IMLebanon

في زمن الأزمات والتقشّف: “ما تكبّها… منصلّحها”

كتب رمال جوني في نداء الوطن:

“ما تكبّها … منصلّحها”، هو شعار ينطلق منه أبو بندر الذي بدأ حديثاً مهمّة تصليح لمبات الـ LED، التي كانت تُرمى في زمن البحبوحة ودخلت الى فرن التصليح في زمن القلّة، وبات تصليحها لا يكلف 10 آلاف ليرة مقارنة مع ثمنها الباهظ الذي تجاوز الـ 80 الف ليرة.

ما الذي دفع أبو بندر السبعيني للعمل في مهنة تصليح اللمبات؟ سؤال يقابله بابتسامة “انا لا اعمل بها لقاء بدل مالي، بل خدمة للناس”. يعشق الرجل مهنته الوافدة من زمن الازمات، يراها الخلاص له من الزهق والملل، وفي الوقت عينه لمساعدة الفقراء. لم تكن المهنة على باله، فهو بعيد عنها اميالاً، الا أنه شغف بها بعدما تعرّف على اسرارها السهلة والمعقّدة في آن، فقرّر خوض غمار تجربة من واقع انساني، وإن كانت بالنسبة له “هواية الازمة”.

قبل ثمانية أشهر، دخل أبو بندر عالم تصليح لمبات الـ LED، الفكرة لم تكن واردة في حساباته كما كثر، غير انه شاهد مقطع فيديو عبر “اليوتيوب” حول كيفية تصليح هذه اللمبات، ومنذ ذلك الوقت بدأ مهنته الجديدة. مهنة طارئة على حياة الناس انجبتها الازمات الإقتصادية، اذ بات صعباً على المواطن شراء اللمبة بـ100 الف ليرة، في حين لا تتجاوز كلفة تصليحها الـ10 آلاف ليرة، كلفة زهيدة مقارنة مع سعرها الحالي.

عدد لا بأس به من ابناء النبطية بدأوا يزاولون هذه المهنة على قاعدة “قرقشة ولا الجوع”، يأتون باللمبات المرمية في مكبات النفايات ويعيدون تصليحها معتمدين تقنية بسيطة جداً لقاء بدل زهيد. غير أن أبو بندر يزاول المهنة للتسلية ويعيد تصليح اللمبات مجاناً، كنوع من مدّ يد العون للناس في هذه الظروف الصعبة. داخل منزله في بلدة كفررمان خصّص أبو بندر الرجل الستيني غرفة خاصة لهوايته الجديدة، داخلها كومة كبيرة من اللمبات التي تنتظر خصوعها للفحص لاثبات أهليتها للعودة الى العمل.

وِفقه، فـ”إن تصليحها في غاية الدقة بالرغم من سهولته، وهو يتوقف عند أمرين: إما احتراق بعض العينات داخلها، وهذا أمر سهل يحتاج اصلاحه لبضع نقاط من القصدير، او تغيير الترانس، وهو مُكلف نوعاً ما”، وفي كلا الحالتين فإن أبو بندر “قدّها وقدود” ، تمرّس في المهنة، وبات يعرف خباياها وأسرارها. دفعت الأزمة المعيشية وجفاف السيولة في جيوب الناس للبحث عن منابع أخرى رخيصة، وطبعاً، احتراق اللمبة يمثل كارثة لربّ الاسرة، فهي توازي بثمنها ثمن معاش الموظف والعامل، هذه المعاناة اليومية، دفعت بأبو بندر ليطلق العنان لمهنته المستجدّة لتكون عوناً للناس “إذا قادر ساعد رح ساعد، الناس وضعها عالقدّ، فأقدّم تصليحة اللبمة بالمجّان”.

لا يريد التجارة بمهنته التي يراها “تسلية في النهارات الطويلة”، ولكنه في الوقت نفسه يتقاضى “من الجمل ادنو” كما يقول، “هي خدمة أكثر مما هي مهنة، بالرغم من أن كلفة القصدير المستعمل ارتفع من 10 آلاف الى 90 الفاً، ومع ذلك أمارس عملي بشغف، لأنني وجدت فيه نوعاً من التحدي، ان تعيد شيئا معطّلا ومرمياً للعمل”. برأيه، “المهنة على سهولتها تحتاج دقة وتركيزاً، سيما مع عطل الدينامو الذي يتطلّب اما تغييراً وإما اعادة اصلاح أعطاله اذا أمكن”. عدّة بسيطة يعتمدها أبو بندر في عمله: كاوي، قصدير، عدّة مفكّات و”شوية تركيز” كما يقول، “لانها تحتاج معرفة مكمن العطل، اذ لا يجوز ان نعيد اصلاح النقطة الجيدة”.

بنظره، “اللمبة الخربانة كحال البلد تحتاج صيانة فورية قبل تلفها، وهي مثابة عقدة صغيرة حلّها بالكاوي ونقطة قصدير”، ما يعني من جهته “ان كلّ ما يحيطنا قابل للاصلاح شرط التركيز على نقطة العطل لاصلاحه، وليس البحث خارج العطل”. مكّنته المهنة من التدرّب على الصمت والحديث مع لمباته التي عادة ما يجلبها له ابناؤه لإصلاحها، وأحيانا الجيران، لم يوسّع بيكار عمله بالرغم من انه يرغب في اصلاح كل لمبة “منزوعة”، فهي توفر على الناس في هذا الظرف العصيب. يفرح حين يرسم ابتسامة على وجه احدهم، “صلّحت اللمبة”، كلمة كفيلة بزرع ابتسامة على ثغر ربّ الاسرة الذي يشقى طيلة نهاره لقاء 30 الف ليرة لا تؤهّله لشراء واحدة جديدة.

يفضّل كثر اصلاح اللمبات على رميها، فعادة الرمي باتت من الماضي، حين كان الناس في حالة ميسورة، والاسعار مقبولة نوعاً ما، اما في زمن التقشف، فإن التقنين في كل شيء أمر مطلوب.