IMLebanon

سوق “البالية” يزدهر في صيدا

كتب محمد دهشة في نداء الوطن:

“إشتدي أزمة تنفرجي”، مقولة مأثورة تناقلتها الاجيال المتعاقبة لتشجيع الصبر على تحمل المعاناة بإنتظار الفرج، فعقب كل عسر… يسر، ولكن الازمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة التي يعيشها لبنان أسقطتها بالضربة القاضية وحولتها ما يشبه “إشتدي أزمة… وتكاثري”، اذ ان الأجواء الحالية لا تؤشر إلى حلول قريبة ولا تبشر بمعالجة حقيقية لمشاكل المواطنين رغم الضجيج والوعود.

واشتداد الازمة لم يعد يقتصر على العودة الى اساليب العيش البدائية في القرن الحادي والعشرين: الشموع بدلاً من الكهرباء، السير على الاقدام او الدراجات على اختلافها بدلاً من السيارات، مواقد الطين والحطب بدلاً من الغاز بسبب الغلاء، الطب البديل بدلاً من المستشفيات، والاستغناء عن كل الضروريات بعد الكماليات، بل في عودة الاقبال على اسواق “البالية” في مؤشر صارخ على الفقر المدقع، بعدما إختفت منذ سنوات من مدينة صيدا ومخيماتها الفلسطينية وبعض مناطق الجنوب حيث بات المواطنون يفضلون شراء الثياب المستوردة من بعض الدول رخيصة الاسعار. “لا أحد يحب أن يلبس بعد غيره” يقول رب العائلة الاربعيني ابو احمد بيضون لـ”نداء الوطن” وهو يصبّ جام غضبه على الازمة الاقتصادية والغلاء الذي حرمه من شراء الثياب والاحذية الجديدة لاولاده الثلاثة وأجبره على ارتياد احد محال “البالية” (الثياب المستعملة) ليكسيهم مع بدء فصل الشتاء والبرد”، ويضيف: “مع اشتداد الازمة المعيشية تحولت الأولويات الى تأمين الطعام والشراب، فالعمل في احد المقاهي لا يطعم ولا يسمن من جوع والانكى انني لا استطيع الشراء للجميع دفعة واحدة، بل اعتمدت برنامجاً يقوم على التقشف وشراء الثياب لكل ولد شهرياً، ثم اتبعه بالاحذية اذا كانت لا تصلح”.

وقبل عقدين وأكثر من الزمن، عرفت صيدا سوقاً خاصاً بـ”البالية”، فوق “سوق الذهب”، إضافة الى محال متفرقة في الاحياء الشعبية، تباع فيها الثياب المستعملة والاحذية والاهم الجاكيت والمعاطف وتكون مستوردة من الخارج وخاصة من أوروبا، ونوعيتها جيدة ومتينة، لكن نجمها أفل وعددها اليوم بات لا يتجاوز عدد اصابع اليدين، غير ان الاقبال عليها بدأ يزداد نتيجة الازمة المعيشية. ويقول محمد المصري وهو صاحب محل لـ”نداء الوطن”: “مضى علي نحو ثلاثة عقود في البيع، وشهدت الحلو والمر، ولكنني لم أجد ركوداً وصعوبة مثل اليوم”، قبل ان يستدرك “الاقبال ارتفع مع بداية الازمة المعيشية لكنه اليوم عاد وتراجع نتيجة انعدام قدرة الناس الشرائية وقد باتت تكتفي بالضروري مع ارتفاع سعر صرف الدولار، ثلث البضاعة “تقرش” على الدولار الاميركي وبعضها مستورد من الخارج، وغالباً ما يقصدنا ارباب العائلات الذين لا طاقة لهم على تحمل نفقات شراء الاحذية الجديدة، اذ تبقى أسعارها ارخص ونوعيتها أفضل ويمكن ان تدوم اطول. الاسعار تتراوح ما بين 75 -150 وما زالت مقبولة قياساً على الجديدة في الخارج وهذه امكانيات الناس المالية. بين الحين والآخر نشهد حركة ناشطة في الاعياد والمناسبات وتبدل فصول العام وتحديداً بين الصيف والشتاء ولكل أنواعه، وهي محطات لا يمكن لاي عائلة العبور اليها من دون شراء ما تحتاج اليه، والأزمة الاقتصادية أجبرتنا على عدم بيع الزبائن بالدين”.

ولم يعد الشراء من “البالية” يجري بالخفاء او على استحياء، فنادراً ما يغنم بعض الزبائن بقطعة مميزة من الثياب أو الأحذية المستعملة، يغادرون السوق متأبطين غنيمتهم معتبرين انهم وجّهوا بها طعنة انتقام متواضعة إلى صدر العوز والغلاء، لعلّ ما وفّروه من ثمن قطعة شبيهة جديدة يسدّ بعض الجوع. وصيدا ليست وحدها، ففي الجنوب هناك اسواق اسبوعية شهيرة، منها “سوق الاثنين” في النبطية، حيث تنتشر بسطات “البالية” بشكل لافت بعدما حلت بجدارة مكان البسطات التي تعرض البضائع الجديدة، وفي بنت جبيل سوق اضافي لـ”البالية”، يقصده الكثير من ابناء تلك المنطقة بسبب الفقر حيناً، أو لوجود عدد كبير من المزارعين الذين يشترون الألبسة البالية للعمل في حقولهم.