IMLebanon

بوشكيان: ليجلس لبنان مع الدول الشقيقة ويفاوضها

أكد وزير الصناعة جورج بوشكيان في حديث إلى مجلة “الأمن العام” أن الأزمة الاقتصادية “نجمت من سياسات مالية خاطئة اعتمدت على رفع الفوائد، ما استقطب رؤوس الاموال وجمدها في المصارف، وأخرج كتلة نقدية هائلة من السوق من التوظيف في مشاريع صناعية وزراعية انتاجية وحتى ريعية تجارية وفندقية وسياحية”.

وفي ما يلي نص الحديث:

*كيف يمكن تحويل تحديات الوضع الصعب الى فرص، تساعد القطاع الصناعي على الاستمرار والانتاج؟

– المشاكل التي يعاني منها الصناعيون ليست وليدة الساعة، إنما نتيجة تراكمات واهمال وتخلي الدولة عن القطاع الصناعي وعدم اعطائه الرعاية ومنحه الدعم والحماية. لا يمكن القطاع الصناعي النجاح في أي دولة مهما عظم شأنها، من دون سياسة دعم وحماية. وهذا لم يحصل في لبنان بسبب تركيز المسؤولين أصحاب القرارات السياسية والاقتصادية على قطاعات ريعية، سواء تجارية أو سياحية أو خدماتية. وهذا الأمر ليس خاطئا وإنما ناقصا في حال لم تعتمد الدولة في تخطيطها ورؤيتها القريبة والمتوسطة والبعيدة المدى على مبدأ التوازن في الاقتصاد، أي ان تدعم الدولة كل ركائز الاقتصاد وتكاملها، وهنا يكمن سر النجاح.

الصناعي بطبيعته مناضل ومتمسك بالأرض، لذلك قبل كل التحديات. واستطاع أن يواجه ويتخطى المعوقات، وكانت وزارة الصناعة إلى جانبه داعمة ومسهلة له. ولم يستسلم، بل نجح في تأمين الاستمرارية وضمان الانتاج والتسويق والتصدير.

* ما هي ممارسات الانتاج الاكثر كفاءة لاستخدام الموارد التي ستؤمن القدرة التنافسية للقطاع؟

– في ظل الاقتصاد المعولم والأسواق المفتوحة، واحتدام المنافسة الأكثر تطلبا على قاعدة ثابتة تقوم على النوعية والسعر، لم يعد بالامكان التغاضي أو التخفيف من مستوى الانتاج القائم على الجودة والمعايير والمواصفات. وواكبت وزارة الصناعة الصناعيين عبر أجهزتها ومهندسيها وفرقها الفنية والتقنية كما عبر معهد البحوث الصناعية ومؤسسة المقاييس والمواصفات اللبنانية (ليبنور)، وتابعت معهم من خلال وضع ونشر وتعميم الارشادات الضرورية للانتاج الجيد، كما عبر تنظيم دورات تدريبية وورش عمل وعقد ندوات ومؤتمرات بمشاركة خبراء واختصاصيين لبنانيين ودوليين بالتنسيق مع منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو).

في ظل العولمة لا قدرة على المنافسة من دون رفع مستوى وجودة المنتج الى الحد الأقصى. ويقوم الصناعيون بواجباتهم على هذا الصعيد. وهم طوروا مؤسساتهم في شكل أصبح العديد منها حائزا على شهادتي “أيزو” و”هاسب”.

*أزمة الدولار دفعت الصناعيين الى التوجه نحو صناعات لم تكن موجودة او كانت في اول نشوئها وتتمتع بقيمة مضافة. كيف يمكن تأمين القدرة التنافسية لها وجذب الاستثمارات، بعدما أثبت القطاع انه الممتص للأزمات اكثر من غيره؟

– لتصويب الأمور ووضعها في نصابها الصحيح، أعتقد أن قطاعات صناعية كانت رائجة جدا قبل عام 2000 كالنسيج والغزل والقطن والمفروشات وغيرها، وتوظف عشرات الآلاف من العمال اندثرت بسبب قرار خاطىء جدا قضى عليها، وحجم قطاعات انتاجية أخرى لاقتناع أصحاب هذا القرار مدعومين بفكر ليبرالي غير متحمس وغير مؤمن بإمكانية نهوض الصناعة ومساهمتها في تحقيق النمو. فلجأ إلى تخفيض الرسوم الجمركية على المستوردات إلى صفر في المئة، طمعا بالانضمام إلى منظمة التجارة العالمية. أصحاب بعض المصانع في هذه القطاعات لم يقفلوا أبواب مؤسساتهم. فاستخدموا الآلات الصناعية الموجودة وحولوا خطوط الانتاج إلى منتجات جديدة مغايرة. هنا يمكن الحديث عن الابداع اللبناني.

