IMLebanon

لبنان ينتظر “شتاء الكوارث”… بخيار الموت بردًا أو جوعًا

كتب حسين طليس في “الحرة”:

شهر واحد يفصل اللبنانيين عن موسم معاناتهم الشتوية بعد انتهاء فصل الصيف وأزماته. هي المشكلات ذاتها التي أنتجها الانهيار الاقتصادي الأكبر في تاريخ البلاد، من انقطاع للكهرباء والمحروقات، وارتفاع أسعارها وصعوبة تأمينها. وتتحضر البلاد لمواجهة شهور الشتاء، التي يتوقع أن تكون أكثر حدة وتأثيراً على سكان البلاد التي عادة ما تشهد فصلاً قاسياً سينقلهم من مواجهة الحر بلا تكييف وتبريد، إلى معاناة مع البرد القارس، دون مصادر طاقة للتدفئة.

وباستثناء الشريط الضيق للمدن الساحلية، الممتدة على شاطئ البحر المتوسط، تشكل السلاسل الجبلية ووديانها مع امتداداتها الداخلية إلى سهل البقاع معظم مساحة لبنان الجغرافية، التي تصل في أعلى ارتفاع لها إلى 3000 متر فوق سطح البحر، وتنحدر وصولاً إلى الساحل أو الداخل (البقاع بين 500م 1600م عن سطح البحر).

على هذه السفوح الجبلية تقع معظم القرى والبلدات والمدن اللبنانية، وعند تخطي ارتفاع 300 متر عن سطح البحر، تصبح التدفئة في هذه المناطق ضرورة من ضرورات الحياة، وشرطا من شروط البقاء التي لا يمكن الاستغناء عنها خلال الشتاء الممتد ما بين 5 و6 أشهر من العام.

اعتاد اللبنانيون، مع قدوم شهر أيلول، تأمين محروقاتهم ومستلزمات التدفئة، إلا أن أزمة انقطاع المحروقات، منعت العدد الأكبر منهم من تأمين المازوت اللازم لهم خلال فصل الصيف كما جرت العادة، إذ تحول المازوت طيلة الأشهر الماضية إلى سلعة نادرة تخضع للسوق السوداء، ولا يزال يهدد انقطاعها كافة القطاعات الحيوية في البلاد، من صحة وتعليم ومرافق عامة ومؤسسات ومتاجر.

ثم جاء القرار الرسمي برفع الدعم كليا عن المحروقات بعد منتصف شهر أيلول الحالي، بمثابة الضربة القاضية للمواطنين الذين لن يكون بمقدورهم شراء المادة بأسعارها الخيالية الجديدة، بعدما تضاعفت أكثر من 5 مرات، وبات الحصول على صفيحة مازوت واحدة يكلف ما يقارب نصف الحد الأدنى للأجور المحدد في لبنان.

ففيما كان سعر صفيحة المازوت، العام الماضي، يتراوح بين 14 ألف ليرة و17 ألفاً، مع دعم كامل للمادة من مصرف لبنان، تضاعف السعر هذا العام، مع رفع الدعم الرسمي عنها، إلى نحو 300 ألف ليرة للصفيحة الواحدة (20 لترا)، في حين أن الحد الأدنى للأجور في البلاد يبلغ 675 ألف ليرة.

وتشهد البلاد ارتفاعاً جنونياً في أسعار السلع والمواد الأساسية كافة، لاسيما بعد انهيار القدرة الشرائية لليرة اللبنانية وتضاؤل قيمة صرفها أمام الدولار، إذ انخفضت من 1500 ليرة للدولار الواحد إلى حدود 18000 ليرة. وانعكس هذا الانهيار على كافة جوانب الحياة، لاسيما أنه لم يترافق مع أي تعديلات للأجور.

موقع الحرة تواصل مع عدد من العائلات اللبنانية القاطنة في المناطق الجبلية والبقاعية والجنوبية، حيث اطلع من عينة المواطنين على أحوال سكان هذه المناطق وكيفية استعدادهم للقادم من أزمات شتوية ولاسيما استحقاق التدفئة.

“المازوت” لمن استطاع إليه سبيلا

يعيش برنارد الحاج، 29 عاماً، مع عائلته في بلدة عينطورة الجبلية، التي تشهد شتاء مبكراً يصل معه البرد منتصف شهر أكتوبر المقبل، ويفرض تشغيل التدفئة في المنازل 6 أشهر حتى نهاية شهر أبريل. وحتى الآن لم ينجح برنارد، بحسب ما يؤكد لموقع “الحرة” من توفير لوازم التدفئة.. لا مازوت ولا حطب.

