IMLebanon

موظفو “مركز المطار الآلي” في السجن والـ”سيرفر” معطّل

كتبت نوال نصر في نداء الوطن:

يا ما تحت السواهي دواهي. جملة ٌ كنا نسمعها والآن، يومياً، على وقع اللحظات، نعيشها. فماذا تحت سواهي مطار بيروت الدولي؟ ماذا عن النظام الجمركي في مطار رفيق الحريري الدولي؟ ماذا عن البضاعة العالقة منذ يومين هناك وتحتاج الى قرارٍ سريع بإطلاق سراحها الى الداخل اللبناني؟ وهل صحيح أن موظفي المركز الآلي التابعين للمجلس الأعلى للجمارك، وهم حالياً جميعم في السجن، يحتفظون “بكلمة سر” الـ”سيرفر” ما عطّل إمكانية الدخول إليه والسماح للبضائع المستوردة بالدخول الى لبنان؟

صحيح أن السياسة تدخل في كل شيء في لبنان غير أن هناك ما لا يمكن أن ينتظر سياسة هذا وذاك ومحسوبيات ذاك وهذا وأفاعٍ وتجاذبات وكيديات. بعيداً عن كل ذلك فلنتوقف عند “سيرفر” الجمارك المعطّل منذ يوم الخميس الماضي في مطار رفيق الحريري الدولي. هناك في الجمارك، في المطار بالتحديد، قسم “المركز الآلي” الذي يحوي برنامج الحاسوب “السيرفر” الجمركي الذي يحتوي على كل المعاملات الجمركية ويضم كل ما يدور هناك على صعيد شركات الشحن وموظفي الجمارك ومخلصي البضاعة، حيث تُرسل المعلومات، او يفترض أن تُرسل، واضحة من أجل تخليص البضاعة وتمشي في سياقها الجمركي المفروض.

تريدون شرحاً أدق؟ من يسافر يدخل الى نظام Tax Free فيحصل على الرمز الشريطي (بار كود) يحدد ما معه وفقاً للونين الأحمر والأخضر، الأحمر معناه ان ما في حوزته يفترض التأكد منه ومشتبه به، والأخضر أن مرور البضاعة مسموح. هذا النظام يتّبع في مطار رفيق الحريري. الجمارك وهي برأسين: المجلس الأعلى للجمارك والمديرية العامة للجمارك. وسلطة المجلس أعلى من سلطة المديرية وفي نفس الوقت المركز الآلي الجمركي يتبع المجلس الأعلى للجمارك لا المديرية العامة للجمارك، وبالتالي يأخذ اوامره من المجلس الأعلى الذي يفترض أن يحدد طبيعة البضاعة التي تدخل الى لبنان ويضعها تحت اللون الأحمر أو الأخضر. وذلك وفقاً لمواصفات محددة بينها: نوع البضاعة وقيمتها وطبيعة الزبون، نظيفاً ام لا، فتتحول بضاعته الى أحد اللونين للتأكد فعلياً وعملياً منها.

شبهات جديّة

يتحدث مخلصو البضائع في مطار رفيق الحريري عن “ألاعيب” تحدث هناك من زمان، حيث “يتسلى” العاملون في المركز الآلي باللونين تبعاً لمن يدفع ولمن يدفع أكثر، فيزوّرون حين يشاؤون ويمررون ما يشاؤون ويتلاعبون بالمسارين، لكن، قبل عشرة أيام، قام المحامي العام التمييزي بالتكليف القاضي جان طنوس بالإدعاء على خمسة موظفين في الجمارك. فأرسل وراءهم، وهم كل عديد المركز الآلي للجمارك، وفي حين تم إرجاء توقيف رئيس المصلحة غسان نصرالله بسبب مرضه الشديد، جرى توقيف الموظفين الأربعة الذين أنكروا التهم الموجهة إليهم لكن القاضي لم يقتنع بأجوبتهم، فأرسل وراء “متخصصين” في فرع المعلومات الذين عملوا على الإتصالات، ونتيجة التحقيق تأكد من أفعال مشينة (مبدئياً) يقومون بها فأوقفهم.

يوم الإثنين الماضي توفي رئيس المركز غسان نصرالله والموظفون الأربعة باتوا في السجن، وقام قاضي التحقيق في جريمة المرفأ طارق بيطار، بعد أقل من يومين من وفاة نصرالله، بتوقيف عضو المجلس الأعلى للجمارك هاني الحاج شحادة. وبذلك يكون قد جرى إيقاف عضو المجلس الأعلى للجمارك شحادة، وهناك إدعاء بشبهات مالية في حق العضو الآخر فيه القاضية غراسيا قزي، ولم يبق في المجلس الأعلى للجمارك إلا رئيسه العميد أسعد طفيلي.

