IMLebanon

عن العجز المستفحل والخيارات المسدودة والكيديات الحاكِمة

كتب أحمد الزعبي في “اللواء”: 

سريعاً جداً، دخلت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي مرحلة الجمود والشلل. ضربها موتٌ سريري مُفاجئ. البلد يغرق في مستنقع الأزمات والفتن والاستنزاف، وهي لا تجتمع، لا لشيء إلا لأن راعيها قرر ذلك!! هكذا وقعت في فخّ التعطيل والتوتير والاشتباك الداخلي والإقليمي، فأحالت نفسها، مبكراً، إلى تصريف الأعمال حتى قبل أن تنطلق بجديّة.

وضعُ الحكومةِ من وضعِ البلد، تتلهّى المنظومةُ عن كل مُهم. تنشغل بموجبات مصالحها وصفقاتها وسمسراتها وسرقاتها وجرائمها، وإن اقتضت حساباتها اللعب على حافة الاستقرار وإراقة الدم.. فهي لا تتردّد أبداً، فمن يقتل شعباً في معيشته وماله ومصالحه وأمنه ومستقبله، لن يتوقف عن فتنة هنا وبضعة أرواح هناك. فوق ذلك، يبدو أن المنظومة تتلذذ بمتابعة الانهيار ورؤية طوابير الذل وجحافل المأزومين، وكأنها تعاقب الشعب الذي خرج رفضاً لأكاذيبها وفسادها، أو تستدرج المجتمع الدولي لصفقة تعيد بموجبها إنتاج شرعيتها المتآكلة، وإلا فالفوضى ونسلمكم بلد خراباً كيومِ خرجَ من حربه الأهلية!!

«خلاصة ما حصل أنه لما تعذّر إقصاء المحقق العدلي عُطّل مجلس الوزراء، وانفجر الاستقرار واهتزّ السلم الأهلي، المهزوز أصلاً، فيما أسئلة كبيرة تبقى بلا إجابات»

لا يهم إن اجتمعت الحكومة أم لم تجتمع، لا يهم إن قام الوزراء ببعض مهامهم أم تلهّوا بالتصريحات التافهة وتزيين مكاتبهم بصورِ المهرجين، لا يهم إن حصلت الانتخابات أم لم تحصل.. المهم في هذا كلّه أن رئيس الجمهورية حريص على حق 10685 مواطناً من جميع الطوائف حرمتهم التعديلات على قانون الانتخاب من حق الاقتراع، كونهم لم يبلغوا سن الـ21 في آذار 2022، وعلى اللبنانيين أن يطمئنوا إلى مستقبلهم وأمنهم ولقمة عيشهم! والأكثر أهمية، ربما، قول نائب الأمين العام الشهير، أن (القاضي طارق) «البيطار جاءنا بالمشاكل ويجب أن يرحل لكي يستقر الوضع»!! يستقر الوضع؟ نعم، فيخرج لبنان من عزلته، وتتوفر السلع والمحروقات والأدوية، ويعود سعر الصرف إلى 6000 ليرة مثلاً، وربما أقل؟!

أسئلة تكبر واستقرارٌ يهتزّ

بعيداً عن سورياليّة المشهد، لماذا يبدو «الحزبُ» شديد القلق والإرباك والارتياب في هذه الفترة؟ ولماذا يصطنع الاشتباكات الداخلية والمتنقلة بالرغم من سيطرته على الدولة ومؤسساتها ومرافقها، من رئاسة الجمهورية إلى المجلس النيابي والحكومة.. وعلى الحدود والبواخر والصهاريج أيضاً؟ وبدل أن يستجلب حلولاً (وهو لا يستطيع)يمعن في عزل لبنان، ويقطع عن شعبه أسباب الحياة والأمل؟

منذ انطلاق ثورة 17 تشرين، بدا أن شعار «كلن يعني كلن» إنما يتوجه للمنظومة المتحكّمة بمفاصل السلطة وموارد الدولة والكتلة الماليّة، وأمعنت فيها نهباً وسرقة واستيلاء، لكن بعد جريمة تفجير المرفأ في 4 آب 2020 بدا أن ثمة شيئاً تغير في استراتيجيات مواجهة المنظومة، وعلى رأسها الحزب، للحراك الشعبي الآخذ بالتمدد، بالتوازي مع تمدد بقعة انفضاحهم أمام العرب والدوليين المهتمين باستقرار لبنان وسلامه. فأمام السيطرة على المؤسسات والرئاسات وفي ظلّ الانهيار الشامل، لا يستطيع الحزب استخدام سلاحه كما فعل في استحقاقات عديدة منذ العام 2008، لذلك لجأ إلى تحويل الاهتمام تارة إلى تجارة السلع الاستهلاكية والمحروقات وأخرى إلى شعبويات «شيعة.. شيعة» أو إلى تكبير حجر المواجهة وتضخيم الذات للتغطية على أمرٍ يشغل باله، قبل أن ينتقل فجأة إلى معركة تعطيل التحقيق في جريمة المرفأ من خلال المطالبة بعزل المحقق العدلي، وهو نجح في المرحلة الأولى، وهذا الأمر بات يتكرر على ألسنة كبار مسؤوليه بشكل يومي وفاقع ومثير للأسئلة، وكلام أمينه العام المطالب بـ «إزاحة القاضي أو إقصائه أو ستحدث فتنة لا تُحمد عقباها»!