وفي أزمة كورونا المستجدة، عمد صناعيون إلى انتاج معدات وتجهيزات وألبسة ومواد معقمة وتنظيف خاصة بمكافحة هذا الوباء. ونجح بعضهم أيضا في تصنيع أجهزة تنفس للمستشفيات وغرف الطوارىء والانعاش، وهذا أيضا يصب في خانة مواجهة التحديات وتجاوز الظروف الصعبة.

* القطاع الصناعي لا يمكنه الاعتماد على السوق الداخلية، ما هي خطط الوزارة لتأمين أسواق التصريف وتسهيل التصدير، في ضوء حاجة القطاع إلى العملات الصعبة؟

– لا يمكن الذهاب إلى التطرف والقول بعدم امكانية الاعتماد على السوق الداخلية للبيع. بالعكس، الصناعي والمنتج والتاجر يفتشون عن أي مكان للبيع والتسويق، سواء في الأسواق المحلية او المجاورة أو الدولية. وهذا ما يحدث في كل دول العالم التي تصدر وتستورد. حتى الصين تعتبر أيضا أكبر الأسواق المستوردة.

بالعودة إلى لبنان، مساحة لبنان صغيرة وعدد سكانه بحدود أربعة ملايين نسمة، عدا اللاجئين والنازحين. فهذه السوق ليست كبيرة. لذلك، يفتش الصناعيون عن أسواق خارجية لتسويق منتجاتهم، وهم بذلك يصدرون، كذلك الأمر ثقافة لبنان وطريقة العيش في لبنان والخبرة والمعرفة اللبنانية. لبنان ليس آلة نتشاطر لبيعها. لبنان هو موارده البشرية الغنية بالفكر والعلم والابداع وتعدد اللغات.

عن دور وزارة الصناعة، أذكر بأن القطاع الصناعي هو خاص بالكامل قائم على المبادرة الفردية. لا يعني أن لا وجود لوزارة الصناعة ودور داعم ورعائي وموجه ومواكب. وزارة الصناعة هي التي تمنح الترخيص الصناعي أي هي المرجع القانوني. كما تمنح الشهادة الصناعية التي بموجبها يصدر الصناعي منتجاته الى الخارج. كما تقوم الفرق التقنية في الوزارة بعمليات تفتيش ومراقبة دورية على المصانع للتأكد من التزام أصحابها بالشروط الواردة في الترخيص الصناعي لجهة المواصفات والمعايير والسلامة الصحية والعامة والنظافة والبيئة… كل هذه الامور تسهل التصدير وتخفف الأعباء عن الصناعي.

وعينت وزارة الخارجية والمغتربين في سفارات الدول الكبيرة عشرين ملحقا اقتصاديا وتجاريا، يضطلعون بمساعدة القطاعات الاقتصادية وفي مقدمها الصناعية على تسويق منتجاتهم وفتح أسواق جديدة لهم، وتعريفهم على رجال أعمال ومستثمرين والدخول بشراكات معهم.

* كيف يمكن زيادة الناتج الصناعي؟ وهل تعديل الاجراءات المعمول بها على صعيد حماية الصناعة من المنافسة الخارجية صعب، أم بات ضروريا وضع اسس حماية جديدة لمنع المزاحمة؟

– زيادة الناتج الصناعي يتحقق مع توظيفات جديدة وتوسعة المصانع القائمة في المناطق الصناعية الموجودة حاليا، إذا سمح وضعها بزيادة عامل الاستثمار فيها، أو في مناطق صناعية جديدة يعمل على تأسيسها وتشييدها وتجهيزها بالبنى التحتية.

أما ما تقوله عن الحمايات فهو أمر حيوي وأساسي ومطلوب لدعم الصناعة. وتلجأ كل الدول الى حماية انتاجها من المنافسة غير المشروعة، وتقع حروب تجارية بسبب الحمايات، هذه الدول تطبق ما يعرف بمبدأ المعاملة بالمثل.

لبنان للأسف الشديد، لم يتمكن من تطبيق هذا المبدأ لأسباب سياسية قبل أن تكون اقتصادية. سنعمل حيث يكون اغراق فاضح وبالتنسيق مع وزارة الاقتصاد والتجارة وهي المعنية بهذا الأمر ومع الجمارك، على ضبط الأمور ومنع الاغراق، والتهريب أيضا الذي يلحق الضرر الكبير بالصناعة وبالاقتصاد.

