IMLebanon

لبنان تحت المطرقة السعودية على الطاولة الإيرانية الأميركية

كتب منير الربيع في “المدن”: 

لبنان على حافة المواجهة الأكبر والأخطر. ليست الأزمات التي تطوقه أمراً تفصيلياً أو يمكن التعاطي معها وفق سياسة تفصيلية، تنقضي باستقالة وزير أو ببيانات التضامن. وصل البلد على مفترق طرق سياسي خطير، بعد أن وقع في ازمة مالية واقتصادية خطرة جداً.

نحو إيران

لا ينفصل السياق اللبناني عن السياق العام في المنطقة ككل. رفضُ حزب الله استقالة قرداحي هو أمر مهم جداً بالنسبة إلى الحزب، الذي يسعى دوماً إلى “التوجه شرقاً”. والمقصود بالشرق بالنسبة إلى الحزب هو الانخراط أكثر في مشروع إيران والعلاقة مع سوريا، والعراق. أي الابتعاد عن دول الخليج. وصيغة التوجه شرقاً أيضاً، لا تعني إحلال القطيعة مع الغرب، بل السعي للذهاب نحوه أكثر، وبناء علاقة جدية على قاعدة براغماتية وفق تقاطع المصالح وتقاسم النفوذز فآخر الشهر ستعود المفاوضات الإيرانية الأميركية حول البرنامج النووي. كل سياسة إيران الشرقية وبناء تحالفات مع روسيا والصين وتعزيز مناطق النفوذ في الشرق الأوسط، غايتها العودة إلى نسج العلاقة مع الغرب من موقع قوي وندّي.

في المقابل، تأتي الخطوات التصعيدية السعودية كجانب من سياسة جديدة تجاه لبنان، تندرج في سياق المعركة على تحديد الخيارات: مع وضد. ولأن المعركة كذلك يرفض حزب الله استقالة قرداحي وإعطاء أي تنازل للسعودية. فهو يعتبر أن التنازل الأول سيجرّ تنازلات أكثر. وسينتظر اللبنانيون المفاوضات الإيرانية الأميركية، فيما العلاقة السعودية الأميركية في أسوأ أيامها، إنطلاقاً من الغضب الأميركي بسبب رفض السعودية رفع منسوب الإنتاج النفطي لتخفيض الأسعار، وانعكاس هذا الغضب على الكثير من القرارات السياسية.

ترسيم الحدود

وبقدر ما تهتم واشنطن بالوصول إلى اتفاق مع طهران، هناك اهتمام أميركي استثنائي بالوصول إلى اتفاق حول ترسيم الحدود في لبنان. هذا الملف هو الوحيد الذي يجعل أميركا مهتمة إلى حدّ بعيد ببقاء حكومة نجيب ميقاتي، وباستكمال آموس هوكشتاين لمهمته المكوكية لإرساء قواعد التفاهم قبل عودة المفاوضات الجدية.

إذا نجح هوكشتاين بمهمته وحصل على موافقة لبنانية وإسرائيلية حول صيغة الترسيم، عندها يكون هناك مبرر لبقاء الحكومة. أما بحال فشلت المحاولات، فإن أميركا لن تكون مهتمة بمصير الحكومة، فيما تركز اهتمامها على الانتخابات النيابية. وهنا لا بد من الإشارة إلى اهتمام ألماني أيضاً يملف ترسيم الحدود، والسعي لإنجازه. وتجلى ذلك بزيارة مدير عام دائرة الشرق الأوسط وأفريقيا في الخارجية الألمانية.

المساعي لإنجاز مفاوضات الترسيم تتزامن مع السعي لإنجاح المفاوضات النووية، فيما طهران تحاول أن تطيل أمد التفاوض حول ملف الترسيم، لأنه يندرج في خانة “النفوذ الإيراني في المنطقة”، والذي تسعى إيران إلى تأجيله إلى ما بعد توقيع الاتفاق النووي. وعلى افتراض تم الوصول إلى اتفاق بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية، فهذا سيرخي ذلك بعضاً من الإرتياح في المنطقة، مقابل استنفار عربي وخليجي تحديداً. أما لبنانياً فسيكون لا بد من انتظار بدء البحث في معالم النفوذ الإيراني بالمنطقة وحدوده، وإعادة تموضع كل مكامن هذا النفوذ. وهذه وحدها كافية للإشارة إلى طول أمد الأزمة.

