IMLebanon

ولجنا العصر الإيراني… و”طالبان” دخلت على الخط

كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:

اليوم 11 أيلول 2021. عشرون عاماً على 11 أيلول الأسود ذاك في الـ 2001. أصبح المكان هناك، في نيويورك، حيث ألمت الواقعة، موقعاً سياحياً. مجسّمات كثيرة في المكان مكتوب عليها 9/11 MEMORIAL ومنحوتات لغيتار وبيانو وآلة نفخ وقوارب في الجوار تأخذنا عبر المياه لرؤية “الموقعة” من كل الإتجاهات، فنضحك لرذاذ المياه وننسى حجم الدم والدموع في المكان، وننسى وروداً وأضرحة وأسماء كثيرة أطاح بأصحابها قبل عشرين عاماً “مخطط جهنمي”، شكّل محطة تغييرية في عالمنا. هكذا دائماً، محطة كبيرة تُبدّل في معادلات وتؤسس الى معادلات. 11 أيلول 2001 مهّد لدخول الولايات المتحدة الأميركية الى أفغانستان. 11 أيلول 2021، الولايات المتحدة تنهي للتوّ إنسحابها من أفغانستان. فهل علينا أن نقرأ في استراتيجيات ما بعد المحطتين؟ وما تأثير “الإستراتيجيا” الجديدة على لبنان؟ هل “السياسي” اللبناني واعٍ لها أم أنه من نوع من لا يفرق بين الخيار الإستراتيجي والخيار باللبن؟

لن نتحدث عمن إبتسم كثيراً لقرار الولايات المتحدة الأميركية الإنسحاب من أفغانستان غامزاً، ساخراً، قائلاً: “شوفوا كيف بتتعامل أميركا مع حلفائها”. لكن، دعونا نسأل سؤالاً واحداً: هل تأتي الخطوة الأميركية في إطار إرساء استراتيجيات جديدة في مرحلة جديدة سينال لبنان منها حصّته؟

حركة طالبان عادت الى قلب المعادلة في أفغانستان والمنطقة والعالم. فهل سيحكم المتشددون الطالبان بالقوة والعنف والبطش والسلاح والاستبداد أم سيكون حكمهم رشيداً أم سيكونون اللاعبين الجدد في منطقة تحتاج الى “طالبان” بالذات لإرساء المعادلة الجديدة في وجه “طهران”؟

داخلياً، لبنانيون كثر ممن يقفون قوافل قوافل أمام محطات البنزين والأفران والصيدليات وأمس أمام مكاتب الصيرفة لا يهمّهم لا طالبان ولا طهران بل الخروج من جهنم الحمراء التي يحترقون فيها. فهل لأحدٍ ما أن يخبرنا (ببساطة) بانعكاسات ما تمخّض عنه “المتحول الجديد” في أفغانستان على لبنان؟

الديموغرافيا تصنع التاريخ

نسأل الباحث في الفكر الإستراتيجي الدكتور نبيل خليفة عن المسألة وما فيها والإشكاليات الإستراتيجية الإقليمية والدولية فيأخذنا مباشرة الى كتابه الأخير “إستهداف أهل السنّة” الذي يتضمن “تبصيراً” بالأخطار المصيرية التي علينا أن نتوقعها. فلنسمعه بدقة. يقول: “الخروج الأميركي من أفغانستان اليوم هو جزء من اللعبة الكبرى، فنحن اليوم أمام تحولات جذرية في الفكر وفي المؤسسات والمعتقدات الدينية والسياسية والثقافية والحضارية. هناك مخطط واضح من أجل “أبلسة أهل السنّة”.

ينطلق خليفة من “أن الديموغرافيا تصنع التاريخ ويقول “قلتُ ذلك من بكركي. كثيرون يتحدثون عن آنية التفاصيل في لبنان أما أنا فأتحدث استراتيجيا وجيوسياسية. لذا ربطتُ بين مشروع البابا فرنسيس في أبو ظبي من خلال وثيقة الأخوّة الإنسانية مع شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيّب وموقف البطريرك الماروني بشارة الراعي في مسألة الحياد. ما حصل ليس صدفة. لا شيء يحصل في عالمنا صدفة. فالإسلام سيكون الديانة الأولى عددياً في العالم في أواخر هذا القرن، وسيصبح رأيه متقدماً لجهة مصير هذا العالم وجزءاً من معادلة النظام الدولي. بابا روما شعر بذلك لذا من أجل إستبعاد حدوث صدام بين الديانتين المسيحية والإسلامية يعمل على تهيئة الأجواء باكراً أمام الطائفتين على أنهما ليسا ولا يجوز ان يكونا عدوين. نحن أخوة. البطريرك الراعي طالب هو ايضاً بالحياد وقدرته على تعزيز الحياة المشتركة المسيحية- الإسلامية.

