IMLebanon

لبنان الميليشيا والمافيا… لا حياة لمن تُنادي

كتب أحمد عبد العزيز الجارالله في “الجريدة الكويتية”:

لا نُبالغ إذا قلنا: إن لبنان المُميز عربياً أصبح من الماضي، ولا أمل بعودته إلا في حال واحدة هي الخروج على الطاقم السياسي الخاضع، مباشرة أو بالتهديد لـ”حزب الله”، ففي الأزمة غير المسبوقة التي يعيشها هذا البلد للمرة الأولى منذ 170 عاماً، لم يعد لدى اللبنانيين خياراتٌ كثيرةٌ.

من هنا يُصبح السؤال عن تأليف حكومة يُمكن أن تحد من الانهيار أشبه بحل لغز من وجد أولاً: البيضة أم الدجاجة؟! وهذه الحقيقة بانت واضحة بعد تكليف الرئيس السابق نجيب ميقاتي تأليف الحكومة، الذي أعطى نفسه مدة شهر واحد، فإما ينجح بالمهمة وإما يعتذر، واليوم بعد 46 يوماً على ذلك الوعد لاتزال الحكومة في علم الغيب، مادامت إيران لم تحصل على مُبتغاها منها.

منذ العام 1982 اعتبرت طهران وجودها العسكري والأمني في لبنان خياراً ستراتيجياً، وقاتلت بكلِّ ما تملك من قوةٍ في سبيل تثبيت السيطرة عليه، لذا خاضت عبر عصابة حسن نصرالله العميلة حروبها الصغرى والكبرى، في الداخل أو على الحدود؛ لأنَّ لبنان بالنسبة لها قاعدتها المتقدمة على سواحل البحر المتوسط.

تُدرك إيران أن تخليها عن هذا البلد يُشكِّل ضربة قاصمة لمشروعها في الإقليم، لهذا يسعى لقيطها السياسي، “حزب الله”، إلى فرض إرادته على الجميع، مرة بالاغتيالات التي طالت نخبة من الشخصيات السياسية المرموقة والمُتصدية لمشروعه، ومرات عبر شبكات تهريب المخدرات إلى الدول العربية لدفعها إلى التخلي عن لبنان، وأحياناً أخرى بالتدخل العسكري بكلِّ من سورية والعراق واليمن، وحتى الأرجنتين وبلغاريا، لعزله عن المجتمع الدولي، في المقابل أكمل هذا الحزب مشروع القضاء على لبنان عبر تفجير مرفأ بيروت، حين خزَّن فيه 2750 طناً من نيترات الأمونيوم، التي استوردها لصناعة متفجرات لصواريخه.

إضافة إلى كلِّ هذا يستثمر الحزب المذكور ذهنية الابتزاز والمُحاصصة السائدة، لدفع بقية الفرقاء إلى استغلال ما تبقى من اللحم اللبناني الحي لنهشه، وفي هذا يتساوى ميشال عون، الباحث عن وسيلة لتوريث صهره جبران باسيل الزعامة السياسية، وكذلك رئاسة الجمهورية، ورئيس البرلمان نبيه بري صاحب المقولة الشهيرة التي يتندر بها اللبنانيون: “من حضر السوق باع واشترى”، والتي على أساسها يقفل البرلمان كلما وجد أنَّ الصفقة غير مربحة.

هذا الوضع المُزري أدى إلى ما يُمكن اعتبارُهُ انهيار القرن، إذ لم يسبق للبنان أن شهد وضعاً مماثلاً حتى في أوج الحرب الأهلية التي استمرت 17 عاماً، إذ بات نحو 85 في المئة من شعبه غير قادرين على شراء المواد الحياتية البسيطة، من دواء وطعام، ناهيك عن الوقود والكهرباء، فيما اليوم تعلن الـ”يونسيف” أنَّ هذا البلد مُقبلٌ على أزمة كبرى في مياه الشرب.

لا شكَّ أنَّ الخبراء والمراقبين، وحتى المنجمين، يعجزون عن تصوُّر نهاية لهذه الأزمة، فيما إذا انهار ما تبقى من الدولة سيُشكل تهديداً عربياً كبيراً، بينما لا أحد من طغمة المافيا والميليشيا الحاكمة يُحرِّك ساكناً لفتح ثغرة ضوء في هذا النفق، رغم كلِّ التقريع واللَّوْم، الذي وجَّهه إليهم رؤساء دول وحكومات، عربية وأجنبية؛ لحثهم على الشعور بالمسؤولية، ولكن لا حياة لمن تنادي، فقد وصلت الصّلافة بهؤلاء إلى حد “إذا بصقت بوجههم قالوا لك إن السماء تُمطر”.