IMLebanon

أهالي الشياح-عين الرمانة: نريد حياة سالكة آمنة

كتبت رحيل دندش في الأخبار:

يوم الخميس 14 تشرين الأول 2021 تسممت الأجواء في لبنان.

«ميني حرب» أهلية هي تلك التي تبعت كمين الطيونة، الخميس الماضي، وأعادت اللبنانيين، خصوصاً سكان خط عين الرمانة – الشياح، 30 سنة إلى الوراء في بضع ساعات. ساعات يكافح كثيرون من هؤلاء لتخطيها وكأنها لم تكن، وتجاوز هذا القطوع كما تجاوزت المنطقتان قبله قطوعات عدة. فلا أحد، هنا، يريد الحرب في بلد يعيش واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية.

من بعيد، تبدو عين الرمانة الشياح كخطين متوازيين لا يلتقيان. لكن الصورة عن قرب ليست بهذه السوداوية. التداخل السكاني في المنطقتين بعيد كل البعد عن هذه القسمة، وعن كل كلام عن «النقاء المذهبي».

الشائع، في سياق التنكيت السمج، أن الطائفية قد تفرق بين أهالي «خطوط التماس»، لكن «الكأس تجمعهم». لكن ما يجمع المنطقتين أكثر من المشروبات الروحية الذي تتيحه عين الرمانة لمن يستهلكه من المسلمين، على ما توحي به «النكتة». فـ«هناك تزاوج وجيرة وحياة يومية ومصالح تجارية وغيرها كثير مما يجعل هناك استحالة لأن تعيش منطقة من دون الأخرى»، بحسب طبيب القلب إيلي بيطار الذي يؤكد أن «الغالبية الساحقة من الناس ترفض المجزرة التي حصلت… لكن زعماء الطوائف لا ينتعشون بغير الدم».

«المتاريس مزيفة»، يقول بيطار، ففي غرفة العمليات في مستشفى جبل لبنان، يعمل فريقه المكوّن «من 13 مسلماً وثلاثة مسيحيين في خدمة المرضى من دون أن يخطر ببال أحد التطرق للانتماء الطائفي للآخر». لكن ما جرى، كما يشرحه بيطار، «يشبه أن تنجح 99 عملية جراحية وتفشل واحدة يموت فيها المريض. الناس لن يتحدثوا إلا عن الفاشلة. والأمر نفسه ينطبق على ما جرى عندما يُقال إنه يعبّر عن مزاج عام يريد التقسيم».

«نحنا أهل»، يقول رئيس نقابة أصحاب المؤسسات والمحال التجارية في بيروت وجبل لبنان سليم ضيا. ويضيف: «كثير من أولادنا موجودون في مدارس عين الرمانة، وهم يأتون إلى الشياح والغبيري لشراء احتياجاتهم اليومية، وأسواق الشياح تستقطب الناس من دون أن يعنيها طائفتهم. هنا الكل يستفيد ويجد ما يناسبه من سلع وخدمات وكراجات لتصليح السيارات»، من دون أن ينفي أن الأجواء اليوم لا تزال مسمومة ومتشنجة، «فهذه الجولة من القتال مختلفة ولم يجر احتواؤها بعد. النفوس لا تزال محتقنة، لذلك لا تزال المدارس مقفلة، وبعض العمال لا يذهبون إلى أعمالهم. لكن سرعان ما تهدأ الأوضاع وتعود إلى طبيعتها لأننا معودين على هالقصص وبالنهاية ما فينا نعيش بدون بعض».

لا إحصاء للعمال الذين يتنقلون بين المنطقتين أو إلى مناطق أخرى. لكن العمال والموظفين في المختبرات وفي محلات الألبسة ومن أصحاب المؤسسات الصغيرة إلى المتوسطة «مختلطون وتكاد تتناصف أعدادهم» بحسب رئيس بلدية الشياح إدمون غاريوس.

بعض أصحاب المصالح في المنطقة وعلى الخطوط التي تعرضت لنيران الأسلحة الرشاشة منزعجون من المتاريس التي وضعها الجيش. الإنكار هو الطاغي على كثيرين ممن لا يريدون التركيز على ما حدث ويستعجلون استئناف معيشتهم على أساس أنها «جولة ومرقت». لكن سد المنافذ بالأسلاك والباطون لا يوحي بأن الأمور عادت إلى طبيعتها: «عملوا جدار فصل متل اللي موجود بالضفة شو إلو طعمة هالجو؟»، يقول صاحب أحد المحال على طريق صيدا القديمة، فيما يؤكد أحد التجار في عين الرمانة أن الحديث عن تربص وتهديدات «كله كلام فاضي. ما حدا بياكل حدا. هون الناس بتعرف بعضها وعم تركض وراء لقمة عيشها ولا تعنيها هذه الأجواء. اللي عملوا المعركة غرباء عن المنطقة».

وهذا ما يؤكده، أيضاً، صاحب نادي fit stop الرياضي في عين الرمانة جورج صايغ، مشيراً إلى أن «زبائني من مختلف الانتماءات. اشتغلت سبور لأهرب من السياسة، الناس عندها قصص أهم تفكر فيها لأنه أنجأ تاكل وتشرب مش بالها بالحرب». أما مسؤول نادي good life fitness فيؤكد أن ما حدث «أثر بطبيعة الحال على الإقبال إلى النادي. ما حدا إلو نفس ويجب أن ننتظر أسبوعاً آخر لتتضح الصورة».

كثيرة هي الفضاءات المشتركة التي تستقطب أهالي المنطقتين كالنوادي الرياضية ومتاجر الثياب والأسواق الشعبية والمولات والملاهي الليلية والمصانع والمدارس. كلها اليوم تشهد ترقباً، لذلك، «كثيرون من الجهتين لم يعودوا بعد إلى حياتهم الطبيعية وبعضهم لم يعد إلى منزله. لكأننا في نصف نهار خسرنا 30 سنة من العمل على نزع فتائل الحرب»، بحسب غاريوس. لكن كل هذا «مؤقت وعابر والأغلبية لا تريد الحرب».