ممتاز. بابا روما والبطريرك الماروني استشعرا التغيير الذي ننحو إليه. لكن، ماذا بالتحديد عن الإنسحاب الأميركي من أفغانستان وعودة طالبان؟ هل يندرج ذلك ضمن التغيير الجيو- سياسي؟

يعود خليفة عشرين عاماً الى الوراء معتبراً “أن 11 أيلول 2001 أتى في خضم مخطط من أجل اقتلاع السنّة و”أبلسة الطائفة” وأتى 11 أيلول اليوم في سياق هذا المخطط أيضاً في استهداف أهل السنّة. المطلوب وضع الطائفة (من خلال ربما وجود طالبان وأمثال طالبان) في مواجهة العالم، في مواجهة المسيحي الأرثوذكسي في روسيا والكاثوليكي في أوروبا والبروتستانتي في أميركا واليهودي والهندي والصيني والشيعي طبعاً، الذي لا يزيد عديد ابناء هذه الطائفة عن 15 في المئة من مجموع الطائفة الإسلامية ككل، حيث يُشكل السنّة 85 في المئة منها. البابا كسر هذه المعادلة ليخلق معادلة الأخوة.

مأزق تاريخي

ما يحصل حالياً في المنطقة، بحسب نبيل خليفة، هو وجود محاولة إيرانية للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط، وحيث لا شيعة إشتروا جهة سياسية، مثلما فعلوا مع حماس، أما هنا في لبنان فتتمثل هذه الجهة بـ”حزب الله” الذي ليس مجرد نموذج لمساعدة إيران بل النموذج الأفضل للثورة الإيرانية في كل مكان. لذا، “حزب الله” لن يتخلى عن سلاحه، وبالتالي نحن في مأزق تاريخي لأن لا طريقة لتخلي هذا الحزب عن السلاح لأنه إذا فعل ذلك يكون قد تخلى عن حاله. العملية في لبنان إذاً معقدة جداً.

هل نفهم من كل ما ذُكر أن مصلحة الولايات المتحدة الأميركية مع الشيعة لا مع السنة؟ يجيب “المصلحة ستكون على الأمد البعيد مع الأكثرية، مع المسلمين السنة الذين يشكلون 85 في المئة من المسلمين، لكنهم يستفيدون من الصراع السني- الشيعي أما الرهان الأبعد فسيكون على السنّة لا الشيعة. وماذا عن إرتداد التطورات المنتظرة على المسيحي في لبنان والمنطقة؟ يجيب خليفة: “سيلعب المسيحي دور الحياد والحفاظ على الصيغة التي طالما تحدث عنها الشيخ بيار الجميل (الجد) والدفاع عن الحياة المشتركة ويستطرد “سيكون للبنان ضمانة دولية تعزز الحياة المشتركة”. نستدلّ من كل ذلك الكلام أن “طالبان” ضرورة “للأبلسة” ومواجهة التمدد الإيراني، فلا شيء في الإستراتيجيات العالمية يحدث بالصدفة.

من الإستراتيجيا والجيوسياسية فلنسأل الخبير في شؤون الحركات الإسلامية أحمد الأيوبي عن مجرى الأحداث وانعكاس ما حصل في أفغانستان على المنطقة ككل؟

لبنان ليس أفغانستان

يتحدث الأيوبي “عن قرار أميركي اتخذ بإنهاء الحرب على الإرهاب في العالم وهذا ما يُفسر فشل الحملة على الإرهاب كونها لم تستند على قواعد صحيحة لا سياسية ولا منطقية، بل إستندت الى أهداف مسبقة، وحين وقعت أحداث 11 أيلول المدانة أخذوها حجة لغزو العالم الإسلامي” ويستطرد بالقول “يومها اتخذت الحملة عناوين خطيرة فقيل هي حرب صليبية وهذا العنوان في ذاته يخدم التطرف”.

لا يعتبر الخبير في الحركات الإسلامية أن إستلام طالبان الحكم في أفغانستان سيكون خطيراً “لأن هناك حركات إسلامية معادية للنظام الدولي والعرب والمسلمين مثل داعش وهناك جماعات قابلة للتطور مثل طالبان. وداعش سبق وكفّرت طالبان” ويستطرد الأيوبي بالقول “يفترض ونحن نقرأ في التطور مراعاة أن لبنان ليس أفغانستان، فطبيعة المجتمع مختلفة وأفغانستان بلد كان معزولاً عن العالم، لذا علينا أن نغض بعض النظر عن سلبيات في التعاطي الإجتماعي الداخلي هناك وننظر بعين إيجابية الى العفو الكامل، غير المسبوق، الذي اعتمدته طالبان مع خصومها. صحيح أن إعتراضات تظهر حول طريقة تعليم المرأة لكن المرأة هناك ستتعلم. لذا، آمل من المجتمع الدولي والعربي عدم عزل الحكم الطالباني ومعاداته وليقم علماء الأزهر والمرجعيات الدينية بفتح باب الحوار. فليقرأ العرب جيداً موقع طالبان في هذه اللحظة، في وقتٍ تتفرغ فيه إيران لضرب العالم العربي”.

