IMLebanon

زيادة ثمن الصحف التي لا يشتريها أحد أصلًا

جاء في “العرب” اللندنية:

أثار قرار مجلس نقابة الصحافة اللبنانية الزيادة في سعر الصحف اليومية إلى خمسة آلاف ليرة لبنانية والمجلات إلى خمسة وعشرين ألفا تساؤلات حول أهميته في وقت لا تعرف فيه أغلبية اللبنانيين سعر الصحف منذ عام 2018.

وعقد مجلس نقابة الصحافة اللبنانية الثلاثاء اجتماعه الدوري برئاسة النقيب عوني الكعكي والذي خصص لمناقشة شؤون مهنية متصلة بالصعوبات التي تعترض الصحف والمطبوعات جراء تفاقم الأزمات المالية والاقتصادية والتي انعكست على استمرارية عمل العديد من الصحف والعاملين فيها.

وأوضح بيان صدر عن النقابة أن “المجلس ناقش الخطوات الآيلة للحد من تلك التداعيات ومنها كإجراء أولي إمكانية الزيادة في سعر الصحف اليومية إلى خمسة آلاف ليرة لبنانية والمجلات إلى خمسة وعشرين ألفا”.

واستقبل الجمهور اللبناني والإعلاميون أنفسهم خبر الزيادة في سعر الصحف الورقية بتباين. فبينما نعى البعض صحافة لبنان الورقية وقالوا إنها حلول ترقيعية تؤجل “إعلان موت الصحافة الورقية في البلاد”، استقبل البعض الآخر الخبر بتهكم متسائلين “من يشتري الصحف أصلا حتى تتم الزيادة في ثمنها؟”. وقال أحد المعلقين على تويتر إنه لم يشتر صحيفة منذ عام 2016 حين كان ثمنها 1000 ليرة لبنانية.

ولم تعتمد معظم الصحف المحلية منذ ثمانينات القرن الماضي على أقل تقدير على المداخيل العائدة من المبيعات، فثمن الجريدة لا يغطي كلفة الإنتاج وسط معلومات مؤكدة عن تراجع عدد المبيعات منذ العام 2011، وبالتالي تراجع الأعداد المطبوعة. ويؤكد صاحب شركة لتوزيع الصحف والمطبوعات في بيروت بأن “الصحف الورقية أمامها سنوات قليلة قبل انقراضها”.

وأزمة الصحف اللبنانية المالية ليست مستجدة، حيث تعاني من تراجع في الدخل جراء انخفاض المال السياسي وغياب الدعم المالي الخليجي الذي كان يغذي وسائل الإعلام، ويشمل هذا التراجع كل المؤسسات الإعلامية العاملة في لبنان وليس الصحف الورقية فقط. ويتزامن تراجع المال السياسي مع تراجع في الإعلانات بالمنطقة ككل لأسباب اقتصادية وسياسية، وبالتالي انخفضت حصة لبنان من عوائد الإعلانات.

وغالبا ما تفقد الصحف التي تعتمد على “المال السياسي” من دول أخرى في المنطقة هذا المصدر في حال حدوث تغييرات في سياسات تلك الدول، خصوصا مع عدم سعي تلك الصحف لتنويع مصادر دخلها. كما أن مبيعات الصحف تراجعت بفعل توفرها مجانا عبر مواقعها على شبكة الإنترنت، فضلا عن أن الغاية من الصحيفة الورقية تغيرت اليوم، فالقارئ لم يعد ينتظر خبرا في الصحيفة في ظل ثورة مواقع التواصل الاجتماعي وتوفر خدمات الخبر العاجل عبر الهواتف الذكية، حيث أصبح مطلوبا من الصحيفة أن تتضمن تحليلا للحدث، وليس نشر الحدث بعد ساعات من وقوعه.

وما زاد هذه الأزمة تفاقما، بحسب منتقدين، هو أن “الدولة لم تعتمد سياسة لحماية الصحافة الورقية عبر إعفائها من رسوم الإنترنت والتيار الكهربائي والتليفون والضريبة على القيمة المضافة”، حتى أن وزارة المالية نشرت إعلانا مجانيا ذات يوم في “السفير” ثم طالبت بضريبة على القيمة المضافة على هذا الإعلان.

وعام 2018، عقد وزير الإعلام الأسبق ملحم الرياشي اجتماع طارئا، للبحث في “أزمة الصحافة المكتوبة”. وقال إن الصحافة الورقية هي “الخزّان الاستراتيجي لكل الإعلام المرئي والمسموع والرقمي… وتعرّض هذه الصحف لأي عطب يعني تعرض كل الإعلام لعطب”.

