IMLebanon

“تغييريّو” الجنوب بين معارضة “الحزب” ورفض “مُتطرفي الخارج”

كتب عمار نعمة في “اللواء”:

إنها المهمة الأصعب اليوم في التغيير الذي تتصدى له قواه في الجنوب، من معارضين وحراكيين، في انتظار استحقاق الانتخابات النيابية المقبلة.

ذلك ان تلك القوى لا تخوض مواجهة فقط لخرق سيطرة ثنائي «حزب الله» وحركة «أمل»، هما اللذان أخذا يستعيدان منذ فترة ما خسراه في بيئتهما الشعبية منذ الايام القليلة لانتفاضة 17 تشرين الاول 2019، بل ان تلك القوى المنظمة في تيار اليسار في الجنوب في شكل رئيسي، تواجه أيضا مزايدات تيار متعدد المشارب يقف على يمين «الثورة» ويدعو الى مواجهة مفتوحة مع «حزب الله» ونزع سلاحه.

تجدر الملاحظة هنا ان الغالبية العظمى لمجموعات وشخصيات الحراك هذه والتي انضوت في تحركات مناطق النبطية وصيدا وصور في شكل رئيسي اضافة الى بلدات أخرى، هي التي رفدت تلك التحركات بجماهيرها معززة ما سبقت به بعض تلك القوى استحقاق 17 تشرين، عبر تحركات ونشاطات على الارض وترشيحات انتخابية تسبق حتى استحقاق انتخابات العام 2018، ويعود بعضها الى مرحلة تسعينيات القرن الماضي.

وهي بذلك تُعَدُ امتدادا سلميا ليسار تاريخي معارض، يتراجع يوما بعد يوم من دون أن يخمد، لقوى السلطة الممثلة بـ»أمل» واحزاب اخرى بداية الأمر، ثم «حزب الله» الذي بات رافعة لتلك القوى السلطوية التي من غير الممكن اليوم ان تحافظ على سلطتها من دون دعمه.

كان ذلك واضحا في الاستحقاقات الانتخابية الماضية، انتخابية وبلدية، وصولا الى هذه اللحظة التي تحمل ذروة حشد المعترضين والمتذمرين والمتضررين من الثنائي الذي، في المقابل، يستفيد من خلافات المعترضين وانقسامهم المحتمل في الانتخابات المقبلة، ولعل عنوان سلاح المقاومة هو العنوان الرئيسي لهذا الخلاف.

بين الاستراتيجية الدفاعية و«حصرية» السلاح

والحال ان هذا الموضوع قد اتخذ، ولا يزال، نقاشات واسعة وطويلة وجديّة بين معارضي «حزب الله» وسط وجهتي نظر: أولى، وهي الغالبة بين مجموع المعارضين والحراكيين وهي تخرج في الغالب من بيئة مقاومة ولا تعارض خيار المقاومة من حيث المبدأ كونه الخيار الذي سبق بعض تلك القوى مثل «الحزب الشيوعي»، «حزب الله»، إليه، تُفرق بين معارضة «حزب الله» والانخراط في مشروع لبناني مقاوم. ذلك ان المقاومة هي حق للبنان لا يجب الاختلاف عليه، بينما يُمثل الحزب قوة يختلف اللبنانيون حولها. وهنا تبرز مصطلحات مثل مرجعية الدولة التي عليها حماية لبنان وإدارة العلاقات الخارجية، من دون الحديث عن «حصرية» مؤسسات الدولة في السلاح.

وبذلك تخرج الدعوة الى معالجة موضوع المقاومة بعقلانية، حفظا لسلم لبنان المجتمعي والسياسي، على ان تخرج المقاومة من «مذهبيتها». وبذلك يطرح هؤلاء موضوع الاستراتيجية الدفاعية، التي لا يعارضها «حزب الله» نفسه، أقله علناً، ومعالجة الموضوع بعقلانية على طريق إنتاج خطاب وطني جديد في هذا الشأن لا ينتقص من الدولة ولا يتنازل عنها.

