IMLebanon

مخرج بحري جديد للبنان؟

كتب وليد شقير في “نداء الوطن”:

إنه عود على بدء في ملف حقوق لبنان في الحدود البحرية، التي تتأرجح بين خط وآخر. فالجانب اللبناني يمارس سياسة دفن الرأس في الرمال في هذه القضية، التي تخضع منذ البداية، لمزيج من المزايدات الداخلية حول من هو الأقدر على تحصيل هذه الحقوق وعلى بيع التنازلات للوسيط الأميركي ليحصل على مقابل لها، وبين الحسابات الخارجية التي تجعل من قضية وطنية سبباً أو حجة من أجل اختراع مزارع شبعا أخرى تبرر الإبقاء على المقاومة بحجة منع تعدي إسرائيل على تلك الحقوق.

النزاع الأخير الذي نشأ بعد أن لزّمت شركة “إنرجين” اليونانية، لشركة “هاليبورتن” الأميركية قبل أيام، حفر 3 إلى 5 آبار في حقلي كاريش وكاريش نورث الإسرائيليين، كانت له مقدمات سبق للبنان أن كان مطلعاً عليها.

منذ أن رسم الوسيط الأميركي السفير السابق فريدريك هوف صيغة تسوية موقتة في العام 2014، سلّم فيها بأن للبنان حقوقاً في منطقة متنازع عليها في البحر، مساحتها 860 كيلومتراً مربعاً، وحسمُ الموقف اللبناني يتأرجح تأجيلاً وتأخيراً. قضت تسوية هوف الموقتة بأن للبنان الحق بزهاء 60 في المئة من المساحة المتنازع عليها، والباقي يبقى قابلاً للتفاوض عندما يكون لبنان وإسرائيل على استعداد لذلك، على ألا تقوم أي من الدولتين بحفر آبار فيها.

على لبنان أن يختار في احتجاجه الذي رفعه إلى الأمم المتحدة أول من أمس، على البدء في حفر الآبار الإسرائيلية، هل هو تعدٍ على حقوقه ضمن الخط 23 (الذي كان أرسل لبنان إلى الأمم المتحدة خريطة به عام 2011 )، أي ضمن نطاق الـ860 كلم مربع أو ضمن نطاق الخط البحري 29 الذي تضمنته الخريطة الجديدة التي طرحها الجيش في مفاوضات تشرين الثاني من العام الماضي في الناقورة والتي تزيد حقوق لبنان قرابة 1430 كلم مربع، والتي رفضها الجانب الإسرائيلي واعتبرها الجانب الأميركي تعديلاً غير معقول لأسس التفاوض. ورأى فيها الرئيس نبيه بري خروجاً على اتفاق الإطار الذي توصل إليه مع الجانب الأميركي وأدى إلى إطلاق المفاوضات التي عادت فتجمدت بفعل الخريطة اللبنانية الجديدة.

الثغرة في الموقف اللبناني كانت أن الرئيس بري توصل في اتصالاته البعيدة من الأضواء مع الوسيط الأميركي إلى اعتراف أميركي ضمني، وبالتالي إسرائيلي بحق لبنان في معظم مساحة الـ 860 كلم مربع. وضمناً هذا ما كان يستبطنه “اتفاق الإطار” مع واشنطن، والذي أعلنه مطلع تشرين الأول 2020، على أمل تثبيت ذلك في جلسات التفاوض التي جرت لاحقاً برعاية أميركية وحضور الأمم المتحدة.

عدم توقيع الرئيس ميشال عون المرسوم 4336 الذي يرفع المطلب اللبناني في حقوقه في المنطقة الاقتصادية الخالصة إلى 2290 كلم مربع (وبالتالي لم يرسل إلى الأمم المتحدة بديلاً عن الخط 23)، جاء كمخرج اعتمده لبنان أثناء زيارة مساعد وزير الخارجية بالإنابة آنذاك السفير ديفيد هيل إلى لبنان في منتصف نيسان 2021، والذي على أساسه تقرر استئناف المفاوضات المجمدة بناء لرفض إسرائيل البحث بالخريطة اللبنانية الجديدة. يومها كان موقف عون بحسب الأوساط السياسية المتابعة لعلاقة العهد المتقلبة مع واشنطن بمثابة “هدية” لديفيد هيل، لعله يسعى إلى رفع العقوبات عن رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل والتي فرضتها وزارة الخزانة وفق قانون ماغنتسكي في 8 تشرين الثاني 2020. وقضى مخرج عدم التوقيع على مرسوم تعديل الحدود البحرية اللبنانية الذي اعتبره هيل موقفاً إيجابياً من الرئاسة اللبنانية لأنه لا يلزم الدولة اللبنانية به، بإبلاغ عون الموفد الأميركي أن خط الحدود الجديد قابل للتفاوض، وأنه يمكن الاستعانة بخبراء دوليين ليكونوا الحكم بين لبنان وإسرائيل، فوعد بنقل الاقتراح لإسرائيل. لكن الأخيرة رفضته وأعطت جواباً حاسماً بأنها غير معنية باقتراح الخبراء الدوليين، وأن شركة “إنرجين” قامت بالحفر في حقل كاريش وأنها قادرة على استخراج الغاز وأنها بدأت إبرام عقود تسويقه.

فالأمم المتحدة التي طلب لبنان منها إذا كان هناك تعدٍّ على حقوق لبنان ستتحقق استناداً إلى الخط 23 وقد تجد تعدياً على مساحة الـ860 كلم مربع التي يعتبرها لبنان ملكه، فهل يكون ذلك مخرجاً جديداً لتكريسه خط الحدود البحرية اللبنانية، ولاستئناف التفاوض على أساسه، أم أننا سندخل في أتون الأخذ والرد مجدداً لإبقاء ثروة البلد الغازية معلقة والتنقيب فيها مؤجلاً؟