ودخل الرئيس اللبناني ميشال عون على الخط وأعرب عن أسفه لما آلت إليه حال الصحافة الورقية “بعدما كانت رائدة وشكلت صورة مشرقة لعقود”. كان التدخل لافتا لدرجة أن نقيب الصحافة عوني الكعكي قال إنها “المرة الأولى التي تتحرك الدولة لايجاد حل لمشكلتنا”. غير أن التفاؤل لم يدم إذ لم تترجم التصريحات لتحركات تنقذ الصحافة الورقية.

وتصارع مؤسسات إعلامية في لبنان من أجل الحفاظ على بقائها وذلك تحت وطأة أزمات اقتصادية ومعيشية متشابكة، ويحاول بعضها الصمود من خلال إجراءات استثنائية تتراوح بين البحث عن تمويل مالي، وصولا إلى محاولة التوفير باستهلاك الوقود وساعات عمل الموظفين والصحافيين.

ويقول عاملون في القطاع الإعلامي إنّ التحديات التي تواجهها المؤسسات من تلفزيونات وإذاعات وصحف هي الأصعب منذ أكثر من 30 سنة.

وعلى الرغم من أن الانهيار الاقتصادي الأسوأ الذي يعيشه لبنان في تاريخه الحديث ألحق أضراراً كبيرة بعمل المؤسسات الإعلامية خلال السنتين الماضيتين، وعطل قدرتها على الاستمرار بقوة والعطاء مهنياً، إلا أنّ عاملين في ميدان الإعلام يقولون إنّ تداعي المؤسسات الإعلامية في لبنان بدأت ملامحه بالبروز منذ عشرة أعوام، وتسارع خلال الأعوام القليلة الماضية.

فحتى قبل اندلاع احتجاجات أكتوبر 2019 التي كانت مؤشرًا على انفجار الأوضاع المعيشية والاقتصادية، كانت قد سقطت على طريق المهنة الإعلامية صحف وتلفزيونات من بينها صحيفة “السفير” التي توقفت نهاية العام 2016، وصحيفة “الأنوار” التي توقفت نهاية العام 2018، وصحيفة “الحياة” اللندنية لبنانية المنشأ التي أغلقت مكاتبها في بيروت في تموز 2018، وصحيفة “المستقبل” التي توقفت عن الصدور في الأول من شباط 2019، ثم “تلفزيون المستقبل” في العشرين من أيلول 2019، أي قبل أيام قليلة من اندلاع التظاهرات الشعبية. ولم تقتصر لائحة ضحايا الإعلام على هذه المؤسسات، ففي شباط 2020 أعلنت صحيفة “ديلي ستار” التي كانت تصدر بالإنجليزية أنها علقت النسخة المطبوعة بسبب التحديات المالية. وفي الشهر نفسه توقفت إذاعة “راديو وان” الناطقة بالإنجليزية. وهذا الشهر أعلنت “ديلي ستار” توقف موقعها الإلكتروني وتسريح جميع الموظفين.

ومنذ بداية العام الماضي تراجعت قيمة الليرة اللبنانية أمام الدولار ما أفقد عشرات الآلاف من العائلات قدرتها الشرائية، وغرق المواطنون في أزمة شح مادتي المازوت والبنزين، وصارت السوق السوداء ملاذهم لشرائها بأسعار باهظة، وهو ما سلط المزيد من الأعباء والضغوط على المؤسسات الإعلامية والعاملين فيها، ودفعها إلى شفير الانهيار. ونهاية شهر آب الماضي أعلنت إذاعة “صوت كل لبنان” الاعتذار من مستمعيها لعدم قدرتها على البث في بعض مناطق البلاد بسبب الظروف الراهنة، في إشارة إلى شح مادة المازوت في مواقع الإرسال.

وقبلها بأيام وتحديدا في العشرين من آب أعلنت إذاعة “صوت الشعب” التابعة للحزب الشيوعي على صفحتها على فيسبوك تعليق برامجها بسبب انقطاع المازوت عن بعض محطات البث، وتعثر قدرة الضيوف على الوصول إلى مبنى الإذاعة في بيروت بسبب عدم توفر البنزين للسيارات.

ونقلت وكالة أسوشيتد برس الأميركية عن المدير العام السابق لصحيفة السفير أحمد سلمان قوله إن دراسات عدة أظهرت أن مداخيل الإعلانات التجارية راحت تتراجع في ما بعد العام 2011 بشكل كبير، وشهدت تلك المرحلة اكتساح تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، كما أنّ شركات احتكار الإعلانات المهيمنة في لبنان خفّضت بشكل كبير وصل إلى 70 في المئة الميزانيات المخصصة لتعاقداتها السنوية مع الوسائل الإعلامية. وقال سلمان إنّه “حتى في زمن الحرب الأهلية لم تكن التحديات التي تواجه القطاع الإعلامي بمثل هذه الخطورة التي يعيشها اليوم”.