في المقابل، تنتقد وجهة النظر الأخرى تلك الأولى كونها تتماهى مع خطاب الحزب، وحتى تحضر اتهامات لها كونها تشكل حصان طروادة للحزب في الجنوب، خاصة وان «الشيوعي» يتماهى مع كثير من مواقف «حزب الله»، ولكنه ايضا يعارضه بالكثير منها خاصة في دوره في حماية المنظومة السياسية. وتستمد وجهة النظر هذه زخمها من قوى معارضة ومخاصمة وحتى معادية للحزب من خارج الجنوب وتلقى بعض الصدى داخله من قوى تحمل مخاصمة تاريخية لـ»حزب الله»، وتقول في شكل راديكالي بـ«حصرية» السلاح بيد الدولة اللبنانية، أي بمعنى آخر، نزع سلاح الحزب.

والمسألة هنا لا تقتصر على صعوبة الطرح الثاني وحتى استحالته، بل في ان ذلك، حسب وجهة نظر اليسار في الجنوب ومعه الحراكيون المجنيون الذين لم يتركوا الارض منذ نحو عامين، يفيد الحزب نفسه والذي بات يستفيد من ظهور شعارات في الحراك يصنفها كثير من الجنوبيين في صف التماهي مع اعداء الحزب ضمن وجهة نظر اميركية وحتى اسرائيلية تريد «محاصرة المقاومة». وبهذا الواقع سيُقدَر لمعارضي الثنائي في الجنوب جميعا عدم التوحد وراء وجهة نظر يخوضون الانتخابات عبرها، وهذا الامر دفع الى ارتفاع وجهة نظر تقول بانفصال اليسار والحراك المدني عن متطرفي المعارضة بوصفها خارجة عن البيئة الجنوبية ومُورِّطة للحراك بمواقف لا طاقة له على تحملها.

وتتجه النية لتوحد جهود «الشيوعي» والشخصيات اليسارية والأخرى المدنية مع قوى جنوبية مؤمنة بخيار المقاومة وان كانت معترضة على أداء «حزب الله» مثل رئيس «التنظيم الشعبي الناصري» أسامة سعد وغيره من شخصيات وطنية وعروبية لتشكيل جبهة يأمل صائغو هذه الفكرة ان تتبلور لتخوض معركة موحدة في استحقاق الانتخابات.

دور «نحو الوطن»

وفي جانب «مُتطرفي» الاعتراض، فهم ما زالوا يقتصرون على شخصيات مؤيدة من قبل احزاب لبنانية تقف على يمين الحراك، مثل «الكتائب» و«القوات اللبنانية»، وبعضهم يحتفظ علنا بيساريته التي تتمايز عن «الشيوعي» بعدائها لـ«حزب الله»، بينما يتهم حراكيون هؤلاء مثل «نبض الجنوب» وغيرهم، بتلقي دعم من مجموعة برزت مؤخرا تحت عنوان «نحو الوطن»، ذات قدرة مالية كبيرة «إغترابية» باتت قادرة على التمدد في كل المناطق وشرعت في اعلانات انتخابية وصلت الى الجنوب.

على أن هذه المجموعة الجديدة يتهمها كثيرون بالتعاطي الفوقي مع مجموعات الحراك. ولا ينفي ناشطون فيها أنها تريد دعم لائحة موحدة ذات مقاعد تغطي عدد اعضاء مجلس النواب وانها شرعت في تقييم كل مجموعة ومدى قدرتها الشعبية وكفاءتها، ما أثار حساسية لدى مجموعات في الحراك في بيروت وغيرها، ترى في أداء «نحو الوطن» أبوّة غير مبررة على المجموعات والشخصيات التي انخرطت في 17 تشرين منذ أشهر طويلة، ناهيك عن غموض في التمويل والاهداف لدى «نحو الوطن» يعرقل التفاهم المفترض بين تلك المجموعة وتيارات الحراك الرئيسية.