IMLebanon

أزمة البنزين في زحلة تشل القطاعات الاستشفائية والإنسانية

كتبت لوسي بارسخيان في نداء الوطن:

أبعد من الصدامات التي يتسبّب بها الإزدحام اليومي أمام محطات الوقود في مدينة زحلة والبقاع عموماً، فإن فوضى البنزين وتوزيعه في مدينة زحلة آخذة بالإستفحال، لتطال بتداعياتها قطاعات ومبادرات إنسانية شكّلت خلال الفترة الماضية جرعة الامل لعائلات كثيرة ممّن أغرقها ضياع القيمة الشرائية للعملة الوطنية تحت خط الفقر.

صدمتان أساسيتان خرجتا الى العلن خلال اليومين الماضيين، نتيجة لتداعيات هذه الفوضى السائدة في محيط محطات البنزين في زحلة، حيث ان شح المادة وعدم سهولة توفيرها للمواطنين، يدفع بهم الى التهافت أمام محطاتها، ويتناتشون الأدوار في صفوفها الامامية، حتى لو إضطرهم ذلك لأن يبيتوا الليالي على الطرقات، بعضهم لأنه فعلاً يحتاج لمادة البنزين، وبعضهم الآخر سعياً وراء ربح سريع لبيع مخزونه في السوق السوداء.

والنتيجة أن أطقماً طبية في مدينة زحلة لم تعد قادرة على التوجه الى المستشفيات، ومساعدات غذائية لا تصل الى محتاجيها.

الصدمة الأولى فجّرها الدكتور جلال عبده، وهو الطبيب الذي شاع اسمه تحديداً في معالجة مرضى “كورونا” بمستشفى الياس الهراوي الحكومي. وللمناسبة، فإن قسم “كورونا” بالمستشفى متوقف كلياً حالياً، ليس بسبب إمتناع الدكتور عبده عن الإلتحاق به فقط، إنما ايضاً لكونه يفتقد الى الأدوية والى الممرّضين والممرّضات.

فقد أعلن الدكتور عبده عبر صفحته على “فايسبوك” تعليق متابعته الأعمال الطبية في المستشفيات حتى إشعار آخر، وحصر حضوره في العيادة بسبب عدم التمكّن من تأمين مادة البنزين للإنتقال.

والدكتور عبده ليس وحده. وإنما صدر بيان عن مجموعة أطباء في زحلة ونطاقها، يطلب من بلدية زحلة ورؤساء الفروع الأمنية في البقاع، إعطاء الأولوية للأطباء والأطقم الطبية من خلال تخصيص إحدى المحطات للحصول على مادة البنزين بالسعر الرسمي، وذلك من أجل الحؤول دون تفاقم الوضع الطبي المأسوي وتسهيل تأديتهم لواجبهم كاملاً.

الطلب بدا صعب التحقق، خصوصاً أن المحطات لا تفتح ابوابها إلا في ساعات توفر الطاقة الكهربائية القليلة نهاراً، وهو ما يتسبب بزحمة سير خانقة على مداخلها يصعب شقّها حتى من قبل من حصلوا على التسهيلات. وبالإنتظار، على أي زحلي أو بقاعي أن يحرص على الا يمرض في المرحلة الحالية، لأنه إذا احتاج لأي تدخل طبي طارئ لن يجد لا ممرضين ولا أطباء، في المستشفيات، هذا إذا تأمّنت له مادة البنزين للوصول الى المستشفى. وهذه الصدمة الإنسانية ليست يتيمة، بل إنضمت إليها منذ أيام أيضاً صرخة الناشطين في حملة لتوزيع ألفي طبق مجاني أسبوعياً على 300 عائلة من الأكثر فقراً في مدينة زحلة. هذه الحملة أطلقها مغترب زحلي عبر مطعمه فقرا كايترينغ، إعتمدت منذ بداية الأزمة على جهود ناشطات ونشطاء من جمعيات إنسانية مختلفة في مدينة زحلة، يكرّسون وقتهم لإيصال أطباق تكفي أيام الأسبوع مرتين أسبوعياً، بعد ان تصلهم كميات الأطباق بسيارة مبرّدة برعاية بلدية زحلة. منذ بدء أزمة البنزين تمكّن المعنيون في الجمعيات المتضافرة من تأمين الوقود الى المتطوعين من دون ان ينتظروا في الطوابير، خصوصاً انهم يبذلون ما يكفي من الوقت والجهد لإيصال الطعام الى الاحياء. ولكن مع إشتداد الخناق على محطات الوقود في الفترة الاخيرة بدا الأمر مستحيلاً، وقد امتنعت حتى المحطات التي وفرت لهم المادة سابقاً عن تأمينها حالياً.

وعليه، توقّف توزيع الطعام منذ اسبوعين، مخلّفاً حالاً من الإرباك ليس فقط بصفوف المتطوعين بالحملة التي لا تزال تتضمن توزيع 20 ألف طبق للأسابيع المقبلة، وإنما أيضاً بصفوف المستفيدين من هذه الاطباق، وبعضهم كما يقول عصام الفحل ممثل إحدى الجمعيات المشاركة في الحملة، لا يستطيعون تناول أدويتهم بسبب عدم تناولهم الطعام.

المطلوب وفقاً لرئيسة جمعية بيت عذراء الفقراء كريستيان عيسى نحاس المزيد من التضامن الإجتماعي من محطات الوقود لضمان إنتقال المتطوعين بطرق سهلة، علما أن لدى هؤلاء ملء الحماس حتى لإيصال الطعام سيراً على الاقدام لو استطاعوا، إلا أنه دون ذلك عقبات تتعلق أولا بسلامة الغذاء، والحرص على وصوله في أوانه للمستفيدين.

ما يدفع للأسف، سواء في العاملين بالقطاع الصحي أو الإنساني وفقاً للمعنيين، أن أحداً من المحطات لم يبد مبادرة تضامن إجتماعي تخفّف من حدة الأزمة على الجميع، فيما القوى الأمنية تتذرّع بضعف إمكانياتها في نشر عديدها الضئيل للحفاظ على حدّ أدنى من النظام المطلوب بمحيط المحطات، لضمان حصول أكبر عدد من المواطنين على المادة.

لا يختلف ما يخصّ في زحلة عما هو سائد في محيط جميع المحطات في لبنان. وإنما الأزمة يضخّمها تقنين الكهرباء المستجد في المدينة، بحيث بات الناس ينتظرون الكهرباء على ابواب المحطات.

وما يزيد من هذه الفوضى أيضاً، تعرّض عدد من المحطات لإعتداءات ومحاولات بلطجة للإنقضاض على مخزونها بطرق مختلفة، الأمر الذي قدّم الذرائع الكافية لأصحاب المحطات حتى يقفلوا أبوابها كلياً ويمتنعوا عن تسلّم أو تسليم المادة.

هذا في وقت لم يحقّق إعلان شركة “توتال” تفريغ حمولتها من المادة أي إنفراج في البقاع، بعدما قرّرت الشركة حرمان محافظة بأسرها من حصتها بحجة تعرض صهاريجها للإعتداءات، الأمر الذي تلقّفه البقاعيون كضربة كف رفضوا تصديقها، وإستمروا بالتجمهر أمام محطات الشركة حتى لو أعلنت خلوها من المادة، متسائلين بأي ناموس يعاقب أهل محافظة كاملة جرّاء بضعة تعدّيات يمكن ضبطها أمنياً؟