IMLebanon

ضريبة زيادة الرواتب والأجور “ستُقتلع” من قلب الاقتصاد

كتب خالد أبو شقرا في نداء الوطن:

العمال والموظفون يطالبون بزيادات على الرواتب والأجور، وهذا حقهم؛ والمسؤولون يوعدون باطلاً. فانطلاقاً من المثل القائل “من غير كيسك يا مذري ذري”، يواصل الوزاراء “إغراء” أصحاب المداخيل المحدودة بمبالغ لا “تُسمن ولا تغني عن جوع”، لكي يستمروا في تسيير المرافق، خصوصاً العامة منها. “قوة القلب” هذه، لا تستند على نمو اقتصادي أو وفر في الموازنة العامة، إنما على حقوق السحب الخاصة SDR التي حصل عليها لبنان مؤخراً.

من دون إعطاء الأولوية للحل الأساسي الشامل، وبتجاهل للعوامل التي تؤدي سريعاً إلى امتصاص الزيادات الموعودة، وبالتالي عودة الاضرابات والاحتجاجات، غرق المسؤولون بعمليات التصحيح الفردية للرواتب والأجور.

الوعود مجانية

وزارة التربية وعدت بدفع نصف أساس الراتب شهرياً لكل أستاذ، ورفع بدل النقل إلى 60 ألف ليرة، وتقديم منحة مالية شهرية للأستاذ والمدرس المتعاقد. كلفة الزيادات الشهرية على الرواتب وبدل النقل لنحو 41458 استاذاً بمتوسط دخل 2 مليون ليرة تبلغ حوالى 43 مليار ليرة أو 515.5 ملياراً سنوياً. وزارة الأشغال وعدت السائقين العموميين بصفيحة بنزين يومياً بسعر 100 ألف ليرة للسيارات العمومية، وصفيحة ونصف بنزين للميني باص، وصفيحتي مازوت للاوتوبيس والشاحنات بسعر 70 ألف ليرة، بالإضافة الى مبلغ 500 ألف ليرة شهرياً بدل صيانة وقطع غيار. كلفة الدعم هذه ستكون باهظة لسببين: الأول، عدم وجود حدود لارتفاع أسعار البنزين، وبلوغ الفرق حالياً نحو 150 ألف ليرة. الثاني، وجود 41 ألف لوحة، تنقسم بين 34 ألف لوحة للسيارات و7000 لوحة للباصات. بدورهم يطالب عمال المستشفيات الحكومية بتصحيح رواتبهم ودرجاتهم، ومنحهم زيادة على الراتب بما يتلاءم مع انخفاض قيمته الشرائية، بسبب تقلب سعر الصرف والارتفاع الجنوني لأسعار السلع والخدمات، وزيادة بدل النقل ليوازي ثلث قيمة ثمن صفيحة البنزين الرسمية وجعله قيمة متغيرة تبعاً لتغيرات سعر الصفيحة. ومن غير المستبعد أو يعدهم وزير الصحة بذلك لكي يفكوا إضرابهم.

نحو الكساد

لائحة المطالب تحت التهديد بالاضراب وشل البلد والمؤسسات تطول، و”المسؤولون ما زالوا يهربون بالحلول إلى الأمام وصولاً للانتخابات النيابية”، يقول عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي د. أنيس بو ذياب، و”كل ما يقدمونه في ظل هذه الظروف غير المستقرة هو عبارة عن حقن مخدرة، تنفخ الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية وتساهم بتكبير التضخم وليس تحريك عجلة الاقتصاد”. والأخطر من وجهة نظر بو ذياب هو “امكانية أن تؤدي الزيادة غير المدروسة في الأجور المتزامنة مع الركود التضخمي إلى المزيد من تراجع الانتاجية وصرف العمال في المؤسسات وبالتالي دخول البلد مرحلة الكساد”.

الشعبوية لا تبني الاقتصاد

في الوقت الذي يتسم فيه المشهد السياسي والأمني بالكثير من الضبابية إن لم نقل السوداوية، يتحرك الدولار صعوداً بسرعة قياسية. فمن بعد انخفاضه قبل شهر إلى حدود 13 ألف ليرة ارتفع اليوم إلى 22 ألفاً، وقد يصل قريباً جداً إلى 30 ألفاً. في المقابل تراجع عدد العمال في القطاع الخاص بظرف أعوام قليلة بنسبة 40 في المئة، منخفضاً من 1.3 مليون عامل في العام 2018، إلى ما بين 600 و700 ألف اليوم. ومع هذا لم يتوان ممثلو العمال في القطاع الخاص بالمطالبة برفع الحد الأدنى إلى 7 ملايين ليرة.

وعلى الرغم من تراجع القدرة الشرائية لليرة اللبنانية منذ العام 2019 بنسبة 93 في المئة، وارتفاع الأسعار بنسبة 677 في المئة، فان “الرقم المطروح غير منطقي”، من وجهة نظر بو ذياب، و”العمال لن يستفيدوا إذا قاربنا الموضوع عاطفياً وليس عقلياً. فالنمو المقدر في موازنة 2022 هو بحدود (-10.5%) وأي زيادة في الأجور في ظل هكذا مستويات سلبية قد تكون قاتلة”. وإن كان ليس من المطلوب انتظار تحقيق نمو إيجابي بمستويات 3 و4 في المئة، فـ”اقله تخفيض النمو السلبي إلى ما فوق (-5)، للبدء بتصحيح الأجور بما يفيد تنشيط الدورة الاقتصادية وتحريك الاستهلاك والانتاج”، يضيف بو ذياب. “أما بالنسبة إلى القطاع العام فمن غير الممكن رفع الرواتب من خلال موازنة العام 2021 لانها لم تقر بعد، وإيرادات الدولة متراجعة وهي لا تكفي حتى لتأمين الرواتب الحالية من دون الزيادات”.

الإتكال على SDR

التسليم جدلاً بمعرفة المسؤولين بحقائق الأرقام والوقائع الاقتصادية، والتكهن بعلمهم بحتمية فشل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي تأخذنا إلى السؤال البديهي: من أين ستموّل الزيادات؟ والجواب بسيط، “من حقوق السحب الخاصة SDR التي حصل عليها لبنان بقيمة 1139 مليون دولار. وبما يتناقض تماماً مع الشفافية المطلقة واستعمال المبالغ لخدمة الاقتصاد كما وعد رئيس الحكومة عند تسلم الأموال. فتوزيعها كـ”رشاوى” إنتخابية قبل الاستحقاق النيابي المفترض حصولها بعد أشهر قليلة، لا يخدم الاقتصاد”، برأي بو ذياب.

وعدا عن “تبخرها” بسرعة قياسية، فهي ستنعكس سلباً على الاقتصاد المأزوم. خصوصاً إذا صرفت بالليرة اللبنانية. وذلك على العكس من استخدامها في مشاريع منتجة كـ”ايجاد حل مستدام لأزمة الكهرباء”، يضيف بو ذياب، “إنما مع هذه السلطة فان الخشية لا تقتصر على حقوق السحب الخاصة، انما على الذهب أيضاً. إذ من غير المستبعد تسييله في “آتون” فشل الخطط والسياسات ومعارك كسب الوقت”.

أكثر من أي وقت مضى مطلوب اليوم من السلطتين السياسية – المالية المتمثلة بوزارة المالية، والنقدية المتمثلة بمصرف لبنان حماية حقوق لبنان من وحدات السحب الخاصة، والتصرف تجاهها بشفافية مطلقة. وذلك من خلال توظيفها بما يخدم الاقتصاد وليس المصلحة السياسية لبعض الاطراف.