ما يهم الأميركيين من كل الموضوع هي الصين، لا يريدون أن تكون مرتاحة ووجود طالبان على حدودها يخدم هذه الرغبة، ويؤثر على مصالحها الإقتصادية في أفغانستان. وسيؤثر ذلك أيضاً على مشكلة أقلية الإيغور المسلمة في الصين وعلى مسلمي تركمستان المجاورة. صحيح أن طالبان وضع فرامل لتوجسات الصين حين قال مسؤولون فيه “لا مشكلة لدينا في التعامل مع الصين” غير أن وجود طالبان سيكون نقطة ضعف مقلقة عند خاصرة الصين”.

هناك في الإسلام المعتدل من بدأ يعتبر أن وجود طالبان ضرورة من أجل قطع الطريق على القاعدة وداعش ويقول الأيوبي “العالم اليوم أمام أمرين: فإما، إستيعاب حكم طالبان وإعطاؤه فرصة لفرض الإستقرار وبدء التنمية أما النموذج السلبي فسيحدث إذا فشل العالم العربي في التعاطي مع طالبان وحاصرها” ويستطرد قائلاً “أعتقد أن مسار الأمور تتجه نحو الاستقرار والتأقلم مع المجتمع الدولي. فالإحاطة بتجربة طالبان هي الضمانة الوحيدة في سبيل عدم وقوع الحرب”.

ماذا عن تأثير ما حصل على لبنان؟

يتحدث الأيوبي عن تواطؤ الإدارات الدولية مع إيران ضد الأغلبية السنية، فهم أسسوا لهذه المرحلة التي نحن فيها برعاية أميركية واضحة، فجرى تسليم العراق ذات الأغلبية السنية الى إيران، وسُمح لإيران بتخريب سوريا تحت غطاء أميركي. والخوف حالياً من منحها المزيد من الغطاء لإكمال إجتياحها. هنا الخوف الحقيقي. وما يحدث حالياً مع المملكة السعودية من خلال قرار رفع السرية عن وثائق من التحقيق. أعنف القصف يحدث الآن على السعودية منذ وصول بايدن الى الحكم. ثمة إرادة لفتح الملف لاستهداف معين. يشعر السنّة في العالم “بتقديس” إيران في الولايات المتحدة الأميركية وأبلسة السنّة وهذا ما سيؤدي الى خطر كبير. وهناك تقصير كبير، بحسب الأيوبي، من الديبلوماسية في الدول العربية والخليجية السنيّة التي عجزت عن إقامة لوبي هناك في مواجهة اللوبي الشيعي.

ماذا عن السلوك الديبلوماسي للفاتيكان؟

بحسب الأيوبي “الإدارة الأميركية بحاجة الى ضرب بالمطرقة، بشكل يومي، لتستشعر بذلك السلوك ولا يكفي مرة في السنة. فالسياسة الأميركية شيء أما الطريقة النبيلة للعمل الديبلوماسي للفاتيكان فشيء آخر تماماً. نعود الى لبنان، ماذا سيحصل؟ يجيب الأيوبي “أبعد من لبنان ستقوم ايران بإعادة التأسيس لعلاقة وطيدة مع داعش وإعادة موجة من “الداعشيين” في المنطقة سيكون للبنان نصيب فيها. ويستطرد: بعيد موت قاسم سليماني حصل اتصال بين قيادة داعش التي ذهبت للتعزية به مع الإيرانيين ومنذ ذلك الحين نشأ ترابط وتنسيق بين الحرس الثوري الإيراني وداعش”.

أمر آخر قد نشاهده بحسب الخبير في شؤون الحركات الإسلامية وهو في حال إستمرار المسار على ما هو عليه فقد نشهد “مزيداً من السيطرة الإيرانية على لبنان كما حصل في العراق وسوريا واليمن. ثمة مخاطر أساسية تدخلنا كمنطقة في العصر الايراني في حال لم تحصل مقاومة سنيّة وطنية. فكل الإهتمام الإيراني اليوم القول ان السنّة لا يصلحون للحكم. بينما الشواهد كثيرة عن ان الشيعة لم ينجحوا يوماً في الحكم. أهل السنة هم من كانوا دائماً أهل الحكم. لذلك ولو حكم الشيعة اليوم، من خلال علاقاتهم التي يؤسسونها مع الاصوليات السنية انما سوف يعودون ويفشلون”.

السنّة بحاجة اليوم على ما يبدو الى “طالبان” ليلعبوا الدور الذي تنازل عنه السنّة الحاكمون. الولايات المتحدة الأميركية بحاجة أيضاً الى طالبان لتكون هناك مواجهة سنية- شيعية وإلهاء الصين بالجوار الجديد. إنها المشهدية المقبلة التي يُصار فيها الى التأسيس الى استراتيجيات جديدة. فلتكن العيون إذاً في اتجاه أفغانستان.