IMLebanon

العونيون: الحريرية انتهت وحان إسقاط البرلمان.. نظام رئاسي ممانع؟

كتب منير الربيع في “المدن”:

تتسارع التطورات في لبنان. بانتظار وصول النفط الإيراني، يزور وفد وزاري لبناني رسمي سوريا، بحث مع نظامها في استيراد الغاز والكهرباء عبر الأراضي السورية. خطوة كهذه لم تكن لتحدث بلا غطاء أميرك. فبعض الوزراء لم يقدموا عليها إلا بعد التشاور مع السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا. والزيارة تمّهد لزيارات أخرى في حال التوصل إلى صيغة لتوقيع اتفاقيات. وحينها قد يتوجه رئيس الجمهورية ميشال عون بزيارة إلى دمشق للقاء بشار الأسد.

نظام رئاسي ممانع؟

ووسط هذه التطورات يستمر السجال والتكهنات حول مصير الحكومة. وهي أصحبت تفصيلاً في المعضلات السياسية العميقة الداهمة، وفي ظل تجديد التيار العوني تلويحه بالاستقالة من المجلس النيابي.

وهناك من يفضّل عدم تشكيل الحكومة. صحيح أن الناس يحتاجون إلى أي خشبة خلاص قد تمثلها حكومة جديدة، كفرصة للاستراحة من عمليات جلدهم المستمرة، من دون أن تكون فرصة لحلّ الأزمة. والدليل أن لا أحد يناقش البرنامج الواضح لتلك الحكومة، وماهية خطّتها الإصلاحية.

ومنطق التشكيل محكوم بمعادلة ذهبية للسلطة: إعادة تأهيلها. ما يعني أن القوى المتنازعة نجحت في الوصول إلى تسوية مرحلية وموقتة، في الطريق إلى لحظة التغيير الاستراتيجي: التوجه نحو قلب النظام اللبناني لتحويله من برلماني قائم على توازنات طائفية ومذهبية سياسية، مكرسة منذ كان لبنان، إلى نظام قريب من صيغة النظام الرئاسي، فيفتقد أكثر إلى الديمقراطية لصالح توازن القوى الجديد.

وفي هذا تغيير لهوية لبنان التاريخية: دوره الوسيط، والمندمج في النظام الاقتصادي العالمي، وصلة الوصل بين الشرق والغرب. هذه الوظيفة ستتغير لصالح تعزيز هوية لبنان السياسية الممانعاتية، واستتباعه لإيران. وعوضاً عن أن يكون قناة ارتباط بالرأسمال العالمي، يتحول لبنان إلى وظيفة سياسية وأمنية وعسكرية صرفة، وفي خدمة محور الممانعة.

الحزب القائد

هنا يكمن جوهر القصة: تحويل لبنان من بلد وكيان سياسي ومجتمع ودولة، إلى وظيفة سياسية خارجية. ولإنجاز ذلك داخلياً، يتوجب الانتقال من صيغة التوازن السياسي – الطبقي – الطائفي، الذي يجمع قوى سياسية تقليدية مع القطاع المصرفي والرأسمال العابر للطوائف ضمن النظام البرلماني المتوازن، إلى نظام جديد. والنظام هذا مثاله ما يمارسه رئيس الجمهورية ميشال عون في “تحالفه” مع حزب الله. ولديه مجلس عسكري حاكم يمثله المجلس الأعلى للدفاع.

أما تشكيل الحكومة والذهاب إلى انتخابات نيابية – إذا حصلا – فسيكون ذلك مرحلة انتقالية لإنضاج الحلّ المنشود: إضعاف التوازن القديم وتقويضه نهائياً لصالح حزب الله، ومن يواليه ويقف إلى جانبه، بصرف النظر عن لعبة الأرقام وتراجع التيار العوني مسيحياً وانتخابياً، على سبيل المثال لا الحصر.

ففي العام 2005 مثلاً، شكل نجيب ميقاتي حكومة انتخابات أفرزت فوزاً كاسحاً للقوى المناهضة لسوريا. لكن هذه القوى لم تنجح في الحكم، ولم تستطع تبني برامج سياسية واقتصادية واضحة. وما يجري اليوم يكرر ما حصل في السابق، ولكن بنتائج معكوسة: الطرف المنتصر هو حزب الله وحلفاؤه المؤيدين لسوريا، مقابل تشتت القوى الأخرى غير القادرة على التكتل ضده.

لا مبالاة أميركية

وربطاً بزيارة الوفد الوزاري إلى سوريا، يعتبر البعض أنها فرصة لميقاتي تمكنه من تجاوز الانفجار، ويذهب إلى تشكيل حكومة متحررة من الانفتاح على النظام السوري الذي تكون قد أنجزته حكومة تصريف الأعمال.

وهنا لا بد من النظر إلى الموقف الأميركي الذي لا يبدو واضحاً. وهناك من يؤكد أنه لم يكن بإمكان الوفد زيارة سوريا بدون موافقة أميركية أو غض نظر أميركي. والثابت الوحيد في السياسة الأميركية، هو اللامبالاة إلى جانب التركيز على دعم بعض المؤسسات الأساسية التي تمتلك فيها أميركا النفوذ الكبير.

خطة عون – باسيل

وتشير الوقائع إلى التغيير الكبير المقبل عليه لبنان في المرحلة الآتية. وحالياً يفرض التيار العوني معادلة من اثنتين.

القطب الأول من المعادلة تشكيل حكومة وفق شروطه، وكأنما مسار الوضع في صالحه. وذلك على اعتبار أن ميقاتي أصبح أسير إرضاء الجميع في الداخل، وأسير صراعات المسؤولين في الإدارة الفرنسية. وهذه فرصة سياسية يراكم عليها عون لتعزيز شروطه. وفي حال لم تُلبى يضع مهلة أمام الرئيس المكلف والمجلس النيابي.

والقطب الثاني من المعادلة الاستقالة من المجلس النيابي. وهذا ما يلويح أو يهدد به التيار العوني. وكان جبران باسيل قد لوح بذلك أكثر من مرة. ووصل الأمر بالرئيس نبيه بري إلى رفض هذه التهديدات قائلاً لباسيل: من يريد أن يستقيل فليستقل ولا داعي للتهديد.

هذه خطوة مطروحة بجدية لدى التيار. وبذلك يظهر أنه قلب الطاولة على الجميع، ذاهباً في اتجاه الانتخابات المبكرة، فيما القوى الأخرى، وخصوصاً تيار المستقبل، غير جاهزة لها وفق اعتبارات باسيل. وآنذاك يتمكن حزب الله من الفوز بالأكثرية مجدداً، حتى وإن تراجع التيار العوني نسبياً في بعض الدوائر.

يحاول حزب الله والتيار العوني الاستفادة من هذه اللحظة السياسية إلى أقصى الحدود، على إيقاع التطورات في اتجاه دمشق. والتيار العوني يعتبر أن الحريرية السياسية قد انتهت، وحان الآن موعد إسقاط المجلس النيابي.