IMLebanon

حكومة احتواء “الارتطام الكبير” بانتظار الانتخابات!

جاء في “اللواء”

في تاريخ لبنان الحديث، وعلى مدى قرن كامل وسنة واحدة، شهد هذا البلد، المتميز بموقع جغرافي فريد، ليس من زاوية حسنات الحوض الشرقي للمتوسط ونقطة الوصل بين الشرق والغرب، بل من زاوية وقوعه عند خط الزلزال والأزمات، منذ قيام دولة إسرائيل، إلى أيامنا هذه. فمن ناحية أكبر خط شرقي يمر عبر سوريا، ومن ناحية الجنوب خط بري مقفل منذ هدنة الـ1949، شهد هذا البلد دورات من الأزمات، أغلبها كان يتأثر بانفصال المشرق العربي عن المغرب العربي مع قيام دولة إسرائيل، وهي كيان غريب عن المنطقة وأهلها، فضلا عن سمة العداء المستحكم الذي تربطه بمحيطه (أي الكيان)، من 1958، إلى 1969، إلى الحروب اللبنانية – الفلسطينية، وحرب السنتين، والحروب المسيحية – المسيحية، من التحرير إلى الإلغاء، وصولاً إلى حروب بيروت الغربية.. قبل اتفاق الطائف..

المدخل، ليس تاريخياً هنا، بل سياسي، فمن الاتفاق على ان لبنان الصيغة والنظام هو تشكّل متأزم منذ أوّل أيام الاستقلال بعد الإنشاء الكياني في 1 أيلول 1920، ثمة حاجة إلى الاتفاق على مسلّمة سياسية كيانية تتعلق بالبلد، وهي استعصاء البلد على الانهيار أو الانعدام أو التلاشي.

من المؤكد ان القدرة على إعادة إنتاج حكومة، تضم الكيانات المشكلة لهذا البلد، هو عمل، يرتقي إلى مرتبة الإنجاز، بصرف النظر على الحسابات والقرارات الموزعة بين الوهم والخطأ والتدليس، والانفصام عن الواقع.

عند تقاطع التدخلات الدولية – الإقليمية بلاعبين جدد أو قدامى، مؤثرين إلى هذه الدرجة أو تلك، أو حتى هامشيين، اعطي الضوء الأخضر، لتشكل الحاكم، والمؤلف بصورة رئيسية من حزب الله والتيار الوطني الحر، الذي قام بينهما تفاهم عام 2006 ومايزال مستمراً..

نجح حلف حزب الله – التيار الوطني الحر من انتزاع فرصة إخراج الحكومة إلى النور، ضمن توازنات، بقدر ما أبعدت الرئيس سعد الحريري عن رئاسة الحكومة، أو الشراكة، في السلطة التنفيذية، أعادت إلى هذه الشراكة الرئيس نجيب ميقاتي، الذي يقف على رأس تكتل الوسط النيابي الشمالي، وكواحد من عتاة نادي رؤساء الحكومات السابقين، المتمرس بالسياسة والدهاء، وعلى بينة من أمر صيغة الحكم في لبنان، بكل مرونتها وتعقيداتها..

ليست المسألة، من نجح ومن فشل في تأليف الحكومة، وبعيداً عن «الشخصنة» و«الجعدنة» يمكن رؤية الموقف على جبهة التأليف ومساراته من زاوية متباعدة، ومغايرة تماماً:

1 – على مستوى دول المركز، لم يكن الاتحاد الروسي واهماً ان دوره مساعد فقط، وأن الكلمة، في ما خص القرار على مستوى الدول الكبرى، يعود إلى الولايات المتحدة الأميركية، التي طلبت من سفيرتها في بيروت دورثي شيا السعي مع النظيرة الفرنسية آن غاريو بفتح المنافذ الدولية المقفلة لتأليف الحكومة..

2 – أدركت إيران، مع الانشغال الأميركي بترتيبات الوضع في آسيا الإسلامية، في إطار إعادة الاعتبار إلى السياسة الأميركية الناشطة في منطقة البحر الهادئ، وتطويق التنين الصيني، العملاق، بعد أزمة الكورونا، التي لم تنتهِ فصولاً بعد، أن اللحظة الإقليمية حانت إلى تهدئة التوتر في منطقة الشرق الأدنى، سواء في العراق أو سوريا وصولا إلى لبنان. كان مؤتمر بغداد الإقليمي الذي شارك فيه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، فرصة لتخطي البحث النووي، وباليورانيوم، والصواريخ البالستية، إلى البحث في كيفية إطفاء نقاط التوتر، ومن بينها لبنان، وهكذا حصل الاتفاق، على إخراج التفاوض الحكومي، من الولادة العسيرة أبو القيصرية، إلى الولادة السهلة، فجاءت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي استقر اسمها مؤخرا، في البيان الوزاري حكومة «معاً للانقاذ»..