حتى الآن، المعلومات كانت لتمرّ لدى المحقق بهدوء، ويبقى الموضوع قيد التحقيق، لكن ما حدث منذ أيام قليلة، تحديداً منذ يوم الخميس الماضي في 2 ايلول الجاري، أن العمل بالنظام الآلي توقف في شكل شبه كلي في ظلّ صمت مطبق. فما عادت شركات الشحن قادرة على إخراج بضائعها (وبينها شركات الإلكترونيات التي كانت قد استوردت عدداً كبيراً من UPS وأنظمة حفظ الكهرباء التي بات المواطن اللبناني في امسّ الحاجة إليها، بعد أن سُدّ في وجهه أفق خدمات كهرباء الدولة وغيرها من مواد ضرورية وملحة). كل ذلك ولا أحد يتذمر، وكأن اللبناني اعتاد أن يبلع الموس ويسكت. حكى مخلصو البضائع مع نقابتهم في لبنان، التي ارسلت الى أعضائها رسالة صوتية تهدئ فيها من روعهم وتخبرهم بوجود مساع هادفة من أجل إعادة العمل وتصليح العطل. وطبعاً على الوعد يا كمون. فالكلّ يعد الكل في وقتٍ إنتهى فيه موظفو المركز الآلي جميعاً في السجن.

والحلّ؟ سؤالٌ يطرح من الجميع مع علم الجميع أن “الدولة فارطة” والفساد ضارب أطنابه من قمة الهرم حتى أسفله.

نعود لنسأل: هل من حلّ؟

يُحكى في مطار بيروت الدولي عن حلّ على قاعدة “مشّوا الحال” يُسمح من خلاله لمستودي البضائع بالتصريح الشفهي أمام موظف عن بضائعهم، على أن يعمد هو على تسجيلها باليدّ على قصاصة ورقية، على أن يعطي على أساس هذا التصريح “إقراراً بالدخول”، وكأنه بذلك يعطي شيكاً على بياض!

10 سنوات من التلاعب

البضائع في المطار عالقة. موظفو المركز الآلي في السجن. ووحده رئيس المركز أصبح في دنيا الحق. وفي المعلومات المتناقلة أن التلاعب بالبيانات الجمركية بات عمره أكثر من عقد كامل، وهناك تواطؤ بين موظفين ومسؤولين في الجمارك وبين موظفين تقنيين في تكنولوجيا المعلومات. وهؤلاء، على ذمة مخلصي البضائع، يرفضون إعطاء الرقم السري للمحقق ليتمكن من الدخول الى الـ”سيرفر” والحصول على مزيد من المعلومات.

كيفما قلّبنا القصص في لبنان نكون أمام فساد عارم. فلنترك القضية بين أيدي “أصحابها”، ونبقى في المطار الذي يشهد منذ وقت ليس بقصير إستنزافاً حقيقياً. فلنتوقف عند المراقبين الجويين فيه. صحيح ان لا فضائح “واقعية” لكن ماذا عن أمان هذا المطار؟ ماذا لو صحّ ما يُحكى أن هناك من يعدون جدياً قرار تصنيف مطار رفيق الحريري الدولي بأنه ليس آمناً للملاحة الجوية؟

مشكلة المراقبين ليست جديدة، منذ أعوام مديدة يخرج من يقول أن الأمور “مش ماشية”. فهناك نقص كبير في هذا الجهاز بالتحديد بسبب تقاعد البعض واستقالة البعض الآخر، كما يُحكى أن من بقي هناك وعددهم أقل من عشرين مراقباً من أصل مئة كانوا في الجهاز، يتقاضون رواتب متدنية جداً وأتت أزمة الليرة والدولار ليشعر هؤلاء بأنهم يعملون “مجاناً”، ومن يعمل “ببلاش” لا يعطي. فهل يمكن القول هنا أيضاً أن الرقابة الجوية أصبحت هي أيضاً معدومة؟

بوابة لبنان

هذا ليس كل شيء، فكل يوم يطالعنا خبر بتوقف عمل أحد الأجهزة العاملة في المطار. وحكى من حكى عن إنقطاع متكرر في التيار الكهربائي، وعن روائح مجارير يستقبل بها لبنان، مواطنيه والزائرين. فهل يجوز أن تبقى بوابة لبنان الجوية المتمثلة بمطار رفيق الحريري الدولي، قاعدة لكل أنواع “فظائع” سلطة لبنانية لم تعرف لا كيف تحافظ على إرثها ولا كيف “تخلص نفسها” من الفساد والفاسدين؟

نعود الى النظام الجمركي الموحد، المعروف “بنظام نجم” المعتمد في مطار بيروت “المعطل”، ويُعتمد هو نفسه في مرفأ بيروت. فهل هناك من يبالي؟ هل نعيش في مزرعة أم في دولة؟ ومن يعوّض على أصحاب البضاعة العالقة اليوم في المطار؟ وماذا عن البضاعة التي نحن في أمس الحاجة إليها؟ هل وضعت هي أيضاً في “السجن”؟ هل علينا أن نظل نعيش قرارات السلطة الغوغائية؟

البارحة، مَن عبَر الطريق التي تربط بين منطقتي الدكوانة والصالومي، عاش جنونا إستثنائياً بسبب قرار فتح الميكانيك يوم الأربعاء فقط. الناس تقاطروا. الطرقات سُدّت. والدولة ظنّت أنها قامت بما عليها. لكن، هل يكفي أن تصدر “سلطتنا” قراراتها لتكون قد أتمّت ما عليها. هل يكفي أن نقول هذا مجرم وهذا محق وهذا يفتح وهذا يغلق لتمشي المسائل كما يجب؟ مطار رفيق الحريري الدولي يئن وأجهزته “تتحطم” والمواطن، المسكين، يدفع الثمن مجدداً.