“حاولنا طيلة الشتاء الماضي شراء المازوت، كانت الصفيحة لا تزال بسعر 57 ألف ليرة، إلا أن المحطات لم تكن تسلم، ولا المادة كانت متوفرة لجمعها على مراحل، كذلك فإن تعبئة العبوات كان ممنوعا بسبب عمليات الاحتكار وتجار السوق السوداء، اليوم وصلت الصفيحة إلى 100 ألف ليرة ولا زالت مقطوعة من الأسواق ولا يمكننا توفيرها للمنازل ولا نعلم متى ستتوفر مع أن الوقت بات داهماً”، يقول برنارد.

انقطاع المازوت من الأسواق، شكل المعاناة المشتركة لكافة العائلات التي تواصلت معها “الحرة”، وتختلف حدة المعاناة بين عائلة وأخرى بحسب أحوالها المادية.

تقول سلمى، التي تقطن قرية صغيرة شرق مدينة بعلبك، إنها تواجه شقين من الأزمة اليوم: “زوجي يعمل باليومية، وإن توقف عمله يوماً لا نأكل فيه، وبالتالي من المستحيل تأمين تكاليف التدفئة مسبقاً في ظل هذا الغلاء الفاحش، ومن جهة أخرى المادة منقطعة ولا سبيل لشرائها حتى لو توفر المال وبالتالي ما من مصدر إلا السوق السوداء التي لا تكتفي بتحقيق أرباح بيع المدعوم بسعر الدولار، وإنما تستغل أيضا انقطاع المادة من أجل رفع الأسعار أكثر واستغلال حاجة المواطنين”.

الأمر نفسه يعانيه رافاييل حداد، ابن مدينة زحلة البقاعية، فبعدما قررت العائلة اللجوء إلى مدخراتها الطارئة لتأمين المازوت إذ لم تعد إيرادات عملهم تكفي لتوفير كلفة التدفئة، اصطدم بانقطاع المازوت واستحالة تأمين المخزون الكافي للعام كله، الأمر الذي دفعه إلى التفكير بالحطب بديلاً رغم أنه ليس أكثر توفيراً، “ولكنه على الأقل متوفر في الأسواق والطلب عليه أقل من المازوت، وحتى الآن لم نحسم خيارنا بعد رغم ان الشتاء اقترب”.

وتحتاج عائلة برنارد إلى نحو 7 أو 8 براميل من المازوت سنوياً، وهذا يمثل معدلا وسطياً بين المناطق اللبنانية، “نستهلك من طاستين إلى 3 طاسات في اليوم، ما يعني نحو 15 لترا من المازوت في اليوم، وكلما اشتد البرد اشتد مصروف المازوت للتدفئة، ولا تنسى أن تدفئة المياه أيضاً تحتاج مازوت، كان سعر البرميل يناهز 150 ألف ليرة، والموسم يكلف نحو 1.5 مليون ليرة بالحد الأقصى، بات البرميل الواحد يكلف نحو مليونين بالحد الأدنى”.

الحطب ليس حلا

حاولت فهيمة، التي تعيش في بلدة تمنين البقاعية، شراء طن من الحطب لعلها تنجح بتوفير تدفئة مؤقتة لولدها الوحيد، وإذ بها تفاجأ بسعره البالغ 4.5 مليون ليرة للطن الواحد، الذي لا يكفي أكثر من شهر ونصف كحد أقصى.

“لم يكن بمقدوري المخاطرة بدفع هذا المبلغ الكبير ثمنا للتدفئة والبقاء دون طعام وشراب، زوجي يتقاضى أجراً أقل من الحد الأدنى للأجور (600 ألف ليرة) وأنا أقوم بأعمال هامشية كتأمين مستلزمات المونة من أجل مساعدته في المصروف”، تقول فهيمة.

وتضيف: “كنت أمام خيارين: شراء تدفئة لشهر ونصف أو تسجيل ولدي في المدرسة وتوفير المبلغ القليل المتبقي بين أيدينا لتأمين المأكل والمشرب وأساسيات الحياة، واخترت الخيار الثاني أسوة بالناس التي لم تتدبر بمعظمها أمر التدفئة حتى الآن، مقابل المحافظة على المبلغ المالي الصغير بحوزتنا تحسبا لأي طارئ، إنه خيار بين الموت برداً أو الموت جوعاً”.