إذاً، السؤال الآن إنقاذ ماذا؟

1- إنقاذ الصيغة اللبنانية من الاهتراء.. والصيغة هنا تعني حصراً، ليس نظاماً دستورياً أو سياسياً، بقدر ما تعني التعايش بين المسلمين والمسيحيين تحت سقف صيغة «العيش المشترك» أو الوحدة الوطنية، سواء باتفاق الطائف الذي اعيد الاعتبار له أو بقي عنصر الارتباط الجوهري في انتظام الاجتماع اللبناني، المتعدّد المسارب والنوازع..

2 – إنقاذ الطبقة السياسية، من الهريان الأكيد، في حال استمر الوضع يتآكل، على نحو ما كان يجري، لا محروقات، لا مياه، لا إدارة، لا عمل، لا محاصيل، وبالتالي كتل بشرية تتناحر، تحت سقف «الفوضى» المسيطر عليها، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

3 – ليس من قبيل الصدفة ان يعلن الرئيس ميشال عون ان السنة الأخيرة من عهده ستكون سنة الاصلاح، وتحقيق ما لم يتحقق في السنوات الخمس الماضية..

هنا، يبحث فريق بعبدا، الذي يتولى تمثيل المسيحيين عن خشبة خلاص لتجربته الكارثية في الحكم، بمعزل عن شعارات الإصلاح والنواح أو «النباح» مهما كانت الجراح، جاءت الحكومة تسدّ مثل هذا الطلب أو الفراغ، الذي جعل تيّار الرئيس القوي، يلعب على ضفاف الهاوية، بانتظار «الارتطام الكبير» الذي تمّ تداركه، قبل حصوله..

4 – تمكن حزب الله، الذي حرص الاتحاد الأوروبي على تحميله منفرداً عبء الأزمة التي عصفت بالبلد- انصافاً أو ظلماً- في ابعاد كأس «الارتطام الكبير» عن مشروعه، الذي يتخطى الداخل إلى الإقليم، في عملية تاريخية، على الحزب ان يفصح عمّا يدور في خلده حولها، لجهة احياء المشروع القديم، الذي لم يرَ النور يوماً، وها هو يحقق نجاحات على الأرض، في أكثر من بلد مأزوم في المنطقة.

بدا الحزب ممسكاً بدقة التوازنات: الحفاظ على موقع حليفه المسيحي، ميشال عون وتياره على مستوى القرار التنفيذي في الدولة.. وإعادة فريق الطائف إلى الشراكة، على مستوى السلطة التنفيذية، بحيث يرتفع الغبن أو الاحباط عنه، فشهدت الساحة ارتياحاً، ولو مشوباً بالارتياب، بانتظار النتائج..

5 – في غمرة هذا المناخ، على مستوى قرار المركز (دول المركز) وعلى مستوى قرار الإقليم (الدول الإقليمية ذات التأثير) من وقف «الارتطام» في صيغة الحكم في لبنان.. والعودة إلى نظام التسويات المعروف: لا غالب ولا مغلوب.. فما هو المأمول على هذا الصعيد؟

من المؤكد ان البلد سيلتقط انفاسه، سواء حافظ الدولار على سعر مرتفع أم لا وأن السلع، لا سيما المحروقات، بصرف النظر عن النفط الإيراني، المتدفق عبر صهاريج المازوت إلى مناطق لبنان، ستتوفّر في الأسواق، وأن العام الدراسي  سيستأنف في المدارس الرسمية والمجانية الخاصة، فضلاً عن تجاوز عبء الصحة وكورونا، والأدوية المستعصية..

سقط مشروع الشارع، في حسابات اللاعبين.. وعاد الاهتمام إلى مشروع السلطة الهجينة، بكل قواها ومؤسساتها، في عمل دؤوب سيمضي قدماً إلى الأمام، بانتظار اجراء الانتخابات النيابية في أيّار المقبل (سواء حصل تأخر بسيط أم لا).. لمعرفة مسار المرحلة المقبلة، التي ستشهد انعطافات جديدة، سواء على مستوى إدارة الدولة أو اقتصادها، أو موقعها في نظام الإقليم المتولد، على وقع تفكيك أزمات، واستحداث أزمات.. في منتصف ولاية الرئيس جو بايدن، الذي جاء انتخابه مؤشراً على منحى جديد في النظام العالمي، وارتداداته على كل نقاط الصراعات والأزمات..