IMLebanon

 ما مصير البيطار؟

جوني فخري – “العربية”:

لم يكتفِ حزب الله بالتهديدات التي وجّهها مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا، بـاقتلاع المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، لاتهامه بأنه مُسيّس ويعمل باستنسابية” على حدّ قول زعيمه حسن نصرالله، بل ذهب بعيداً في تصعيده واضعاً لبنان أمام معادلة “الأمن والاستقرار أو كفّ يد المحقق العدلي عن التحقيقات”.

انتفاضة قضائية

لكن يبدو أن الإطاحة بالمحقق العدلي طارق البيطار ليست نزهة، لاسيما وأنه بمواجهة أشبه بـ”انتفاضة قضائية” شكّلت فيها محكمة التمييز رأس حربة من خلال ردّها ثلاث دعاوى كفّ يد قدّمها وزراء (حلفاء حزب الله) مدّعى عليهم في تفجير المرفأ في 4 أب الماضي الذي ذهب ضحيته أكثر من 210 ضحايا وآلاف الجرحى.

معركة حزب الله الأساسية

وقال السفير اللبناني السابق هشام حمدان لـ”العربية.نت” “إن حزب الله يعتبر أن القاضي طارق البيطار أصبح معركته الأساسية، وبالتالي لا يُمكن التراجع عن خوضها، وإذا لم يتم تنحيته فمعناه أنه فشل وهذه ستكون صفعة قوية له”.

كما أكد أن هذا الملف لم يعد مسألة عدلية وقضائية وإنما سياسية، وحزب الله وحلفاؤه باتوا يعتبرون أن هناك جبهة تُحمّلهم مسؤولية ما حصل في مرفأ بيروت.

أدان نفسه في الطيّونة

إلى ذلك، اعتبر أن الثنائي الشيعي حزب الله و”حركة أمل” أدان نفسه بما حصل في أحداث الطيّونة.

كما رأى أن العدالة الحقيقية لن تتحقق إلا بالذهاب نحو المطالبة بتحقيق دولي.

وقال “إذا نجح حزب الله في معركة طارق البيطار فإن الخاسر الأكبر مسيحياً سيكون حليفه التيار الوطني الحر، من هنا أهوَن الشرور بالنسبة للتيار فكّ تحالفه مع الحزب”.

كرة النار في ملعب الحكومة

وشكّلت الحكومة منذ أيام مسرحاً للصراع السياسي حول المحقق العدلي، حيث هدد وزراء الثنائي الشيعي ومعهم حليفهم “تيار المرده” بالانسحاب منها إذا لم تجد حلّاً لبيطار وتكفّ يده عن التحقيق، وذلك في ترجمة لمطالبة نصرالله مجلس الوزراء ومعه مجلس القضاء الأعلى بمعالجة قضية القاضي، لأن عمله مسيّس على حدّ تعبيره.

ليبقى دعوى الارتياب المشروع المقدّمة من وزير الأشغال العامة والنقل السابق يوسف فنيانوس أمام محكمة التمييز بانتظار البتّ بها، وهي الدعوى التي أطاحت بالقاضي السابق فادي صوّان في فبراير الماضي والتي قدّمها المدّعى عليه الوزير السابق غازي زعيتر.

ومع أن لا خيارات قانونية للحكومة بحسب الخبراء، لأنها ليست الجهة الصالحة بالنظر في قضية قضائية انطلاقاً من مبدأ فصل السلطات، غير أن الضغوط التي يُمارسها حزب الله عليها ستدفعها إلى تلقّف كرة النار ومحاولة إيجاد مخرج لما يجري.

مخرج سياسي

وفي هذا الإطار، أوضح الرئيس السابق للمجلس الدستوري القاضي عصام سليمان لـ”العربية.نت”، “أن رمي الكرة في ملعب مجلس الوزراء معناه التفتيش عن مخرج “سياسي” للقضية وليس مخرج قانوني، وهذا يعني وضع حدّ لسير العدالة في انفجار مرفأ بيروت والالتفاف على التحقيقات”.

كما أكد أن “القاضي طارق البيطار لم يُعيّن بمرسوم اّتخذه مجلس الوزراء بل بقرار من وزيرة العدل آنذاك ماري كلو نجم، وبالتالي لا صلاحية له بإقالته، لكن إذا اتخذ قراراً بسحب القضية من المجلس العدلي وإعادتها إلى القضاء العادي فهذه ستكون سابقة خطيرة، لأنها ستثبت تدخّل السلطة السياسية بشؤون السلطة القضائية ومنعها من ممارسة مهامها ما يُشكّل ضرباً لمبدأ فصل السلطات”.

تدخّل سافر

إلا أنه أسف “لأن المسار الذي تسلكه قضية تفجير المرفأ ينحرف بالاتّجاه السياسي، وبالتالي فإن المخرج سيكون بالسياسة وهذا يُعدّ تدخّلاً سافراً بعمل السلطة القضائية”.

وفي حال نأت الحكومة بنفسها عن القضية لتجنّب تفجيرها بفتيل تحقيقات المرفأ، فإن الخيار سيكون في اتّجاه مجلس القضاء الأعلى الذي وضعه أمين عام حزب الله في خانة من عليهم “إيجاد حلّ للمحقق العدلي”.

مجلس القضاء الأعلى

ومع اكتمال أعضاء مجلس القضاء الأعلى برئاسة القاضي سهيل عبّود، فإن استبدال القاضي البيطار يحتاج إلى الأكثرية العادية (أي 5 أصوات من أصل ثمانية) بالتوافق مع وزير العدل، غير أن هذا الخيار مُستبعد بحسب مصادر قضائية، “لأن المجلس يدعم ما يقوم به المحقق العدلي”.

ولفتت المصادر إلى “أن المخرج القانوني للقضية قد يكون في مجلس النواب من خلال إحالة الملف إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، ما يعني “تنازع اختصاص إيجابي” أي وجود محكمتين تعتبران أنهما صاحبتي اختصاص بملف واحد”.

وبالعودة إلى الحكومة ومصيرها، قالت مصادر مقرّبة من القصر الجمهوري لـ”العربية.نت” “إن وزير العدل (الذي التقى رئيس الجمهورية ميشال عون أمس) بالتنسيق مع المحقق العدلي، يعالج القضية عبر مجلس القضاء الأعلى بعدما اكتملت التعيينات فيه، وهو المكان الطبيعي لمعالجة ما حصل انطلاقاً من مبدأ فصل السلطات”.

كما أشارت المصادر إلى “أن مجلس الوزراء لا يستطيع اتّخاذ قرار بحقّ المحقق العدلي انطلاقاً من مبدأ فصل السلطات، لذلك فإن المعالجة تتم عبر المؤسسة المعنية بالقضاة”.

وأوضحت “أن الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي لن يوجّها الدعوة إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء الآن إفساحاً في المجال للمعالجات القضائية لتأخذ مجراها”.