سلمى هي الأخرى تشتكي من سوق سوداء تتحكم بسعر الحطب وتوفيره، والأمر نفسه ينتقل من البقاع إلى المتن، حيث يشكو برنارد من الحالة نفسها: “خزن التجار الحطب منذ العام الماضي حين كان أغلى ثمنا من المازوت المدعوم، وتوقفوا عن توزيعه طيلة العام حتى اليوم، حيث يطمعون بمزيد من الأرباح على أبواب الشتاء، وباتوا يلحقون ببورصة المحروقات لمعرفتهم بأن الحطب بديل الناس عن المازوت، وبدلاً من المحافظة على هذا البديل بسعر رخيص يرفعون الأسعار كلما ارتفع سعر المحروقات حتى أصبحت بنفس الأسعار تقريباً”.

وكانت أسعار الحطب سجلت قفزات جنونية منذ العام الماضي، لاسيما بعدما توقف دخول الحطب السوري المهرب عبر الحدود إلى لبنان بسبب تشديد الإجراءات لمكافحة التهريب من قبل الجيش اللبناني، وما رافق ذلك من حملة لمنع قطع الأشجار من الجهة السورية، الأمر الذي قصر الاعتماد على الأحراش اللبنانية، التي لا توفر الكمية الكافية من الأخشاب للسوق.

وفيما كان سعر طن الحطب يتراوح بين 200 و250 ليرة عام 2019، سجل العام الماضي سعر 750 ألف ليرة للطن، أما اليوم، فيتراوح سعر الطن ما بين 4 ملايين و5 ملايين ليرة، حسب نوع الحطب.

هذا الواقع دفع بالعديد من المواطنين إلى التوجه مباشرة إلى الأحراش والغابات لتجميع الحطب، مع ما يرافق ذلك من أخطار بيئية تتمثل في قطع الأشجار وإحراق الأحراش والتعدي على الأملاك العامة والخاصة. فيما عمد قسم آخر إلى الاستفادة مما يملكونه من بساتين لتقليمها والحصول على الحطب الفائض منها، كما هو حال نبيه عواضة، ابن بلدة عيترون الجنوبية.

للمرة الأولى يلجأ نبيه وإخوته إلى بستانهم من أجل تأمين التدفئة، يقول “للحرة”: “كنا العام الماضي نبحث عن محتاجين في البلدة ليحصلوا على الحطب من البستان بعد التشحيل (التقليم) لتأمين التدفئة، هذا العام الأول الذي كنا نحن فيه بحاجة للبستان إذ تقاسمنا الحطب أنا واخوتي، بالإضافة إلى كمية قليلة من المازوت وفرتها من مخزون العام الماضي”.

المدافئ.. مفاجأة بالدولار

خيار الانتقال من التدفئة على المازوت إلى التدفئة على الحطب، حمل مفاجأة جديدة لأصحاب هذا القرار، تمثل في تكلفة شراء المدافئ اللازمة للحطب والمستلزمات الخاصة بها. إذ ارتفعت أسعارها وباتت تباع وفقاً لسعر صرف الدولار، لكونها تتبع سعر الحديد الذي تصنع منه.

وبينما كان سعر المدفأة الصغيرة (مازوت أو حطب) نحو 80 ألف ليرة عام 2019، بلغ سعرها العام الماضي 400 ألف ليرة، لتصبح اليوم بمليون ليرة، وإلى جانبها مستلزمات أخرى كالقساطل وغيرها، لحقت بدورها بسعر الدولار.

موقع “الحرة” تواصل مع محلات زريق في مدينة بعلبك، المتخصصة في بيع المدافئ، للوقوف على أسعار هذا العام، ليتبين أن الأسعار الحالية لا تزال غير نهائية بانتظار ما سيحمله القادم من الأيام من ارتفاع في التكاليف، قد تنعكس على أسعار المدافئ.

اليوم تباع المدفأة الصغيرة بنحو مليون ليرة (50 دولارا)، فيما المدافئ الأكبر تراوح ما بين مليونين (100 دولار) و4 ملايين ليرة (200 دولار) حسب الحجم ونوعية الحديد المستخدم في صناعتها، في حين يتراوح سعر المدفأة الأكبر، المخصصة للصالونات الكبيرة (أولمار)، ما بين 330 و525 دولارا، بما يساوي نحو 10 ملايين ليرة.

كيف سيعبر اللبنانيون الشهور المقبلة؟

وإلى جانب المدفأة، تأتي القساطل الحديدية المخصصة للدخان الصادر، تكلفة القسطل الواحد منها بات نحو 100 ألف ليرة فيما سعر التحويلات لا يقل عن 5٠ ألف ليرة، و”الطربوش” نحو 70 ألفا، وصولاً إلى 100 ألف.

