IMLebanon

التوازن السياسي والتوازن المالي

كتب ناصر زيدان في صحيفة الأنباء:

أضفت الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة نجيب ميقاتي أجواء تفاؤلية، وأحدثت بعض الارتياح في الأسواق المالية بانخفاض سعر الدولار بما يزيد على خمسة الآف ليرة، كما انعكس التأليف ارتياحا على الأجواء السياسية والأمنية التي كانت مشدودة وتنذر بالانفجار.

والواضح أنه لا ثلث معطلا في تركيبة الحكومة لأي طرف، لكن تصريح اللواء عباس ابراهيم مدير عام الأمن العام الذي كان وسيطا بعملية التأليف لإحدى الإذاعات المحلية، والذي قال فيه: إن الرئيس عون لم يحصل على الثلث المعطل، لكنه حصل على تكريس صلاحية رئيس الجمهورية في تشكيل الحكومة، أثار بلبلة كبيرة، وأعطى إشارة سلبية عن واقع الاختلال السياسي الموجود في لبنان، وأكد على النوايا المضمرة بالسعي للانقلاب على التعديلات الدستورية التي أقرت بعد اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية في العام 1990، والذي عالج مرحليا موضوع النزاع الذي كان قائما حول السلطة التنفيذية، وأناطها بالحكومة مجتمعة، بعد أن كانت منوطة برئيس الجمهورية، واعتمد دستور الطائف على أصول النظام البرلماني الديموقراطي المعمول به في كل أنحاء العالم، حيث الأكثرية النيابية تسمي رئيس الحكومة، وهو من يقوم بمهمة تأليف الحكومة ويتفاهم مع رئيس الجمهورية على إصدار مراسيم التأليف كما جاء في الدستور.

مجريات الأحداث التي سبقت تأليف الحكومة وسط انهيار اقتصادي ومالي غير مسبوق، أكدت على الاختلال السياسي القائم في لبنان، وهذا الاختلال هو السبب الرئيسي للانهيار المالي، لأن لبنان لا يمكن أن يعيش ملحقا بمحور سياسي خارجي محدد، بينما تأسيسه حصل على قاعدة التوازن في علاقاته الخارجية وصداقته مع الشرق والغرب، وعلى متانة روابطه مع كل أشقائه العرب. ومن نافلة القول إنه لا يمكن أن ينهض او يقف على رجليه ماليا واقتصاديا إذا ما كانت علاقاته شبه مقطوعة مع الدول العربية، ومع الدول المهمة على المستوى العالمي.

والتوازن السياسي الداخلي مفقود ايضا، وتركيبة الحكومة تشير الى أن غالبية الوزراء محسوبون على محور الممانعة، حتى ولو كان الغالب على سماتهم الوجه الليبرالي وهم من أصحاب الاختصاص. وهذه الحكومة التي تعتبر المنفذ الوحيد للولوج الى الانقاذ، لم تتشكل إلا بعد استنزاف كل الوقت المتاح للتعطيل، وهي خرجت بتسوية ايرانية ـ فرنسية ربما لم يكن هناك مهرب منها، وقد لاقت ولادتها ترحيبا دوليا ومحليا بعد انتظار لمدة 13 شهرا، ولكنها لم تتلق أي تهنئة من الدول العربية القادرة على مساعدة لبنان ماليا، خصوصا دول الخليج، رغم أن الرئيس ميقاتي متفائل بعودة العلاقات مع هذه الدول الشقيقة الى سابق عهدها، وسيبذل كل الجهد لتحقيق هذه الغاية.

والاختلال السياسي القائم فاقم تهميش دور مكونات لبنانية أساسية. والممارسات الاستبدادية والفوضى والتعطيل، حرمت لبنان من فرص متعددة على المستوى المالي والاستثماري. وتهشيم إدارة الدولة وتضعيف صورتها والتدخلات الحادة في بعض مؤسساتها، كان وراء إجهاض عملية التسريع في الاستفادة من الثروة النفطية، وأدى الى فشل ذريع في إنجاز ملفات ترسيم الحدود البحرية والبرية، واستفادت من هذا الوضع اسرائيل عدوة لبنان، وبعض القوى الإقليمية الأخرى، كما أدت هذه الفوضى الى إعاقة برامج المساعدة التي عرضت على لبنان من البنك الدولي ومن صندوق النقد الدولي ومن مجموعة من الدول المانحة التي اجتمعت أكثر من مرة لهذه الغاية.

هل يتمكن الرئيس ميقاتي وحكومته من استعادة بعض التوازن السياسي والمالي الى الحياة اللبنانية؟ نأمل ذلك. ولكن صحيفة بلومبرغ الألمانية عنونت في مقال لأحد أهم كتابها قائلة: لبنان حظي بفسحة تنفس بتأليف الحكومة، لكن أزمته الوجودية لم تنطو بعد.