IMLebanon

المدينة الصناعية في صيدا: ركود كبير…

كتب محمد دهشة في نداء الوطن:

لم يمنع ارتفاع نسبة البطالة في ظل الازمة المعيشية الخانقة واقفال بعض المؤسسات والمحال الصناعية أبوابها او تقليص عدد عمالها، من انخراط بعض الفتيان في سوق العمل سعياً وراء تأمين قوت عيشهم وعائلاتهم في مصروف البيت، مع الغلاء الذي حوّل كثيرا من العائلات المستورة والمتعففة الى فقيرة بل معدومة، مع بدء الانهيار المالي والاقتصادي الذي يشهده لبنان منذ سنتين ونيف.

محمد العبدالله واحد من هؤلاء الفتية، يبلغ من العمر 13 عاماً، وقد ترك المدرسة منذ فترة والتحق بسوق العمل في المدينة الصناعية الاولى في صيدا منذ عام، مع اشتداد الازمة المعيشية ليساعد والده في مصروف البيت، يعمل بجد كل يوم “من الفجر حتى النجر” في ميكانيك السيارات ويتقاضى 140 ألف ليرة لبنانية اسبوعياً.

يقول محمد لـ”نداء الوطن”، “الاوضاع المعيشية صعبة جداً، والحاجة دفعتني الى العمل لمساعدة الوالد في تأمين احتياجات العائلة المؤلفة من الوالدين وثلاثة اولاد وصبية”، مضيفاً: “نحن نقطن في تعمير عين الحلوة الذي يتميز بان عائلاته من الطبقات الشعبية، حلمي ان اصبح معلماً في ميكانيك السيارات وأجني الكثير من المال كي اساعد عائلتي وجيراني وكل الذين يحتاجون الى مال”، قائلاً: “يا حرام في ناس ما بتاكل ثلاث وجبات في اليوم وتتقشف قسراً بكمية الطعام لانهم لا يملكون المصاري”.

المدينة الصناعية التي كانت تضج بالاصوات والحركة يخيم عليها الصمت وخاصة في اوقات بعد الظهر حيث تعيش ركوداً كبيراً، فقد توقفت “المطارق” عن العمل، فحال اصحاب المحال لا يبشر بالخير، تراجعت أشغالهم اكثر من النصف، والسبب ان المواطنين لم يعد لديهم القدرة على اصلاح السيارات او شراء قطع جديدة او حتى مستعملة، لان تسعيرتها بالدولار الاميركي وهو يحلق عالياً.

ويؤكد المعلم ابو محمد القيم، ان الناس اعتمدت نمطاً جديداً في حياتها يقوم على “مشّي الحال” وليس “الافضل”، واصبحنا نرى سيارات تخضع للحدادة والبويا من جديد بعدما كان يجري استبدال قطعها المهترئة، والاقبال على شراء البديل لا الاصيل، والنوعية الارخص أكثر من الافضل، نحن اصحاب المصالح والمواطنين ندفع ثمن الازمة دون اي رحمة”.

وتشكل الرواتب وأجرة الانتقال هاجساً كبيراً للعمال، وقد لجأوا الى وسائل نقل بديلة اقل كلفة واكثرهم الدراجات الهوائية او الكهربائية او السير على الاقدام او الانتقال مع صاحبه، ويؤكد رئيس اتحاد نقابات العمال والمستخدمين في الجنوب عبد اللطيف الترياقي لـ”نداء الوطن”، ان المدينة الصناعية سواء الاولى او الثانية تشكل نموذجاً واضحاً عن الكارثة الاقتصادية التي يئن تحت وطأتها العمال وارباب العمل معاً، والسبب في ذلك ارتفاع سعر قطع الغيار ارتباطاً بتسعيرتها بالدولار الاميركي، حتى القطع المستعملة التي كان يتمّ اللجوء اليها كملاذ اقل كلفة باتت بالدولار، ناهيك عن مشكلة انقطاع الكهرباء”.

وأضاف الترياقي ان الركود الاقتصادي ينعكس على كل شيء، فهناك محال تفتح ابوابها منذ ساعات الصباح الاولى ولا “يفك اصحابها برغياً واحداً” في اليوم، هناك استنكاف واضح من الناس على اصلاح السيارات او شراء القطع الجديدة بعد تحولهم الى الاكثر ضرورة وحاجة بتأمين الطعام والشراب، قائلاً: “ان الوضع لم يعد يطاق وكل الفئات العمالية من المياومين والسائقين كما المواطنين باتوا فريسة للفقر المدقع والجوع، وهو ما يعكس الكارثة الخانقة التي نعيشها في مختلف نواحي الحياة”.

ولم يخف الترياقي، ان الآمال كانت معقودة على الحكومة ودورها في معالجة الازمات غير انها بدأت تتلاشى، اذ ان الخلافات حالت دون انعقاد جلساتها منذ اسابيع، ما يعني ان البلد متروك لمصيره، ونسير من السيئ الى الاسوأ، والطبقة العمالية تعاني الامرّين وكنا ننتظر من الحكومة اتخاذ اجراءات سريعة لوقف الانهيار وانصاف العمال ولكن للاسف هذا ما لم يحصل”، مشيراً الى “اننا نعول على رفع الحد الادنى للأجور بغض النظر عن الارقام، ولكن المطلوب قبل ذلك حمايته بسلسلة خطوات تحافظ على قيمته ومنها النقل المشترك وتأمين الطبابة والادوية ودعم المستشفيات الحكومية والمدارس الرسمية”.