هذا الواقع جعل محمد صادق يعدل عن فكرة شراء المدفأة بعدما اهترأت القديمة، “سأحاول إصلاحها أو تعديلها لتناسب الحطب بعدما كانت تعمل على المازوت، خاصة أنني عاطل عن العمل ولم أؤمن حتى الآن أي خيار، لا مازوت ولا حطب، وبحسب ما يتوفر في قادم الأيام سأتخذ قراري بالنسبة إلى المدفأة، ولكن الأكيد أنني عاجز عن شراء واحدة جديدة صغيرة كانت أم كبيرة”.

خيارات مُرّة

ينتظر محمد أن تصل مساعدات إنسانية تنقذه من الحالة التي يعيشها، “هناك كلام عن جمعيات دولية سوف تدعم الناس وتؤمن لهم مستلزمات التدفئة، وهناك حديث آخر سمعناه في البلدة حول نية بعض الأحزاب توزيع براميل مازوت على المواطنين، لاسيما مع اقتراب موعد الانتخابات، ولكن كل ذلك حتى الآن كلام بكلام لا ترجمة له على أرض الواقع”.

ويؤكد الرجل الستيني، أنه، إذا لم يستطع توفير الحطب أو المازوت، سيكون وزوجته أمام خيار وحيد لا بديل عنه، “سوف نمضي الشتاء تحت البطانيات ونتدفأ بالملابس الصوفية والأغطية، إلى أن تفرج، ولست الوحيد في هذه الحالة، عدد كبير من العائلات في البلدة لم يجدوا أمامهم إلا هذا الخيار”.

سلمى من بين الذين فكروا بهذا الخيار أيضاً، “أجلس بيني وبين نفسي انظر إلى المنزل وإلى أولادي، أتخيل فصل الشتاء وبرده وثلوجه، وأفكر جدياً باستخدام أثاث المنزل من أسرة وخزائن خشبية وكنبات لإحراقها في فصل الشتاء، لأوفر التدفئة لأولادي وبيتي، ماذا أفعل جدياً إن لم يبق أمامي إلا هذا الحل؟ أو سنفرش السجاد ونتغطى بالبطانيات، بعض الأسر هنا تجمع الكرتون والورق وكل ما يمكن أن يشتعل، زيوت المحركات، أحذية بالية، ملابس، وحتى الإطارات المطاطية لتأمين التدفئة”.

ورصد موقع الحرة ظاهرة جديدة في بلدات وقرى عدة، تقوم بها العائلات الكبيرة والأقارب والأصدقاء، يشتركون فيها بشراء المحروقات ويتفقون على السكن في منزل واحد طيلة فصل الشتاء من أجل توفير المحروقات والمال، وسبق للبنان أن شهد هذه الظاهرة خلال الصيف الحالي مع انقطاع الكهرباء والمحروقات، حيث تشارك اللبنانيون منازل مؤمنة بالكهرباء للاستفادة من التبريد والتكييف في ظل الحر، وتقاسموا تكاليف حياتهم.

عجز أمام الفقر

“لم يعد باليد حيلة.. ولا نعرف ماذا سنفعل”، بهذه الكلمات عبر معظم المتحدثين مع “الحرة” عن عجزهم أمام الأزمة المنتظرة، تقول سلمى “كل الناس تتألم لنفس السبب وأشعر أنه لم يعد هناك فوارق اجتماعية، كلنا فقراء وكلنا نعيش الأزمة نفسها، سألتني جارتي: ماذا سنفعل بالشتاء كيف سنتدبر أمورنا؟ أخبرتها أنني قد اضطر لإشعال أثاث منزلي، أجهشت بالبكاء لأنها باعت عفش منزلها وليس لديها حتى كنبات لتحرقها، إذ باتت تعيش على فرش أرضي”.

“هذا عدا عن الحاجة الملحة لتسخين المياه”، يقول برنارد، ويضيف “خلال فصل الشتاء نصل إلى مراحل تتجمد فيها قساطل المياه الخاصة بالمنزل، إلى هذا الحد تصل البرودة هنا، ويصبح تسخين المياه ضرورة لا بد منها للاستحمام والغسيل وغيره، وبالتالي هذا استحقاق آخر لا أعلم ماذا نفعل معه، نحاول قدر الإمكان عدم التفكير بالأمور لإتاحة مجال للتفكير بحاضرنا الأسود أصلاً”.

بدوره يرى محمد أن “الناس مصابة بإحباط وعجز كبيرين إلى حد باتوا يتعلقون بأي أمل حتى من أحزاب هي نفسها المسؤولة عن الأزمة، “سمعنا أن أحزابا سوف تؤمن برميلين من مادة المازوت لكل منزل في البلدة، ولكن حتى الآن كل ذلك كلام في الهواء، لا يمكن الاتكال عليه في التحضير لفصل الشتاء، في حين أن البرميلين لا يكفون لشهر واحد، فبرميل المازوت يكفي لـ 15 يوم فقط”.

