IMLebanon

هل التيّار الحاكم متورط فعلًا في تدمير كهرباء لبنان؟!

غداً، تذهب حكومة «معاً للإنقاذ» إلى مناقشة خطط الوزراء في وزاراتهم. الأمر كان عادياً، لو كان البلد في حالة استقرار، سواء في النمو، أو اللانمو، سواء في الإنتاج أو اللاإنتاج.. ومن عادة الخطة أن تبني تصوراً لما يتعين القيام به، إمَّا لتدارك خطر أو معالجة أزمة أو ما شاكل..

أمَّا في بلد، مثل لبنان، تتداعى فيه الإنهيارات على نحو مريع منذ ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وحرب تموز 2006، والنزاعات الداخلية حول المحكمة الدولية، قبل 2008 وبعدها، وصولاً إلى العام 2019، الذي شهد ركوداً في النمو الاقتصادي، وتباطؤًا في تدفقات رؤس الأموال، وضغوطات للحد من العجز الهائل في الميزانية، وصولاً إلى خروج مئات الآلاف احتجاجاً على فرض رسوم على الاتصالات عبر الانترنت في 17 ت1، الذي تحل ذكراه الثانية الأحد المقبل.

فإن متعة هدر الوقت على المناقشات، ووضع الخطط، والزيارات الفارغة من الجدوى، من شأنها ان تعمّق عدم الثقة، وتفاقم الشعور بالخيبة والاحباط، وقطع الأمل من أية معالجة ممكنة.

تنفصل الشبكة الكهربائية بالكامل، ويصير من المتعذر التحكم بها، في ظل انهيار التحكم الإلكتروني والنقص الهائل في توليد المغاواط التي لا يجب تحت أي اعتبار ان تنقص عن الـ500 ميغاواط، حسب الخبراء والمعنيين، ومع ذلك، ما تزال الطبقة السياسية، تتنفس وتشهد، وتتحسر، وتعلن عن بطولات لمعالجة الوضع..

في وضع كهذا، تهدر حكومة «معاً للإنقاذ» الوقت، في تقطيع الوقت، عبر أوهام وأحلام ظناً منها انها قادرة على «دغدغة عقول اللبنانيين» وإقناعهم بأن عليهم ان ينتظروا ليروا، وأن الوقت غير كافٍ للحكم على الحكومة، على طريقة «قديش إلك بالقصر.. من مبارح العصر».

جاء في صحف يوم أمس الأحد: حصل الإنهيار الكهربائي وشملت العتمة مختلف الأراضي اللبنانية، لكن الجيش أنقذ الموقف لبضعة أيام من خلال كمية المازوت التي قدمها لمؤسسة كهرباء لبنان بانتظار المعالجات الدائمة بدل الترقيع (الحوار نيوز).

دعنا من التعليقات التويترية التي لا تسمن ولا تغنى من جوع، ودعنا مما قاله وزير الطاقة العائد من رحلة البحث عن الغاز والكهرباء، بين دول خط الغاز العربي، الذي سمح الأميركيون بإعادة إحيائه، لمحاصرة خط الغاز الروس إلى أوروبا، ولكن من دون أن يؤدي هذا الاحياء إلى فك «الحصار القيصري» (نسبة إلى قانون قيصر، المتضمن لعقوبات أميركية ضد سوريا) أو إلى تطبيع العلاقات معها، أو حتى مع إيران، الحليفة لها، والباحثة عن موطىء قدم ثابت في الرمال اللبنانية، عبر الإغراء للاستفادة من عروض معامل توليد الكهرباء، حتى لو اعترض عليها النائب السابق وليد جنبلاط.. (وتويترياً أيضاً).

ولنذهب للتو إلى صلب المشكلة: المشكلة ما هي: طوابير من البنزين، تنتهي قبل رفع الدعم وبعده إلى زيادة سعر صفيحة البنزين لأكثر من 10 أضعاف، وسط تأكيدات مافيا المحروقات، الممثلة بصورة ظاهرة بالتحدث باسم الشركات وأعضاء تجمع أصحاب الشركات والمحطات والتي تُعنى بالتوزيع أو البيع، بأن على اللبنانيين ألَّا يطمئنوا لأمر في سوق البنزين، فالطوابير جاهزة بمجرَّد إشعار بإقفال المحطات، كما درجت العادة بانتظار أسعار الجدول من وزارة الطاقة.. إذاً: المشكلة في جانب منها في وزارة الطاقة؟!

عن المازوت، حدّث، ولا حرج، فالتنكة 20 ليتراً، تباع بالدولار، حسب التسعيرة العالمية، والطن إلى ارتفاع مفتوح على أسعار الخارج والداخل.. والمشكلة في جانب منها في وزارة الطاقة..

فماذا عن «قارورة الغاز»؟ هي الأخرى رهن مزاجية أصحاب الشركات، والاتجاه للتسعير بالدولار، بعدما قفزت في أقل من أشهر أسعار القوارير من 15 إلى 50 إلى 90 ألفاً إلى 200 ألف، والخير لقدام 300 ألف، وربما أكثر.. والمشكلة في وزارة الطاقة أيضاً..

