف ليرة على الأقل، مع العلم أن معظم الأسر غير قادرة على تكبّد هذه التكاليف وقلّة قليلة التزمت بدفع هذا المبلغ، فيما الباقي يدفع كلٌ بحسب قدرته؛ هناك من يدفع مليون ليرة وآخرون يدفعون خمسمئة أو ثلاثمئة الف ليرة، بينما هناك من لا قدرة لديه على دفع قرش واحد.

وفي ضوء غياب التمويل، يذكر مارون بعض المبادرات الفردية المحدودة جداً من خارج لبنان تبقى غير كافية كونها غير ثابتة، ويشير الى ان في الدار أربعين مسنّاً على نفقة وزارة الشؤون الاجتماعية التي تدفع للمسنّ الواحد 17500 ليرة في اليوم، وثلاثين آخرين على نفقة وزارة الصحة التي تدفع 26350 ليرة للمسنّ باليوم، إضافة الى خمسة عشر مسنّاً على نفقتهم الخاصة. وعلى الرغم من “رمزية” المبالغ المذكورة الا ان التسديد من قبل الوزارتين يحصل متأخراً جداً.

ضيوف دار الرعاية الماروني من الفئة العمرية 64 عاماً وما فوق وهي الفئة الأكثر استخداماً وحاجة للأدوية فهل علاجاتهم مؤمّنة؟

مخزون الدار من الأدوية شارف على النفاد، يقول مارون الذي يشكو من عدم وجود معظم الأدوية التي يحتاجها المسنّون من أدوية ضغط، سكّري، كوليستيرول وغيرها لذلك قدّمت الإدارة قائمة بالأدوية المفقودة الى وزارة الصحة علّها تتمكّن من تأمينها.

لقاحات “الصحة”

الوزارة لا تبخل على المسنّين بأي دواء أو لقاح موجود في مخازنها وقد سبق أن ساهمت عبر دائرة الرعاية الصحية الأولية التابعة لها، بتأمين لقاحات الانفلونزا واللقاحات الروتينية الموجودة من ضمن البرنامج الوطني للتحصين، وفق ما أكدت رئيسة الدائرة رندة حمادة لـ”نداء الوطن”، كما زوّدت الجمعيات والدور التي ترعى المسنّين في بداية جائحة كورونا بلقاح المقورات الكروية المقترن pcv13 الذي يحمي من الأمراض الصدرية، وبالتالي يؤمّن لهم الحماية اللازمة من وباء كورونا في حال إصابتهم قبل تلقيهم لقاح كوفيد 19. وفور وصول الدفعات الأولى من اللقاحات خصّصت وزارة الصحة دور الرعاية الصحية ونظّمت حملات تلقيح للمسنّين، كونهم من الفئة العمرية الأكثر استهدافاً وفق الخطة الوطنية للتلقيح فبلغت النسبة الملقّحة في تلك الدور تسعين بالمئة.

وفي هذا المجال، تُذكر مساهمات وجهود جمعية الشبان المسيحية التي لا تدّخر وسيلة لتأمين الأدوية المفقودة من الخارج للبنانيين، ولا سيما لكبار السنّ، بناء على اللوائح المقدّمة من جمعيات ودور الرعاية الصحية.

وعلى مشارف الدخول في الموجة الرابعة من جائحة كوفيد، طلبت إدارة دار الرعاية الماروني من وزارة الصحة تنظيم حملة جديدة لاستكمال عملية تلقيح عدد قليل من المسنّين، الذين لم يكونوا جاهزين للتطعيم في البداية لأسباب خاصة.

أما عن الإجراءات المتخذة، فيشير مارون الى ان الإدارة تلزم زوّار المسنّين بوضع الكمامات خلال الزيارات المحدّدة بمرة واحدة في الأسبوع، مع الاستمرار في عمليات التعقيم الدوري للغرف وكل الأغراض قبل إدخالها الى الدار، مؤكداً انه إذا تفشّى الوباء في المرحلة المقبلة كما هو متوقّع فإن الإدارة ستعود الى التشدّد في الإجراءات كما حصل سابقاً، بحيث تمنع اللقاءات المباشرة وتقتصر الزيارات على اطمئنان الأهل على أوليائهم من على شرفات المبنى.