تشاؤم فرنسي وتشدد سعودي

فرنسا ترى أن الأفق مقلق ومغلق. لا تفاؤل فرنسي بالقدرة على تحقيق أي إنجازات مرتقبة. هناك تركيز فقط على إجراء الانتخابات، ويتم التصرف حتى الآن وكأنها قائمة في مواعيدها. أما بحال حصل أي تأجيل أو تأخير، فسيكون هناك إجراءات وتدابير عقابية وضغوط كبيرة. لأن تاجيل الانتخابات يعني دخول لبنان في مدار جديد هدفه السيطرة والهيمنة المطلقة ولو على خرائب الانهيار. وهذا أمر لن يكون مقبولاً دولياً ولا حتى عربياً، لأن المطلوب هو استعادة التوازن، وإبقاء التناقض السياسي فيه قائماً.

في المقابل، يبقى الموقف السعودي على حاله. ترفض السعودية البحث في الملف اللبناني مع أي جهة خارجية. هذه سياسة تدخل في سياق تثبيت منطق تشددها تجاه البلد، وتأكيد أنه غير خاضع لأي مساومة على ملفات أخرى. وقد أبلغ السعوديون ذلك للفرنسيين، والأميركيين وللإيرانيين أيضاً. وأنه لا يمكن مقايضة الملف اللبناني بالملف اليمني أو أي ملف آخر.

فرصة ميقاتي

أمام هذه الأزمة ذات البعد الداخلي والإقليمي والدولي، سيكون نجيب ميقاتي أمام مجموعة خيارات. ولكن ثمة فرصة أمامه يمكنه انتهازها في حال استمر على قراره بعدم الاستقالة. فهو يعتبر أن الاستقالة لن تعود إليه بأي عائد سياسي، لا بل ستخرجه من السلطة من دون تحصيل أي مقابل إيجابي من دول الخليج والسعودية تحديداً. كما يعتبر أن بقاء الحكومة أفضل من أي أمر آخر. وبحال قرر البقاء، فهذا يعني أنه يحتاج إلى اتخاذ موقف واضح وحاسم بالممارسة وليس بالكلام فقط. ويمكن لخطابه في السراي الحكومي أن يشكل عنصراً تأسيسياً لمرحلة سياسية جديدة يقودها بنفسه. ففي حال استمر تعطيل عمل مجلس الوزراء، ينخرط في هذه اللعبة سياسياً ويرفض تقديم أي تنازل، فيشكل جداراً سياسياً تقف عنده كل التنازلات التي اعتاد رؤساء الحكومات تقديمها.

أما بحال وجدت قضية التحقيق في تفجير المرفأ طريقها إلى الحلّ، ووافق الثنائي الشيعي على العودة إلى عقد جلسات الحكومة، متمسكين ببقاء قرداحي، فسيكون على ميقاتي مسؤوليات متعددة، حول طريقة إدارة جلسات مجلس الوزراء، ورفض تلبية الدعوات لجلسات المجلس الأعلى للدفاع، وإصدار بيانات واضحة من قبل مجلس الوزراء مجتمعاً تتلاقى مع الموقف العربي، ورفض التنازل في ملفات التشكيلات، والتعيينات، وفرض ما يجب فرضه في ملفات الكهرباء والخطة الإقتصادية وآليات التفاوض مع صندوق النقد الدولي. هنا سيكون أمام ميقاتي سؤال أساسي: هل هو قادر على فعل ذلك؟ أم أن الآخرين والذين يعتبرون أنهم كبلوه بمطالب وشروط، سيلجؤون إلى إسقاط حكومته باستقالة الثلث زائد واحد من أعضائها؟

جملة أسئلة

وبحال أُسقطت حكومة ميقاتي، ستكون تلك الصفعة الأكبر التي يتعرض لها السنّة في لبنان، وسيكون ميقاتي خسر على أكثر من صعيد سياسي، وخسر رئاسته للحكومة، كما خسر أي محاولة لتعزيز وضعيته الشعبية باتخاذه موقفاً حازماً، وخسر إمكانية التأسيس لحقبة سياسية جديدة، يمكنها أن تبني علاقة جديدة مع دول الخليج.

وهنا تطرح جملة أسئلة، هل بحال أسقطت حكومة ميقاتي، سيتحدد موعد للاستشارات النيابية؟ هنا لا تكون المسؤولية ملقاة على رئيس الحكومة وحده، بل على مختلف الشخصيات السنية، فهل سيشاركون في الاستشارات؟ وهل سيستدرجون إلى فخ المشاركة بالتسمية وتبني شخصية كما حصل مرات سابقة؟ أم أن تلك الخطوة قد تستبع بخطوات سياسية أوسع وأكبر تتعلق بالاستقالة من المجلس النيابي، وتعطيل كل شيء قبل حصول الانتخابات النيابية والرئاسية؟