من جهتها لا تجد فهيمة أي إجابة من الناس بشأن كل ما يحصل، “اسأل الأقارب والجيران كيف يتدبرون أمورهم لا أحد يعلم ولا أحد يفكر، كل الناس تعيش يوماً بيوم ولا تفكر بالغد، حيث يشغلها هم اليوم ومتطلبات اليوم، ماذا تنتظر الناس؟ بات الدولار بـ20 ألف ليرة، واليوم تنكة المازوت بـ300 ألف، كنا خلال الصيف نتدبر أمورنا، نحتمل الحر لأنه لا يقتل، ولكن البرد يقتل وهناك كثيرون سيموتون برداً إن لم تتوفر لديهم مستلزمات التدفئة”.

يذكر أن دراسة أعدتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) كشفت عن تفاقم الفقر في لبنان “إلى حدّ هائل” في غضون عام واحد فقط، مشيرة إلى أن الفقر أصبح يطال 74 في المئة تقريبا من مجموع سكان البلاد. في حين أن نسبة الذين يعيشون في فقر “متعدد الأبعاد” تصل إلى 82 في المئة من السكان، إذا تم أخذ أبعاد أوسع في الاعتبار، مثل الصحة والتعليم والخدمات العامة.

ولا يبدو أن وضع المناطق الساحلية سيكون أفضل من جيرانها في الجبل والبقاع، فمع أن الساحل اللبناني يسجل درجات حرارة أعلى خلال الشتاء، إلا أنه لا غنى عن التدفئة التي اعتاد سكان الساحل اللبناني على تأمينها عبر الكهرباء.

وفي وقت تعاني البلاد من أزمة كهرباء وارتفاع كبير في سعر الكيلووات نتيجة ارتفاع أسعار المحروقات، سيكون من المستحيل الاعتماد على مدافئ الكهرباء التي تستهلك كثيرا من الكهرباء، إذا ما توفرت أصلاً.

الأزمة بالتكاليف

وللوقوف على آخر مستجدات أزمة الوقود، تواصل موقع “الحرة” مع عضو نقابة أصحاب محطات الوقود، جورج البراكس، الذي أكد أنه “بالنسبة إلى توفر مادة المازوت في الأسواق، الأمر سيكون محلولاً قبل فصل الشتاء، إذ يفصلنا أسبوع أو 10 أيام بالحد الأقصى عن اتخاذ قرار رفع الدعم نهائيا عن المحروقات، وبالتالي ستكون متوفرة وفق تسعيرتها بالدولار، وتقريباً ستنتهي أزمة انقطاع المادة واحتكارها وتهريبها، اليوم هناك انقطاع حاد في مادة المازوت بسبب عدم وجود المازوت المدعوم في الأسواق، فكل المازوت المتوفر بات غير مدعوم، وينتظر تعديل جدول الأسعار ليوزع على المحطات”.

لكن الأزمة ستكون، في القدرة المادية للمواطنين على شراء المازوت، يؤكد البراكس، ويضيف “ذاهبون إلى أزمة تدفئة في البلد بسبب عدم توفر الإيرادات الكافية لتغطية التكاليف الباهظة، الأزمة اليوم باتت على مختلف الأصعدة، على الأكل والمشرب والمدارس والتدفئة والتنقل كلها ستنفجر بوجه المواطن، واستغرب حتى الآن عدم حدوث انفجار اجتماعي في البلد”.

ويكشف البراكس أن “طن المازوت سيكون سعره نحو 10 أو 11 مليون ليرة، المنزل يحتاج متوسط ما بين 1000 و1500 لتر مازوت، سعرها بات نحو 15 مليوناً، لا اعرف كيف ستتمكن المدارس من تدفئة تلاميذها في الشتاء. هناك أزمة اجتماعية كبيرة مقبلون عليها في الشتاء مع هذه الأسعار”.

ويختم البراكس: “هي أزمات مفتعلة يريدون من خلالها إلهاء المواطنين بالكهرباء والبنزين وتأمين التنقل والتدفئة والمأكل والملبس ليمنعوهم من التفكير بالثورة عليهم والتظاهر ضدهم، أين الثورة اليوم؟ أين المتظاهرون؟ كل الناس باتت مشغولة بيومها في تأمين البنزين بالطوابير، ومن بعدها أزمة المازوت، واليوم نحن على مشارف أزمة تدفئة، وتكاليف ستشغل المواطنين في تأمينها لتأمين عائلاتهم وأنفسهم”.