رفع موازنة الـ2022

سيف الانهيار الشامل الذي بلغ ذروته في الفترة الأخيرة لن يُسمح له بأن يتهدّد كبار السنّ في لبنان، فوزارة الشؤون الاجتماعية تضع في سلّم أولوياتها واهتماماتها هذه الفئة من المجتمع، ولهذه الغاية أطلقت استراتيجية حماية كبار السن مع خطة عمل يتوقع المدير العام للوزارة القاضي عبدالله أحمد أن تحظى بتمويل جهات أجنبية في القريب العاجل، وفق ما أكد لـ”نداء الوطن” بالاستناد الى آخر مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، حيث جرى البحث في دعم كبار السنّ وذوي الاحتياجات الخاصة في ظل غياب نظام الشيخوخة في لبنان. كما ان الوزارة تعدّ نظام حماية اجتماعية استراتيجية بلغ مراحل متقدمة، ويهدف الى الأخذ بالاعتبار أوضاع كبار السن بما يضمن حمايتهم ورعايتهم بشكل لائق.

الموازنة المرصودة لدور المسنّين في وزارة الشؤون الإجتماعية تقدّر اليوم بنحو ثلاثة عشر مليار ليرة، موازنة رمزية جداً أمام واقع الغلاء الشامل تخضع للدرس من قبل الوزارة ووزارة المالية بهدف تضمينها في العام 2022 اعتمادات، لتأمين دعم أكبر للجمعيات التي تقدّم خدمات لكبار السن والمعوقين بشكل خاص بما لا يقلّ عن مئة مليار ليرة، بحسب المدير العام لوزارة الشؤون الذي يؤكّد أن مصادر التمويل لتلك الجمعيات باتت تقتصر اليوم على الوزارة، ما يحتّم إعادة النظر بكلفة الرعاية الصحية لافتاً الى ان من المؤشرات السلبية في البلد، ازدياد فئة كبار السنّ التي بلغت حوالى 13 بالمئة من هرمية المجتمع ما يستدعي وضع خطة طويلة الأمد لتأمين الرعاية اللازمة، في ظل غياب نظام الشيخوخة لا سيما ان غالبية هؤلاء الأشخاص ليس لديهم من يرعاهم أو يعيلهم.

تجدر الإشارة الى أن الدور والجمعيات التي ترعى كبار السنّ في لبنان مقسّمة الى ثلاثة تصنيفات منها ما هو تابع لوزارة الشؤون وعدده اربعة مراكز متخصصة تقدّم رعاية صحية أولية مجانية ودعما نفسياً اجتماعياً، وأي مساعدة ذات طابع اجتماعي يحتاجها المسنّون. إضافة الى مؤسسات الرعاية النهارية والليلية التي ترعى ما يزيد عن الفي مسنّ، ونوادٍ نهارية أو ليلية تقدم خدمات متخصصة لكبار السن.

مراكز ونوادٍ

مراكز الخدمات الإنمائية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية التي ترعى كبار السنّ هي مركز عرمون التخصصي، مركز راشيا التخصصي، مركز حاصبيا التخصصي، ومركز المنصورية التخصصي.

مؤسسات رعاية المسنين المتعاقدة مع وزارة الشؤون في محافظة بيروت دار رعاية واحدة تأوي اربعة عشر مسناً، في محافظة جبل لبنان اربع عشرة دار ترعى ستمائة وسبعة وثمانين مسناً، في الشمال ثماني مؤسسات تهتم برعاية مئتين وسبعين كبير سنّ، في محافظة عكار مؤسستان تأويان خمسة وستين مسناً، وفي محافظة البقاع جمعيتان ترعيان خمسة وخمسين مسناً، في محافظة بعلبك الهرمل مؤسسة واحدة تأوي خمسة وعشرين كبير سنّ، في محافظة الجنوب ثلاث دور رعاية تهتمّ بمئة وثلاثة وخمسين مسناً، وفي محافظة النبطية جمعية واحدة ترعى خمسين مسناً. أما بالنسبة الى نوادي المسنين المتعاقدة مع الوزارة فعددها خمسة عشر نادياً بين نهاري وليلي، موزّعة على الشكل الآتي: جمعية واحدة في محافظة بيروت، سبع مراكز في محافظة جبل لبنان، ناديان في محافظة لبنان الجنوبي، أربع جمعيات في محافظة النبطية، وجمعية واحدة في محافظة البقاع. قيمة المساهمة لوزارة الشؤون في هذه النوادي تتراوح من واحد وثلاثين مليون ليرة الى مئة وستة وخمسين مليون ليرة لبنانية.