من الكهرباء المهددة بالانقطاع الشامل إلى المحروقات التي حرقت الرهان على الحكومة، وقضت على بصيص تفاؤل بإمكان التقاط الأنفاس المشكلة في وزارة الطاقة.. فلا المازوت الإيراني حلًّ المشكلة، ولا الفيول العراقي جعل اللبنانيين يهنأون بساعة أو ساعتين من الكهرباء، ولا حتى سلفة، القرض 100 مليون دولار.. ولا حتى الأموال العاجلة التي جبتها المؤسسة (3 أشهر دفعة واحدة) وما تزال تجبيها من كافة المناطق، وفي مقدمها العاصمة التي تخضع لأبشع أنواع القهر، وهي التي لم تتخلف يوماً عن دفع ضريبة أو فاتورة، أو موجبات بلدية..

إذا كانت المشكلة في الكهرباء التي أكلت أكثر من نصف الدين العام (45 مليون دولار وربما أكثر)، والتي يُصرّ صندوق النقد الدولي على اعتبار اصلاحها في سلّم الأولويات فإن المسألة بسيطة، لتضع حكومة «معاً للإنقاذ» المشكلة على الطاولة.. وتعقد خلوة أو خلوتين أو مائة لإيجاد خارطة طريق.. تبدأ بساعة كهرباء» على طريقة «ضوي شمعة بدل ان تلعن الظلام»، وعلى طريقة الدّاعي إلى خطوة عملية واحدة بدل دزينة من البرامج (وردت هذه العبارة على ما اذكر في كتيب بعنوان: نقد برنامج غوتا لماركس أو انجلس)..

اضاء الجيش اللبناني شمعة ولم يلعن الظلام.. المشكلة عندكم، أيها القيّمون على وزارة الطاقة، (وكل الطاقات وهو تعبير دأبت على استخدامه الدعاية العونية للترويج إلى المؤتمرات التي عقدتها في السنوات الماضية).

المشكلة، قبل الوزير الحالي، الذي همَّه أن يتبرأ من «دم العتمة»، من مدير عام المؤسسة، ومن مديرية المنشآت النفطية، ومن سائر الطاقم الإداري والهندسي والاستشاري المشرف على الوزارة..

تبدأ المعالجة من هنا، من الإدارة التي عليها ان تجيب بلغة الأرقام، أو ليعلم الرأي العام بالذي يجري أو جرى أو سيجري.. فالمواطن الذي يُعاني الأمرَّين من جرّاء أزمات انقطاع الكهرباء التي أتت بالمولدات، ورفعت أسعار كل مستلزمات الاستفادة من الكهرباء، من الواجب ان يعلم علم اليقين ماذا يحصل.. وأين تكمن المشكلة.. هل في الادارة، هل في التيار الوطني الحر، الذي يتمسك بالاحتفاظ بهذه الوزارة، ناهيك عن وعوده- منذ العام 2005؟! وسط أسئلة مشروعة، تضع تمسكه في دائرة الشبهة من البواخر إلى كارتلات النفط، إلى الثروة الدفينة في البر والبحر..

هل المشكلة في ضغوطات السفارة الأميركية، لتبقى الأزمة تقضّ مضاجع الطبقة السياسة، ومعها حزب الله، عشية التحضير للانتخابات المصيرية بين 27 آذار (الموعد المبدئي غير الرسمي) و8 أيار الموعد الرسمي، وفقاً لوزارة الداخلية..

لا يحق للتيار الوطني الحر، أو رئيسه، ان يتباهيا بأنهما وظفا الأنصار والمحازبين مثلما فعلت قوى أمر واقع أخرى، من ميليشيات الهيمنة، ووضع اليد على مقدرات البلد والعباد، على التيار الوطني الحر ان يجيب، قبل التوجه إلى صناديق الاقتراع عن هذا، السؤال: وعد بـ 24 ساعة كهرباء عام 2015، الذي حصل 24/24 عتمة عام 2021؟! فما هو السبب في ذلك؟

ومن حق المرء ان يفترض ان التيار الوطني الحر هو يدير عملية تخريب الكهرباء، لغرض في نفس يعقوب، أو فليتحدث عن الموقف صراحة، وبالأرقام، قبل أن يصبح المتهم الوحيد الذي لا يمكن الدفاع عنه!

انتظر اللبنانيون الترياق من العراق.. فوصل متأخراً، ولم يكفِ، فما وصل اليسير منه (مع الشكر حكماً).. وهم ينامون على حرير وعود الغاز المصري والاستجرار الكهربائي من الأردن عبر سوريا.. في الأشهر المقبلة من السنة المقبلة؟!

على حكومة الرئيس ميقاتي، للحفاظ على الصدقية، بأن تضع يدها على الملف بكامله، بدءاً من إقالة إدارة الطاقة والكهرباء، إلى خطوات عملية ثابتة، ومهما كانت.. والكف عن التلهي بالكلام الأنيق، ولو عبّر عن تأثر أو تضامن.. فالكهرباء أهم من الانتخابات، وكل الاجندات الأخرى؟!