IMLebanon

فرضيّات تؤكّد افتعال الحرائق!

كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:

وكأنه لا ينقص لبنان لهيبه الاقتصادي حتى وقع في قلب لهيب نار الحرائق التي أكلت أخضر جنوبه ويباسه، وأتت على مساحات شاسعة من الاراضي الحرجية والمحميات الطبيعية، من زبقين وقانا الى صير الغربية وطيرفلسيه في منطقة النبطية، وحدها ألسنة النار كانت الطاغية على جنوب لبنان، بعيداً من الألسنة السياسية الكاذبة.

كارثة بيئية حقيقية أصابت الجنوب الذي ظل تحت لهيب النار المشتعلة بفعل فاعل بالتأكيد، واسهمت الرياح القوية بتمددها بسرعة فائقة الى الأحراج المجاورة لزبقين وقانا وعدد من قرى صور، وأيضاً في كفرصير وصير الغربية وبريقع وشوكين وسهل الميذنة. نيران كانت تنتهك حرمة البيئة بلا رادع، حولت معها الأخضر الحلو الذي يزين البيئة الجنوبية الغنية بغطائها الأخضر من أشجار السنديان والحور والبلوط والزيتون والحمضيات، ارضاً قاحلة ميتة، صالحة فقط لهجمة الحطابين وما اكثرهم لقطع ما تسنى لهم من أشجار محترقة للاستفادة منها في التدفئة. اذ تؤكد معظم الفرضيات المطروحة لاندلاع الحرائق تلك أنها مفتعلة عن سابق قرار وتصميم، للاستفادة من حطب الاشجار المعمرة.

وكان لافتاً اندلاع الحرائق دفعة واحدة في العديد من القرى بالتزامن مع زيارة وزير البيئة الدكتور ناصر ياسين في جولة الى الجنوب بدأها من مأوى الحيوانات في زفتا، مروراً بإفتتاح معمل فرز للنفايات في العباسية وصولاً الى زبقين وكان يفترض اعلانها محمية طبيعية، غير أن يد الغدر كانت اسرع، فرمت النار بين الأشجار التي تآكلت بشكل خطير جداً، في مشهد يدمي القلب والعقل معاً.

كابوس الحرائق الجنوبية حول القرى التي رزحت تحت لهيب النار كتلة تضامن وتضافر بين الهيئات الدفاعية والاهالي والبلديات، اذ بدت لافتة استماتة عناصر الدفاع المدني والهيئة الصحية وكشافة الرسالة الاسلامية حتى الموت لاطفاء النيران، فالارض المحترقة هي جزء من تاريخ الجنوب، محفور بين كل شجرة منها قصة بطل من إيام الاحتلال العثماني ثم الفرنسي مروراً بالاحتلال الاسرائيلي، وكانت شاهداً حياً على إجرامية العدو الذي زرع معظم الأحراج بالقنابل العنقودية التي اصطادت العشرات، ولم يسلم منها عنصر في الهيئة الصحية الذي أصيب بإنفجار احداها أثناء عملية اخماد النيران في قانا.

ساعات طويلة أمضاها رجال الاطفاء في اخماد النيران، وهم الذين لم تخمد الدولة يوماً نيران حرمانهم حقهم بالتثبيت وحقهم بالضمان والرواتب التي تليق بتعبهم، تجدهم دوماً على خط النار، يرمون بأنفسهم داخلها لانقاذ بيئتهم وأراضيهم، فيما الدولة الكريمة ترمي بهم في شظف العيش والحرمان. فرغم ضعف الامكانيات وشح مادتي المازوت والبنزين مضى الشبان في عملية اخماد النيران، يعلو جبينهم التعب المجبول بالعتب على دولة تعرف مدى اهمية هذا الجهاز التطوعي الكبير ولا تهتم له، ولا تسعى حتى لدعمه بابسط الامكانيات، كانوا هم اسياد الميدان في قلب المعركة مع النيران التي حولت أحراجه كتلة رماد لا تصلح الا للحطب، ويحتاج ترميمها لعشرات السنوات ليعود الاخضر الحرجي كما كان.

من أضرم النيران؟ من إفتعل الحرائق؟ من يريد للجنوب وكل قرى لبنان أن تصبح رماداً؟ من المستفيد من كل تلك الحرائق المتنقلة والتي توسعت بفعل سرعة الرياح؟

لا يتردد رئيس بلدية صير الغربية سعد الله معتوق بالقول ان الحرائق بفعل فاعل، وأن البلدية بذلت قصارى جهدها بالتعاون مع عناصر الدفاع المدني والرسالة والهيئة الصحية واصحاب جرارات المياه لاخماد الحريق الذي أتى على مساحة واسعة جداً من حقول واحراج البلدة ولامس العديد من المنازل، ولفت الى ان البلدية اضطرت لتشغيل آبار الضخ لتعبئة خزانات المياه لتزويد الجرارات بها للمساهمة بإخماد الحريق الذي استمر حتى ساعات فجر الأحد، وأكد أن الكارثة البيئية التي منيت بها البلدة وكل البلدات المشتعلة كبيرة جداً، وظالمة جداً، فهي انتهاك كبير للغطاء الاخضر، موجّهاً اصابع الاتهام الى مفتعلين ارادوا تحويل الجنوب كتلة رماد لغاية في نفس يعقوبهم، معتبراً أن الخسارة الكبيرة لا يمكن تعويضها فهناك مئات الاشجار المعمرة والأحراج التي غدت كتلة متفحمة، ويسأل: ماذا يريد من افتعل الحريق؟

بإختصار، المشهد مُبكٍ، الجنوب تحت مرمى كرة النيران المشتعلة بفعل فاعل أراد ان يحول اخضره اسود قاتماً ليستفيد لاحقاً من حطب الأشجار المتفحمة للتدفئة، ضارباً بعرض الحائط خسارة آلاف الهيكتومترات من المساحات الخضراء من اشجار السنديان والبلوط والحور والزيتون والحمضيات، جل ما يريده المفتعلون الاستفادة المادية ولو على حساب تدمير الغطاء البيئي الحلو للجنوب.