في المقابل، ومع التأكيد على بقاء عمل القضاء بمنأى عن شعبويات العمل السياسي، لمصلحة التزام موجبات القانون والضمير والعدالة، ثمّة أسئلة تكبر يوماً بعد آخر، حول من استجلب نترات الأمونيوم، ومن نقلها، ولماذا ولأي هدف، ومن خزّنها، وأين ذهبت أطنان منها تفوق ثلثي كميتها، ومن غطى كل ذلك، ومن يسيطر أصلاً على أجزاء من المرفأ والمطار والمعابر البرية؟ إلى جانب كل ملفات التقصير والاستهتار والتواطؤ أو غيرها مما يفترض ان القاضي ملمّ به أكثر من غيره. الخلاصة أن الذي حصل خلال الأسبوعين الأخيرين أنه لما تعذّر إقصاء القاضي عُطّل مجلس الوزراء، وانفجر الاستقرار واهتزّ السلم الأهلي، المهزوز أصلاً، وخسر الحزب المسيحيين، بعد أن كان خسر السُنة! فيما الأسئلة تبقى بلا إجابات!

العدالة هي العدالة

أغلب الظن أن معظم اللبنانيين، ومعهم المراقبين والمتابعين والمهتمين بلبنان، لم يصدموا بعجز الحكومة وهشاشة مناعتها، كان ثمّة أملٌ ضعيف في أن تستطيع وقف الانهيار الشامل أو ضبط الانفلات أو إقناع صندوق النقد الدولي بخطّة ذات فاعلية ومصداقية، لكنها، بسبب طبيعة تشكيلتها وتناقضاتها الكثيرة، لم تقدم على أي من ذلك، بل على العكس زاد فجور المافيات والكارتيلات والانهيار والغلاء.. الآن الحكومة مهددة إن لم يكن بسبب العجز عن المبادرة والغلاء الفاحش وتغوّل الكارتيلات، فبسبب غضب الحزب على القاضي.

نحن أمام أزمة نظام، من رئيس امتهن التعطيل أو خدمة أجندة من أتى به، إلى حزب يسطر على الدولة والمرافق ويريد السيطرة على ما تبقى من تعلّق للبنانيين بوطنهم ودولتهم، إلى حكومة متناقضات تكتفي بالندب والتوصيف وبيع الأوهام، إلى منظومة تحترفُ الأكاذيب واستغلال الظروف.. وعليه كيف يمكن إصلاح هذا الخلل؟ وهل المطلوب إجراء انتخابات شكلية بقانون مسخ أم بحث جدّي وعميق للقضية اللبنانية بكل وجوهها ومتفرعاتها وتداعياتها المحليّة والإقليمية والدولية؟

بلد الأزمات المستفحلة

للمرّة الألف، لا خلاص لبلد طالما قراره الوطني مُصادر، وسيادته مخطوفة، ودولته مشلولة، وشعبه مهجّر في وطنه.. ولا سلام في دولة يضغط طرف فيها على القضاء والعدالة، ويستعدي الداخل والخارج، بالقول إن لديه مائة ألف مقاتل! انتهى كلّ الكلام والتنظير والتوصيف والتقدير.. لم يبق بلدٌ للحديث أصلاً عن خطط لإنقاذه. فقد دمّرته منظومة الميليشيا – مافيا، وهي تعمل جاهدة على قتل من بقي من شعبه، إن لم يكن بتفجير أو غزوة سلاح، فبالتفقير أو التهجير أو التضليل أو الإرغام.

بات لبنان بلد الأزمات التي لا حلول لها. البلد الذي ينهار وحكومته التي استغرق تشكيلها سنة كاملة لا تجتمع، وفوق ذلك، هي تريد بوقاحة مساعدة صندوق النقد الدولي! لا تجتمع لأن هناك من أراد قتل ضحايا تفجير المرفأ مرّة ثانية. من يصدّق أن اسم هذه الحكومة «معاً للإنقاذ»… فتأمل يا رعاك الله.