IMLebanon

خلاف “أولويات وأجندات” بين الطوائف اللبنانية

جاء في الأنباء الكويتية:

الكل متفقون في لبنان حاليا على أن الأزمة ليست أزمة حكومة وإنما أزمة حكم ونظام، وهذا ما يفسر الإخفاق المتمادي في تشكيل الحكومة منذ سنة، والذي يجري تغليفه بخلاف على الحقائب والأسماء، فيما السبب أعمق وأبعد من ذلك.

ولكن «الاتفاق» على توصيف الأزمة وتشخيص المرض لا يكمله اتفاق على العلاج ووصف الدواء، وإنما تبرز خلافات وتباينات في وجهات النظر والتطلعات والمشاريع والأولويات، وهذا ما ترجمته وعكسته بوضوح المواقف والتطورات في الأسابيع والأيام الماضية، وعلى هذا النحو:

1 ـ المشكلة عند الشيعة، وكما حددها الرئيس نبيه بري في خطابه الأخير (ذكرى تغييب الإمام الصدر)، هي مشكلة النظام الطائفي، والحل يكمن في قيام دولة مدنية وإلغاء الطائفية السياسية وانتخاب مجلس نواب من خارج القيد الطائفي وعلى أساس «النسبية» ولبنان دائرة انتخابية واحدة وإنشاء مجلس شيوخ.

أما بالنسبة لحزب الله، فإن المشكلة لها جانبان: الجانب الإقليمي المتمثل في عدم انخراط لبنان الرسمي في محور المقاومة والممانعة، وفي استراتيجية «التوجه شرقا».. والجانب الداخلي المتمثل في عدم التناسب بين حجم الحزب والطائفة على أرض الواقع والحجم المحدد لها بموجب نظام الطائف.

2 ـ المشكلة عند السُنة، وكما تظهرها بيانات ومواقف رؤساء الحكومات ودار الفتوى، هي مشكلة محاولة الانقلاب على «الطائف» عبر استحداث وتكريس أعراف جديدة تهدف إلى النيل من موقع رئاسة الحكومة، دورا وصلاحيات، وتعمل على إضعافها وتهميشها كي تصبح الحلقة الأضعف في الرئاسات.. وهذا الشعور أو الهاجس الذي يساور القيادات السنية ترسخ أخيرا في معركة تشكيل الحكومة التي يتصرف فيها رئيس الجمهورية كـ«شريك مضارب»، ومن خلفية أن الاتفاق معه على الحكومة ممر إجباري، وأن في يده التوقيع والمفتاح.. كما أنه «انفجر» في ملف التحقيق في ملف انفجار مرفأ بيروت عندما أصدر المحقق العدلي ادعاء على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب ومذكرة إحضار بحقه دون سائر الرؤساء والمسؤولين الحاليين.

الانتقال عند تيار المستقبل من «لبنان أولا» إلى «الطائفة أولا».. «المغالاة» في الدفاع عن رئاسة الحكومة وإثارة مسألة الصلاحيات والشكوى من تعديات وتجاوزات حاصلة بحقها.. كل هذه الأجواء وإعادة ترتيب الأولويات لم تمر من دون انتقادات على الساحة المسيحية لاسيما التيار الوطني الحر، خصوصا من قوى كانت حليفة لـ «المستقبل» وأساسية في تحالف «14 آذار» تأخذ على القيادات السنية أخذ الصراع إلى مكان آخر وتسليط الضوء على صراع جانبي «مسيحي ـ سُني»، بما يؤدي إلى تحويل الأنظار عن الصراع الأساسي حول السيادة وسلطة الدولة ومحوره حزب الله، والى تعزيز الخطاب الطائفي وتقوية «حجة» الرئيس ميشال عون وفريقه.

3 ـ المشكلة بالنسبة للمسيحيين ليست أقل من «أزمة نظام» وترتقي إلى مستوى «أزمة وجودية». وهذا يعبر عنه منذ سنة الخطاب السياسي المتدرج صعودا للبطريرك بشارة الراعي، والذي وصل مع بيان مجلس المطارنة قبل يومين إلى نقطة متقدمة عندما تحدث «عن لبنان الحرية والسيادة والاستقلال الذي بات على مشارف الزوال، وثمة قوى إقليمية ومحلية تابعة لها وراء ذلك»، داعيا «الشعب اللبناني إلى التصدي لها بما أوتي من قوة ومهما بلغت التضحيات، لأن القضية اليوم إنما هي قضية حياة أو موت».

ولأن المعركة معركة وجود وبقاء والأزمة باتت أكبر من لبنان ولها امتدادات وأبعاد إقليمية، تطرح بكركي حلا دوليا يقوم على فكرة المؤتمر الدولي وإعلان حياد لبنان وتطبيق كل القرارات الدولية ذات الصلة به.

وهذا الطرح يلقى تجاوبا وتحول إلى مركز حدث واستقطاب على الساحة المسيحية التي أصابتها تحولات ملموسة بدأت بعد انتفاضة 17 تشرين وتعمقت بعد انفجار مرفأ بيروت، وفاقمتها الأزمة الاقتصادية والمالية التي ضربت القطاعات والمؤسسات ذات الثقل أو الوجه المسيحي.

وبالإجمال، فإن الدوائر والأوساط المسيحية الفكرية والنخبوية التي تشهد في موازاة ارتفاع درجة القلق على الدور والوجود والمستقبل، تشهد حركة نقاش داخلي بعيدا عن الإعلام والأضواء في شأن مستقبل لبنان والمسيحيين فيه.

وهذه الحركة التي تعكس تنوعا وغنى في الأفكار تدور حول ثلاثة محاور وتوجهات:

1 – الفئة التي مازالت مقتنعة بـ «دستور الطائف» وتراه المسار الأنسب والمتناسب مع وضع المسيحيين وميزان القوى الداخلي، وأن أي توجه إلى تغييره والبحث عن صيغة أخرى سيكون محفوفا بالمخاطر وغير مضمون النتائج.. وهذه الفئة التي قل عددها تطرح تنفيذا كاملا وصحيحا لاتفاق الطائف، ومعالجة ما اعترى تطبيقه من شوائب ونواقص.

2 ـ الفئة التي تعتبر أن الأحداث والأزمات تجاوزت اتفاق الطائف الذي خدم عسكريته ولم ينتج أوضاعا داخلية مستقرة وإنما أنتج أزمات متناسلة، وأن التجارب والمتغيرات أثبتت بحاجة إلى حلول ومعالجات جريئة وجديدة مثل الفيدرالية أو أقله اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة.

3 ـ الفئة التي تستظل طروحات بكركي وترى فيها مشروعا في حجم الأزمة التي تحتاج إلى تدخلات وضمانات دولية كما حصل مطلع التسعينيات «الطائف» وفي أواسط العقد الماضي 2004 ـ 2008).