اضافة الى ذلك، فإن أسواق لبنان تعتمد على الاستيراد بنحو عشرين مليار دولار سنويا مقابل تصدير بثلاثة مليارات. خروج العشرين مليار دولار من السوق سنويا زعزع الكتلة النقدية الاجنبية وجعلها نادرة وصعبة الوجود. ورفع نسبة الدين وضاعف نسب العجز الى مستويات خيالية ومخيفة وثقيلة على الاقتصاد.

علينا كلبنانيين ان نعي هذه الحقائق، ونعتمد في مشترياتنا على كل ما هو لبناني، ونشجع اللبناني في الخارج على أن يتضامن مع منتجات بلاده فيشتري ما صنع في لبنان. فنخفض بذلك فاتورة الاستيراد أي نخفض عمليا كتلة الدولار التي تخرج من لبنان، مقابل رفع كتلة الدولار التي نستوردها الى لبنان مقابل ثمن البضائع المباعة في الخارج. هكذا يبدأ لبنان بالتعافي.

* تواجه الصناعة معوقات دخول الاسواق التقليدية. هل وضعتم تصورا معينا لدخول اسواق جديدة؟

– الكلام عن صعوبة دخول الاسواق الخارجية التقليدية هو غير دقيق. الصناعيون والتجار الذي يسوقون المنتجات اللبنانية يتمتعون بمصداقية ومهارة عالية في الأسواق الخارجية. وهم موضع ثقة وبخبرتهم التجارية. كما بنى الصناعيون والتجار علاقات صداقة وثيقة مع شركائهم وعملائهم في الخارج تخطت العلاقات العملية.

وبالنسبة الى الاسواق الجديدة، فإن للملحقين التجاريين في السفارات دورا مهما، كما يدرس الصناعيون بمبادراتهم الفردية وشبكة علاقاتهم الواسعة، الأسواق الجديدة التي تلائم منتجاتهم.

*كيف سيواجه القطاع الصناعي خسارة اليد العاملة الفنية الماهرة التي تهاجر؟

– نحن مدعوون دائما الى النظر لنصف الكوب الملآن. ففي حال حصول هجرة لليد العاملة الخبيرة، فهذا لا يعني أنه لم يعد في لبنان عمال فنيون وماهرون. كما ان المعاهد الفنية والتقنية الرسمية والخاصة تدرس وتخرج وتدرب سنويا مئات الخريجين في مجالات كثيرة.

*الاتفاقات التجارية لا تصب دائما في مصلحة لبنان. هل ستعدل لتلائم الوضع الحالي والتعامل بالمثل؟

– قيل الكثير عن الاجحاف اللاحق بلبنان من الاتفاقات التجارية الموقعة مع العديد من الدول. هذا الأمر صحيح بالمطلق، ويتطلب اعادة دراسة هذه الاتفاقات ومراجعتها من قبل وزارتي الاقتصاد والتجارة والخارجية والمغتربين، بحيث يصار إلى طلب تعديل النقاط السلبية بالتوافق مع الدولة المعنية. لبنان لا يمكنه بمفرده تعديل أي اتفاقية، وقد يكون له الحق في الغائها إذا جاز النص بذلك من طرف واحد.

على كل، برأيي بدل الحديث سلبا عن الاتفاقات، أرى من الضروري أن يجلس لبنان مع الدول الشقيقة والصديقة ويفاوضها بكل شفافية على مبدأ المصلحة المشتركة.

* ما هي ابرز المرتكزات الاستراتجية التي ترفع من قدرة الصناعة الوطنية على المنافسة وضمن اي قطاعات حديثة؟

– كل القطاعات ترفع من قدرة الصناعة وتزيد استيراد الدولار في حال لجأت الى التصدير. ومعروف عن قطاع الصناعات الغذائية مدى تمدده في الأسواق العالمية ونحن داعمون له، ولكن هناك قطاعات ناجحة أخرى كالمعدات والآلات الصناعية، والدهانات وآلات البناء، تابلوهات الكهرباء، المحولات الكهربائية، المجوهرات، الأزياء، المفروشات وغيرها.

كما تقدم لبنان في الآونة الأخيرة بقطاع صناعة البرمجيات والالكترونيات وصناعة المعرفة. وفي السنوات العشر الاخيرة، بدأ أيضا بالتوسع في صناعة الدواء الواعدة.